ضبط مخيم جنين يختبر قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة اليوم التالي في غزة

إسرائيل تمنح السلطة فرصة: إذا تمكنتم من إثبات قدرتكم على السيطرة على جنين فإننا سنفكر في تسليمكم غزة.
الجمعة 2025/01/03
استتباب الأمن في جنين جرعة دعم لعباس

السلطة الفلسطينية بدأت قبل أكثر من أسبوعين عملية واسعة في جنين ضد مسلحين في المخيم المكتظ، في بداية تحرك هو الأقوى منذ سنوات طويلة، من المفترض أن يطال مناطق أخرى، في محاولة لاستعادة زمام المبادرة وفرض سيطرتها الأمنية.

رام الله - تختبر العملية الأمنية في جنين لضبط المجموعات المسلحة بالمخيم المكتظ قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة اليوم التالي في غزة والذي لم تتضح معالمه بعد، إلا أن السلطة الفلسطينية تبقى المرشح الأكثر احتمالا وواقعية لإدارة القطاع المدمر خلفا لحماس المنهارة.

ويرى محللون في تمسك السلطة الفلسطينية بالحملة الأمنية في جنين لضبط المجموعات المسلحة، رغم مساع قادتها عدة أطراف وطنية لإيقافها، سعيا للتكيّف مع قيادة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وإظهار قدرتها على السيطرة على قطاع غزة بعد توقّف الحرب حيث ضعفت حماس إلى حد كبير نتيجة الحرب المتواصلة منذ أكثر من 14 شهرا بينها وبين إسرائيل.

وتدور منذ أسابيع معارك عنيفة في المخيم بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية و”كتيبة جنين” التي تسيطر على المخيم وتتألف من مسلحين ينتمون إلى فصائل فلسطينية مختلفة، ما تسبّب بمقتل أحد عشر شخصا بينهم خمسة عناصر من الأمن الفلسطيني وناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وأربعة مدنيين آخرين وقيادي من كتيبة جنين.

وينتمي معظم عناصر كتيبة جنين إلى حركتي الجهاد الإسلامي وحماس اللتين تخوضان منذ السابع من أكتوبر 2023، حربا مدمّرة في قطاع غزة مع الجيش الإسرائيلي. ويقول مسؤول في السلطة فضّل عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس “الرئيس محمود عباس يرفض بشكل قاطع أي وساطة… ويشدّد على أن يسلّم هؤلاء (المسلّحون) أنفسهم وأسلحتهم للسلطة الفلسطينية.”

وبدأت الأحداث في الخامس من ديسمبر، عقب اعتقال الأجهزة الأمنية قياديا ميدانيا من كتيبة جنين بتهمة حيازة أسلحة وأموال، أعقبه قيام مسلحين بمصادرة مركبتين تابعتين للسلطة الفلسطينية. وعلى الإثر، بدأت الأجهزة الأمنية عملية عسكرية تحت شعار “حماية الوطن”، فحاصرت المخيم بعدد كبير من الآليات والعناصر. واندلعت المواجهات بين الطرفين.

وقالت الأجهزة في بياناتها إنها تستهدف “الخارجين عن القانون.” وشدّد المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية اللواء أنور رجب في بيان على أنه “لن يكون هناك أي تساهل مع هذه الفئة الضالة الخارجة على القانون.” وقال “ستواصل الأجهزة الأمنية وبكل ما أوتيت من قوة، العمل لفرض النظام والقضاء على الفوضى وحماية أمن شعبنا مهما كانت التضحيات.”

زمام المبادرة

في تحليل صادر عن المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية الأسبوع الماضي، تحدّث مدير المركز هاني المصري عن توقيت الحملة الأمنية التي تنفّذ مع اقتراب التوصل إلى هدنة في قطاع غزة، وتتزامن مع تولي دونالد ترامب سدّة البيت الأبيض في العشرين من يناير.

وحذّر المصري من “الوقوع في براثن أوهام جديدة بأن ترامب الجديد يختلف عن ترامب القديم، وأن القيادة الفلسطينية إذا اختارت التعامل والتكيّف معه بدلا من المقاطعة… يمكن أن تتقي شره، أو يمكن أن يوافق على بقاء السلطة في الضفة، وعلى عودتها إلى غزة إذا أثبتت جدارتها.” وأضاف “تعتقد السلطة أنها ستكون مقبولة لدى ترامب الجديد إذا خفضت السقف الفلسطيني.”

