تغير المناخ يهدد بجوع محقق

يحذر علماء ومختصون من أزمة غذائية وشيكة؛ إذ تتزايد الضغوط على الأنظمة الزراعية والموارد الطبيعية بسبب النمو السكاني السريع والتغيرات المناخية وتدهور البيئة. وفي ظل هذه التحديات تتعالى الأصوات منادية بضرورة اجتراح حلول جديدة ومستدامة من أجل تأمين الغذاء للأجيال القادمة.
بوساني بافانا
بولاوايو (زيمبابوي) - يمكن أن تصبح المحاصيل المحلية المهملة والمغذّية والمقاومة لقسوة المناخ مفتاحا لمعالجة مشكلة الجوع العالمي، لكن هذا الحل يتطلب استثمار الحكومات في البحث والتطوير حتى يمكن الاستفادة الفعلية مما تتيحه هذه المحاصيل.
ويدعو أكثر من 150 من الحائزين على جوائز نوبل وجائزة الغذاء العالمية إلى الاستثمار في التقنيات الواعدة لجني ثمار الحلول المبتكرة التي تشمل الاعتماد على هذه المحاصيل الأصيلة، محذرين من أن غياب الإجراءات السريعة سيخلق “عالما غير آمن غذائيا وغير مستقر.”
وتعني المحاصيل المهملة تلك الأصلية التي فُقدت أو نُسيت بمرور الوقت، مع أنها تبقى مهمة من أجل تحقيق الأمن الغذائي للمزارعين والمستهلكين في ظل شح الموارد، وخاصة في أفريقيا.
ووُجهت رسالة مفتوحة إلى اجتماع “البحث والتطوير الزراعي: تعزيز الأمن القومي الأميركي” بلجنة الزراعة في مجلس الشيوخ بواشنطن خلال الأسبوع الحالي.
ودعت قادة العالم إلى منح الأولوية للبحوث الزراعية العاجلة لتلبية الاحتياجات الغذائية بهدف سد حاجيات 10 مليارات شخص بحلول 2050. وحثت على تقديم الدعم المالي والسياسي لتطوير التقنيات الطموحة التي تحظى بأكبر فرصة لتجنب كارثة الجوع في السنوات الخمس والعشرين المقبلة.
وقال الحائزون على جوائز نوبل وجائزة الغذاء العالمية إن “الابتكارات العلمية الواعدة ومجالات البحث الناشئة التي ينبغي أن تحظى بالأولوية لتعزيز إنتاج الغذاء تشمل البحوث في المحاصيل المحلية القوية والمغذية التي يتواصل تجاهلها.”
وطرحوا أمثلة طموحة لتحسين عملية التمثيل الضوئي في المحاصيل الحيوية مثل القمح والأرز لتعزيز النمو وتطوير الحبوب التي يمكن أن تستخلص النيتروجين بيولوجيا وتنمو دون سماد.
وكتبوا في دعوتهم إلى الاستثمار البحثي لضمان الأمن الغذائي في العالم أن “حجم الطموح والبحوث التي ندعو إليها سيتطلب آليات لتحديد التنفيذ التعاوني وتوجيهه وتنسيقه ورصده وتسهيله لضمان تحقيق أهداف الأمن الغذائي المقترحة.”
وحققت البحوث الزراعية فوائد استثمارية، لكن أصحاب الرسالة أعربوا عن أسفهم لفشل هذه المساعي في تزويد سكان البلدان النامية بنظام تغذية مرن ومستدام بيئيا وفعال من حيث الكلفة. وهم متأكدون من أن تحسين الإنتاجية الزراعية سيكفي لتلبية احتياجات العالم الغذائية المستقبلية.
لكنهم يحذرون من تجاهل البحث والتطوير الزراعي، لأنه بذلك ستصبح النظم الزراعية العالمية مرتبطة بالاستخدام المتزايد للموارد المتناقصة غير القابلة للتجديد لإطعام البشرية.
وقالت الرسالة إن العالم لم يقترب حتى من تلبية الاحتياجات الغذائية المستقبلية، حيث يعاني حوالي 700 مليون شخص بالفعل من الجوع وسيحتاج 1.5 مليار شخص إلى الغذاء بحلول سنة 2050. ولذلك حثت على تطوير سلسلة القيمة الغذائية العالمية.
