عراقيون يجاهدون لترميم "كنوز" أثرية في نمرود

جهود إعادة تجميع الآثار تتركز إلى حد الآن على عملية جمع وتصنيف وعزل، على أن تتطور بعد إعداد الخطة اللازمة لتصبح عملية ترميم.
الخميس 2025/01/09
التاريخ لا يمّحي

بدأ المتخصصون في مجال الآثار جهودا مكثفة لترميم ما تم تدميره أو تضرر بفعل الهجمات الإرهابية لتنظيم داعش في العراق. وتشمل هذه الجهود إعادة تجميع القطع الأثرية المنهارة، مثل التماثيل والأسس المعمارية باستخدام التقنيات الحديثة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، وكذلك ترميم النقوش والزخارف المتضررة.

بغداد - عثر علماء أثار عراقيون على عشرات الآلاف من البقايا الأثرية العائدة إلى قصر تاريخي دمره تنظيم الدولة الإسلامية في موقع النمرود، جوهرة الإمبراطورية الآشورية في العراق.. لكنّهم يواجهون تحديا هائلا يتمثل في إعادة تجميع المئات من القطع المحطمة، بينها منحوتات لحيوانات أسطورية.

وبعدما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014 على مناطق واسعة في العراق وسوريا المجاورة، وصل التنظيم المتطرف إلى مدينة النمرود الأثرية، حيث دمّر مقاتلوه معابد وقصورا في الموقع الذي يبعد حوالي ثلاثين كيلومترا عن مدينة الموصل (شمال العراق).

وفي الموقع الذي تسعى السلطات العراقية إلى إدراجه على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، حطّم المتطرفون أثارا لا تُقدر بثمن، بينها 500 قطعة من الجداريات والأرضيات البارزة بأحجام مختلفة، فضلا عن أعداد كبيرة من تماثيل الثيران والأسود المجنحة بوجوه بشرية (ما يُعرف بالـ”لاماسو”)، كانت على مداخل قصر الملك الآشوري آشورناصربال الثاني ويعود تاريخها إلى ثلاثة آلاف عام. وحتى الآن، تمكن علماء أثار عراقيون من جمع أكثر من 35 ألف قطعة بفضل أعمال تنقيب أثري دقيقة.

ويقول خبير الآثار العراقي عبدالغني راضي أحمد (47 عاما)، أحد كوادر مفتشية آثار وتراث محافظة نينوى حيث تقع نمرود، لوكالة فرانس برس “عند انتشال أي قطعة أثرية وإرجاعها إلى مكانها الأصلي، نشعر كأننا أمام اكتشاف جديد”.

حح

ويبدو العمل لإعادة تشكيل القطع الأثرية المحطمة أشبه بأحجية “بازل”، إذ توضع القطع العائدة إلى الأعمال الأثرية نفسها جنبا إلى جنب، مفروشة تحت قماش أخضر اللون.

ورغم عمليات التشويه ، أمكن على إحدى جداريات القصر المدمرة التعرف على الملك الآشوري آشورناصربال الثاني مجسّدا بطريقة النحت الغائر، إلى جوار ملاك مجنح تبدو تجاعيد لحيته منحوتة بكثافة، مع نحت محفور لزهرة على معصمه.

وعلى جدارية أخرى، مشهد لأسرى مقيّدي الأيدي ينحدرون من المناطق المتمردة التي أخضعها الجيش الآشوري. وهناك تمثال “لاماسو” أعيد تشكيله بشكل جزئي مستلقيا على جانبه، فضلا عن جدران تغطيها كتابات مسمارية.

ويوضح راضي أن “هذه المنحوتات تُعتبر كنوزا لبلاد ما بين النهرين”، واصفا مدينة النمرود بأنها “إرث للإنسانية جمعاء ولكل العالم لأنها عمق تاريخي يمتد لثلاثة آلاف سنة”.

وأُسّست نمرود في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وكانت ثاني عاصمة للإمبراطورية الآشورية التي بلغت ذروتها خلال القرن التاسع قبل الميلاد، وكانت تسمى كالحو (أو كالهو).

ويقول مدير معهد الأبحاث الأكاديمية في العراق محمد قاسم إن جهود إعادة تجميع الآثار تتركز “إلى حد الآن على عملية جمع وتصنيف وعزل، على أن تتطور بعد إعداد الخطة اللازمة لتصبح عملية ترميم”.

ويؤكد بأنه حتى الآن، جرى الانتهاء من 70 في المئة من أعمال الجمع في القصر المدمر، مشيرا إلى الحاجة لاثني عشر شهرا إضافيا من العمل الميداني لإنجاز المهمة بالكامل. ويصف هذه العملية بأنها “معقدة”.

وعمل المعهد بالتنسيق مع علماء أثار عراقيين ليكون همزة الوصل مع معهد سميثسونيان الأميركي من خلال تقديم دورات تدريبية للفريق العراقي “لإنقاذ” نمرود والحفاظ على الآثار.

ويلفت قاسم إلى أن عملية الترميم “تحتاج إلى خبرة أجنبية” و”دعم دولي” نظرا إلى ما تعرضت له النمرود من “عملية تدمير بربرية كبيرة ربما لم تحدث في التاريخ الحديث لموقع أثري”.

عع

ويشير إلى أن الدمار اللاحق بالمدينة الأثرية شكّل ضربة لـ”أهم المواقع الأثرية في حضارة بلاد ما بين النهرين،” مذكّرا بأن هذا الموقع “يمثل واحدا من أبرز المعالم التي تؤرشف الفن والعمارة في الحضارة الأشورية حين كان الإنتاج الفني في أرقى مستوياته”.

واكتسبت نمرود التي شهدت عمليات تنقيب منذ القرن التاسع عشر، شهرة عالمية واسعة عندما نُقلت منها تماثيل “لاماسو” ضخمة إلى المتحف البريطاني أو متحف اللوفر في باريس.

كما عُرضت قطع أثرية أخرى من الموقع الذي أقامت فيه الكاتبة البريطانية أغاثا كريستي مع زوجها الثاني عالم الآثار، في متاحف بغداد والموصل.

من جانبه، أشاد وزير الثقافة العراقية أحمد فكاك البدراني لدى زيارته موقع نمرود بـ”جهد (…) شاق” بذله علماء الآثار لتجميع قطع محطمة ومقارنتها مع “ما هو موجود لديهم من رسومات وصور”.

وأشار إلى أنه “بسبب التفجير، لا يمكن معرفة عدد الآثار التي سُرقت” من جانب التنظيم الذي كان يبيع هذه القطع الأثرية في السوق السوداء العالمية.

ويرى البدراني أن “إجراء عملية صيانة حقيقية يتطلب منا جهدا لا يقل عن عشر سنوات، وخبرات إضافية ورصد مبالغ مالية لأنها تحتاج إلى مواد خاصة بالآثار لتعود إلى مكانها الطبيعي”.

18