◙ ما يحدث في جنين هو بروفة حاسمة تحاول السلطة الفلسطينية من خلالها فرض سيطرتها ومن الممكن أن تنتقل إلى مناطق أخرى

وكانت علاقات السلطة الفلسطينية برئاسة عباس تدهورت كثيرا خلال الولاية الأولى لترامب الذي نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس وأوقف المساعدات الأميركية للفلسطينيين وأعلن خطة للسلام عُرفت بـ”صفقة القرن” تسيطر من خلالها إسرائيل على القدس الشرقية وتضم 30 في المئة من الضفة الغربية.

ويقول المحلّل السياسي خليل شاهين لوكالة فرانس برس “ما يحدث في جنين هو بروفا حاسمة تحاول السلطة الفلسطينية من خلالها فرض سيطرتها وفرض الأمن في جنين ومنطقتها، ومن الممكن أن تنتقل إلى مناطق أخرى.” ويضيف أنها “تدرك تماما أنها أمام اختبار وتحاول أن تنحني أمام العاصفة في ظل الهجمات الإسرائيلية والتغييرات التي حصلت في المنطقة، وتستعد لدخول مرحلة ترامب.”

وتضاف حلقة العنف الجديدة هذه في الضفة الغربية إلى المواجهات الناتجة عن الغارات والمداهمات الإسرائيلية وهجمات المستوطنين، والتي ازدادت بنسبة كبيرة منذ بدء الحرب في غزة. وكان مخيم جنين مسرحا لمداهمات عدة ومواجهات دامية. واتهمت حركتا حماس والجهاد الإسلامي السلطة الفلسطينية بخدمة أهداف إسرائيل. ويخشى كثيرون من توسّع النزاع الفلسطيني – الفلسطيني.

وخاضت حركتا حماس وفتح التي يترأسها محمود عباس مواجهة دامية في العام 2007 انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة وطرد حركة فتح منه. ومنذ ذلك الحين، لم تنجح جهود الوساطة للمصالحة بين الطرفين.

خطة فتح

ازداد التوتر مع انتشار مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر أشخاصا قيل إنهم من الأجهزة الأمنية يضعون شابا في حاوية قمامة، أو يجبرون شخصين على الركوع وتكرار ولائهما لـ”أبو مازن”، الرئيس الفلسطيني. كما تمّ التداول بفيديوهات تظهر تحقيقات مذلّة مع آخرين. ودانت حركة حماس “الانتهاكات الخطيرة التي تنفذها أجهزة السلطة في الضفة الغريبة.” وقالت إن ما يحدث “يضرب وحدة صفنا في مواجهة جرائم الاحتلال والمستوطنين ويساعد الاحتلال على تصفية قضيتنا.”

أما حركة فتح فقالت في بيان صدر عن مفوضية الإعلام والتعبئة الفكرية التابع للحركة “إنّ من يشرعن الفوضى والفلتان الأمني.. لا يتمايز بأهدافه ومساعيه عن مخططات الاحتلال الإباديّة." واعتبر المحلل السياسي عبدالمهدي مطاوع أن ما تقوم به الأجهزة الأمنية في جنين "تأخر كثيرا، وكان يجب إنهاء مثل هذا الفلتان مبكرا"، متهما أغلب المسلحين بأنهم “ممولون إيرانيا."

وقال مطاوع إن تقاربهم من إيران "يعطي إسرائيل مبررا كافيا لتكرار اجتياحات المخيمات، وهي كانت بالفعل قد دمرت مدينة جنين. كان واضحا أنها تريد تكرار تجربة غزة في الضفة الغربية، ليتسنى لها تنفيذ مخطط الضم"، في إشارة إلى دعوات في إسرائيل إلى ضم أراضي الضفة الغربية.

واعتبر مطاوع أن ما يحدث من المسلحين في جنين "من استعراض بالسلاح داخل المخيم، تكرار لسيناريو الفلتان الأمني في غزة، الذي تبعه عصيان ثم انقلاب"، في إشارة إلى سيطرة حماس على الحكم في القطاع عام 2007. وأضاف أن كل طرف (السلطة ومسلحي جنين) يرى أن الآخر “يشارك في تنفيذ مخطط إسرائيل."

ولفت إلى أن تكرار سيناريو غزة في الضفة سيقود إلى نفس النتيجة “ومواجهة هذا المخطط تستدعي وجود سلطة واحدة تحكم غزة والضفة الغربية، وعلى حماس إنقاذ أهل غزة والضفة والتخلي عن حكم القطاع لإبطال ذرائع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بخصوص إنهاء الحرب.”