وتشمل المبادرات المقترحة الأخرى تعزيز منتوجات الغلال والخضروات لتحسين فترة التخزين والعمر الافتراضي وزيادة سلامة الأغذية، وإنشاء أخرى مغذية عبر الاستعانة ببحوث الكائنات الحية الدقيقة والفطريات.
وسبق أن تعهدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، خلال 2007، باستثمار واحد في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول 2020 في العلوم والبحوث. وكانت تلك محاولة طموحة للتنمية القائمة على العلم، ولكن الكثير من البلدان فشلت في تحقيق المنشود.
واعتبرت “الأجندة الأفريقية 2063” العلوم والتكنولوجيا والابتكار عوامل أساسية لتنمية القارة. ويُذكر أن الأجندة هي خارطة طريق إنمائية للخمسين سنة القادمة اعتمدها رؤساء الدول الأفريقية. وسيخفض تغير المناخ إنتاجية جل المواد الغذائية الأساسية مقابل الحاجة إلى زيادات كبيرة لإطعام سكان العالم الذين سينضاف إلى عددهم حوالي 1.5 مليار شخص آخر بحلول سنة 2050.
إلا أن التوقعات بالنسبة إلى الذرة، وهي الغذاء الرئيسي في أغلب بلدان أفريقيا، غير مطَمئنة. ومن المتوقع أن يتراجع محصول الذرة في مناطق زراعتها. وستتدهور الأوضاع أكثر نتيجة انتشار الظواهر الجوية القاسية المرتبطة بتغير المناخ.
كما سيتواصل انخفاض إنتاجية المحاصيل بسبب عوامل أخرى مثل تآكل التربة وتدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي ونقص المياه والصراعات والسياسات التي تكبح الابتكار.
◙ حوالي 700 مليون شخص يعانون بالفعل من الجوع، وسيحتاج 1.5 مليار شخص إلى الغذاء بحلول سنة 2050
وكان من بين محرري الرسالة روبرت وودرو ويلسون، الحائز على جائزة نوبل للفيزياء عام 1978 لاكتشافه إشعاع الخلفية الكونية الميكروي الذي دعم نظرية الانفجار العظيم، وووليسوينكا، أول أفريقي أسود يفوز بجائزة نوبل في الأدب.
وجاء في هذه الرسالة “تتجه البشرية نحو عالم يزيد فيه انعدام الأمن الغذائي بحلول منتصف القرن مقارنة بما نشهده اليوم، وتفاقم الوضع بسبب حلقة مفرغة من الصراع وانعدام الأمن الغذائي.”
وقال أكينوومي أديسينا رئيس البنك الأفريقي للتنمية، الذي نال جائزة الغذاء العالمية عام 2017، في بيان إن “آثار تغير المناخ تقلل بالفعل من إنتاج الغذاء في جميع أنحاء العالم. ويتجلى هذا خاصة في أفريقيا، التي لا تعد مسؤولة كبيرة عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وتشهد هذه القارة مع ذلك ارتفاع درجات الحرارة بشكل أسرع من أي مكان آخر. كما أن من المرجح أن ترتفع بأقل من النصف في البلدان منخفضة الدخل حيث يجب أن تتضاعف الإنتاجية تقريبا بحلول سنة 2050 مقارنة بما كانت عليه عام 1990.ولم يعد أمامنا سوى 25 عاما لتغيير هذا الوضع.”
وتضمنت الأسماء البارزة التي وجهت الرسالة الدالاي لاما الرابع عشر، ورئيس البنك الأفريقي للتنمية أكينوومي أديسينا، ومربي النباتات الإثيوبي – الأميركي جيبيسا إيجيتا، الذي قدّم له الرئيس جو بايدن “الميدالية الوطنية للعلوم”.
ونسّق هذا النداء كاري فاولر الحائز على جائزة الغذاء العالمية لعام 2024، وهو أيضا المبعوث الخاص للولايات المتحدة للأمن الغذائي العالمي. وقال فاولر “يجب أن نتخذ إجراءات جريئة لتغيير المسار.. وأن نكون مستعدين لمتابعة البحث العلمي عالي المخاطر وعالي المكافآت بهدف تطوير أنظمتنا الغذائية حتى تواكب جميع الاحتياجات الغذائية بشكل مستدام.”