الحرف التراثية في الإمارات.. قصة الوفاء للماضي

الحرف التراثية في الإمارات تعكس أصالة الشعب الإماراتي وارتباطه العميق بالبيئة المحيطة به وتقاليده.
الأحد 2024/12/29
مهارات حية

تعتبر الحرف التراثية في الإمارات جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد، حيث تعكس أصالة الشعب الإماراتي وارتباطه العميق بالبيئة المحيطة به وتقاليده. وقد تطورت هذه الحرف عبر العصور، وكانت تمثل وسائل أساسية للعيش في مجتمع يعتمد على البحر والصحراء.

أبوظبي ـ تحظى الحرف التقليدية والمهن التراثية باهتمام بالغ في الإمارات، وقد أصبح الحفاظ عليها وتعريف الأجيال الجديدة بها عملاً مؤسسيّا راسخا عماده التخطيط بعيد المدى، وإعداد الكفاءات الوطنية المؤهلة وتزويدها بكل ما يلزم لإبقاء هذه المهن على قيد الحياة، والترويج لها على أوسع نطاق، لما تمثله من قيمة كبرى في ثقافة الإماراتيين وذاكرتهم.

وتعد قائمة الحرف التقليدية والتاريخية الإماراتية طويلة، حيث تضم أنواعا متعددة تتنوع بين بيئات البحر والصحراء والجبال والواحات، وشكلت جميعها لوحة إنسانية ثقافية غنية، أبرز ملامحها فن التأقلم مع المكان والظروف المناخية، وقهر الصعاب، والتمسك بالهوية الوطنية والتاريخ العريق والحضارة الإنسانية لشعب عرف بكرامة العيش والبناء على أمجاد الأولين لبناء الحاضر الجميل واستشراف المستقبل الواعد.

عشرات الحرف التقليدية مازالت حية في المجتمع الإماراتي، وتستأثر بالأضواء في المهرجانات والمناسبات الوطنية التي تستقطب ممارسين مهرة في صناعة السيوف والخناجر، والتلي، والحبال، وتجريد الخوص، وغزل الصوف، وقرض البراقع، والنجارة وصنع اليازرة، والقراقير، والسفافة، والسفن، والعطور، والسدو، والدخون، والحلوى، والأطباق الشعبية وغيرها الكثير.

صنع الحرفيون المهرة في مدن الإمارات السيوف والخناجر والأدوات المنزلية النحاسية، وأبدع سكان المناطق الجبلية في صناعة الفخار وبناء المنازل الحجرية الحصينة، وحفر الآبار والبرك. وانتشرت صناعة “المالح” على سواحل الإمارات، خاصة في المنطقة الشرقية، وهي طريقة تقليدية كانت تنشط في فصل الصيف لحفظ الأسماك لأطول فترة ممكنة، ومازالت تحظى بإقبال مكثف حتى وقتنا الراهن.

وبرع سكان السواحل في بناء السفن الكبيرة مثل “البومة”، والمراكب الخشبية الصغيرة وأدوات صيد الأسماك، مثل “القرقور” الذي يعد من أقدم أدوات الصيد في الإمارات، وكان يصنع من سعف النخيل قبل الاتجاه لاحقاً نحو استخدام الأسلاك المعدنية، كما برعوا في صناعة شباك “الليخ” من خيوط القطن أو النايلون.

◙ عشرات الحرف التقليدية مازالت حية في المجتمع الإماراتي وتستأثر بالأضواء في المهرجانات والمناسبات الوطنية التي تستقطب ممارسين مهرة
◙ عشرات الحرف التقليدية مازالت حية في المجتمع الإماراتي وتستأثر بالأضواء في المهرجانات والمناسبات الوطنية التي تستقطب ممارسين مهرة

ولأهل الإمارات علاقة خاصة مع شجرة النخيل، وقد أبدعوا في الاستفادة من كل ما تجود به، من ثمار وجذوع وألياف وجريد وسعف، فصنعوا من الجذوع أعمدة للخيام ولبناء المنازل القديمة، ومن الجريد صنعوا أسرة للنوم ومقاعد وأقفاصا للطيور.

وفي المناطق التي يكثر فيها النخيل انتشرت مهنة “السفافة”، وهي أحد الأشغال اليدوية التي كانت تزاولها المرأة الإماراتية قديما، وهو نسج خوص النخل، وتبدأ العملية بتنظيف الخوص ثم يتم تشريحه، ويصبغ بألوان حسب الطلب قبل نقعه بالماء ليصبح لينا، وبعد ذلك تجدل النسوة من هذا الخوص جدائل تشبك مع بعضها البعض وتشذب بقص الزوائد منها لتصبح “سُفَّة” جاهزة لتصنيع أدوات منزلية لا غنى عنها، مثل السلة والمهفَّة والمِشَبّ والْجراب والحصير وغيرها.

واشتهر سكان المناطق الزراعية في الإمارات بالبراعة في المهن والصناعات الخاصة بالحصول على الماء وأدوات الري، ومن أهمها “اليازرة”، وهي عبارة عن قوائم خشبية تتدلى منها حبال إلى بئر الماء بدلو أو دلوين، وبعد أن تتجمع فيها المياه تجرها الثيران إلى سطح البئر ومن ثم تفرغ المياه في قنوات معدة مسبقا لتسلك طريقها إلى سقاية المزروعات.

كما اهتم سكان المناطق الزراعية بصناعة الدبس من التمور، لاستخدامه في إنتاج الحلويات والمأكولات الشعبية. وتحظى حرفة “السدو” بأهمية بالغة في تراث دولة الإمارات، وقد تمكنت الدولة من إدراجها عام 2011 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية التي تحتاج إلى صون عاجل.

وقديما برعت النساء، خاصة الموجودات في البادية، في حرفة “السدو” وغزل الصوف، وأبدعت أناملهن الذهبية أشكالاً بديعة زينت بيوت الشعر، ومازالت تلك الإبداعات حاضرة رغم انتشار المنتجات المقلدة.

ويعتبر “السدو” أحد أنواع النسيج البدوي التقليدي، وغالبا ما يستخدم وبر الإبل أو شعر الماعز وصوف الغنم في حياكته. وتعد حرفة “التلي” من الحرف التراثية الشهيرة، ومن أعرق فنون التطريز في دولة الإمارات، وهي عبارة عن خيوط الحرير والخوصة المعدنية، وتنسج على أداة تسمى “كاجوجة”، وهي مخدة على قاعدة حديدية تثبت الخيوط عليها.

وكانت حرفة “التلي” التي تم إدراجها على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي خلال نوفمبر الماضي لا تزال تستخدم في تزيين الملابس النسائية الإماراتية، وكانت تصنع باستخدام خيوط من الفضة والذهب، ولكن اليوم تستخدم فيها خيوط معدنية مسطحة، وباتت قطع “التلي” تستخدم في أشياء مختلفة غير الملابس.

وقد تصعب الإحاطة بجميع الحرف التقليدية والمهن التراثية في دولة الإمارات، فقد ارتبطت بأوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي، ومثلت مفردة يومية في حياة أهل الإمارات، ما جعل من المحافظة عليها وصونها مسؤولية وطنية تتعاقب على حفظها الأجيال.

18