وبموجب اتفاقيات أوسلو التي تم توقيعها في تسعينات القرن العشرين بهدف إقامة دولة فلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن الأمن في معظم أنحاء الضفة الغربية. لكن في السنوات التي تلت ذلك، وسعت إسرائيل سيطرتها على الأراضي المحتلة، ووسعت المستوطنات، ونفذت مداهمات متكررة ضد الجماعات الفلسطينية المسلحة.

◙ الأحداث في جنين تشكل أيضا مؤشرا على النفوذ الإيراني بين المسلحين
◙ الأحداث في جنين تشكل مؤشرا على النفوذ الإيراني بين المسلحين

وقال قيس السعدي، أحد قادة المسلحين، لشبكة سي.أن.أن في مقابلة معه من داخل المخيم “إسرائيل تمنح السلطة فرصة في جنين، وهي تقول في الأساس: إذا تمكنتم من إثبات قدرتكم على السيطرة على جنين، وهي مدينة صغيرة، فإننا سنفكر في تسليمكم غزة."

كما أن الأحداث في جنين تشكل أيضا مؤشرا على النفوذ الإيراني بين المسلحين. فقد اعترف السعدي بأن المساعدة تأتي من إيران، وهو ما يشكل مصدر قلق متزايد لأجهزة الأمن الإسرائيلية. وأضاف "نتلقى الدعم من إيران ومن أي جهة مستعدة لمساعدتنا، ولكننا لا ننتمي إلى إيران أو إلى أي كيان خارجي خارج المناطق الفلسطينية."

ومن الصعب تقييم مدى ونوع الدعم الإيراني للمسلحين. ولكن قوات الأمن الإسرائيلية قالت في نوفمبر الماضي إنها صادرت كميات كبيرة من الأسلحة التي زودتها بها إيران قرب جنين. وأطلقت السلطة حملتها على قاعدة أن ثمة مخططا لنشر الفوضى في الضفة الغربية وصولا إلى تقويض السلطة وإعادة احتلال المنطقة.

وخلال عام الحرب، هاجمت الرئاسة وحركة فتح إيران أكثر من مرة، واتهمتاها “بالتدخل في الشأن الفلسطيني ومحاولة جلب حروب وفتن وفوضى.” وبدأت الحملة الفلسطينية في جنين بعد أيام من تحذيرات إسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا (انهيار نظام الأسد) ضمن وضع تُعرِّفه الأجهزة بأنه “تدحرج حجارة الدومينو."

ولمَّحت إسرائيل إلى أن السلطة تخشى من تحرك جماعات في الضفة على غرار سوريا للسيطرة على الحكم. لكن بعد العملية، قال مسؤولون عسكريون إن الجيش الإسرائيلي يؤيد تعزيز السلطة الفلسطينية حتى تتمكّن من مكافحة الهجمات في الضفة الغربية بشكل أكثر فاعلية. وكشفت تقارير صحفية قبل أشهر أن السلطة الفلسطينية قدمت “سرا” للإدارة الأميركية خطة مكونة من حوالي 100 صفحة تستعرض فيها تفاصيل السيطرة على قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

وتهدف الخطة إلى السماح للوزارات الفلسطينية بالعمل في القطاع بعد انسحاب إسرائيل منه، بواسطة 12 ألف موظف يحصلون على رواتبهم من السلطة. وبحسب قراءة المختص في الشؤون العربية للقناة 12 الإسرائيلية يهودا يعاري، فإن الخطة تشير إلى “الحاجة إلى دعم دولي في الأنقاض وإعادة البناء وإنشاء شبكات الكهرباء والاتصالات.”

ولم توضح الخطة، وفق القناة 12، كيف ستمنع حماس من إعادة بناء قوتها العسكرية، أو كيف يمكن منع إطلاق النار على إسرائيل من قطاع غزة، ولا تقترح أيضا حلولا لكيفية منع عمليات التهريب من محور فيلادلفيا ومعبر رفح التي تقلق إسرائيل. كما أن الخطة لا تجيب على ما يتعلق بتحمل المسؤولية الأمنية في المنطقة، وتتحدث عن الحاجة إلى دعم دولي في القضايا الشُرطية والأمنية. ولم تشر الخطة إلى أي نوع من الوجود الدولي في قطاع غزة في اليوم التالي لانتهاء الحرب، ولم تتطرق أيضا إلى مستقبل حركة حماس في القطاع.

6