"الزُّرق" و"الأوارك" من سلالات الإبل النادرة

بعضها قليل والبعض الآخر ينقرض.
السبت 2024/12/28
مزيج من ألوان متداخلة باهتة

تعتبر الإبل جزءا مهما من التراث الثقافي والاقتصادي في الخليج العربي، حيث تتم تربيتها في مناطق متعددة من المملكة. وقد اشتهرت بعض سلالات الإبل في السعودية بخصائصها الفريدة والمميزة، والتي تجعلها نادرة وقيمة، منها الناقة الزّرقاء، وفصيلة “الأوارك” وهي من السلالات التي أصبحت نادرة وتوشك على الانقراض.

الرياض ـ تعد الناقة الزرقاء من نوادر الإبل، ويراد بها التي امتزج فيها اللونان الأبيض والأسود معا، أو الأسود والأحمر، وتُسمّى قديما “ورقاء”، لأن صفة الورقاء هي صفة الزّرقاء، وصفاتهما الجسمية والنفسية متشابهة.

والأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلى سواد، والورقة سواد في غبرة، وقيل، سواد وبياض كدخان الرّمث يكون ذلك في أنواع البهائم وأكثر ذلك من الإبل، وهذه الصفات التي وصف بها الأورق، هي الصفات التي يمكن أن يوصف بها  الأزرق من الإبل اليوم.

وزُرقة الإبل ليست كزرقة القماش، بل هي صفة معنوية للناقة التي يغتشي لونها مثل “دخان الرِّمث”، فهو مزيج من ألوان متداخلة باهتة.

وللناقة الزّرقاء مسميات أخرى عند بعض أبناء البادية، فقد يطلقون عليها مسمى “قتراء” و”كدراء” و”كعّاء” و”دخناء” ويقول عنها آل مرة وبعض العجمان “حمّاء” وهي التي يختلط بوبرها اللون الرّمادي والأسود.

وفي بعض مناطق الحجاز يسمونها “ربداء” ويشبّهون لونها بالغيم.

يوجد نوع من الإبل الزّرق يسمى الكنانية وهي تحمل مواصفات الإبل المجاهيم من حيث الطول والحجم وشكل الرأس والرقبة

وقد يكون غمق اللون في اللحي أو المناكب (اللهود)، أو الرأس أو اليدين دون سائر الجسد، وقد يكون في بطن يديها بياض ولحييها، وأسفل رقبتها.

وتنقسم الإبل الزُّرق إلى أربعة أنواع، هي “زرقاء المجاهيم”، وهي التي وبرها الأسود أكثر من الأبيض ويختلط بها اللون الرمادي، وفيها مواصفات المجاهيم مثل وقوف الأذن وغيرها، وهي أفضل الزُّرق قاطبة، ومن البدو من يسميها “حماء”، و”زرقاء المغاتير”، وهي التي وبرها الأبيض أكثر من الأسود، وبعضهم يسميها “كدراء”. و”زرقاء الحُمر”، ويكون وبرها الأبيض مشربا بحمرة ومختلطا مع السواد، وفي “الأوارك إبل زرق”، قليلة أتت من تهجينها بالإبل الحمر والمجاهيم.

ويوجد نوع من الإبل الزّرق يسمى الكنانية أو “الرفاعية الكنانية”، وهي من منطقة الفاو بالسودان، وتتميز بوفرة الحليب، وهي تحمل مواصفات الإبل المجاهيم من حيث الطول والحجم وشكل الرأس والرقبة، إلا أن مؤخرتها (العيز) أصغر من المجاهيم، وقد هُجن بعضها بالمجاهيم.

وتتعدد الأقوال في كيفية إنتاج الإبل لهذا اللون، فمنهم من يقول إن “الزرقاء” هي الناقة التي أبوها أوضح وأمها مجهم أو العكس، وقد يكون بتزاوج هذين اللونين مع اللون الأحمر، علما أنه قد يضرب “الجمل الأزرق” الناقة التي في مثل جنس لونه، فتأتي بحوار لونه مختلف، لذلك يقولون عن الأمر الذي قد لا يتحقق “لا جابت الزرقا زريق”.

وتنتشر “الإبل الزُّرق” على نطاق واسع في الجزيرة العربية، خصوصا في الوديان السّروية الشرقية وفي مناطق نجد عموما، أما خارج الجزيرة فتنتشر في السودان وباكستان.

ومن الأسباب التي أسهمت في عدم تكاثر “الإبل الزُّرق” أنها جلوبة لأهل الإبل، فمن عادتهم أنهم يبيعون الناقة التي يشذ لونها عن القطيع وبخاصة “الزرقاء”.

ومن صفاتها “الجفل”، ويقصد به النفور والوحشة، فغالبا ما تكون “الناقة الزرقاء” شرودا، كما تشتهر ببطء السير، والعجلة والمزاج المتقلب والعصيان وكثرة الانفلات من قبضة الراعي، ومن أقوال العرب في ذلك “أبيض فشاش، أحمر شواش، أزرق ينحاش”، أي يفر من صاحبه.

نوق «الجفل»
نوق "الجفل"

ومن سلالات الأبل التي أصبحت نادرة فصيلة “الأوارك” التي توشك على الانقراض جراء تهجينها مع سلالات الإبل الأخرى، سواء كانت عربية أم وافدة، ولتحول رغبات ملاكها إلى اقتناء أنواع الإبل الأخرى.

وتعد “الأوارك” من أعرق إبل العرب، حيث ورد اسمها في الكثير من أشعارهم، بل عدوها من كرائم أموالهم.

وتعيش “الأوارك” في تهامة الحجاز، وعسير، والباحة، وسهول جازان، ونجران، والأودية التي تنحدر من جبال السروات مثل: تثليث، وطريب، وبيشة، ورنية، والخرمة، وتربة خاصة عند “قبيلة الموركة”، وهناك تباين بين “أوارك” كل منطقة، نظرا لاختلاف طبيعة أرضها ومناخها، لكنه تباين يميزه كل من له أدنى معرفة بالإبل.

ويخلط بعضهم بين الإبل “الأوارك”، وبين “السواحل”، و”العوادي”، و”الحضانا”، والصحيح أن هذه السلالات تختلف عن بعضها، وإن تشابهت أو اشتركت في بعض الصفات.

وللإبل “الأوارك” أنواع وألوان قبل أن يدخلها التهجين، فمن أنواعها “العرابى”: وهي من آصل إبل العرب، ويميزها كِبَرُ جرمها وكثرة وبرتها، لذلك فهي شديدة المقاومة للحر والبرد، و”الخواوير”: وهي التي جلدها رقيق، ووبرتها خفيفة وحليبها كثير.

أما ألوانها فمنها “البِيض” وهي أشهرها، وبياضها ناصع، و”الحمر التي يخالطها بياض”، ويسمونها (شعرة الظبي)، كونها تشبه الظباء الأدم في لونها القريب من اللون الأشقر، و”السُمر”، ولا يقصد بالسّمار معنى (السّواد)، وإنما يراد به لون “الأدمة” أو اللون “الأدهم الفاتح”، فالسُّمرة منزلة بين البياض والسواد، يكون ذلك في ألوان الناس والإبل وغير ذلك، إلا أن الأدمة في الإبل أكثر كما في لسان العرب.

Thumbnail

وتشتهر منطقة نجران بسمر الأوارك، ومن قبائل نجران من يعتزي بها إلى اليوم، كما يقول الباحث صالح آل مريح في كتابه “نجران هذه بلادنا”.

وتتصف “الإبل الأوارك” عموما بحجمها المتوسط، وعيزها المتقدم، ورأسها الصغير المستدق، وآذانها الواقفة، وسبالها القصيرة، ولونها الناصع. كما تتميز بكثرة الحليب وطيب مذاقه.

ومما تميزت به “الإبل الأوارك” أنه يكفيها القليل من الطعام، وما تجده من نباتات أو أشجار، كما عرفت بسرعة الجري خاصة الهجن منها، يقول عن ذلك الأديب حسين سرحان “الأوارك والعمانيات الحرائر إذا أحسنوا ترويضهن وتدريبهن أسففن برموشهن حتى تكاد مشافرهن تمس الأرض، وطفقن يملن بها يمنة ويسرة وعلوا وسفلا؛ وأحسب أنها هي مشية الهيدبى التي أشار إليها المتنبي في مقصورته”.

وتعد ميزة تحمل الجفاف من أبرز صفات “الأوارك”، أما شيل الأحمال فالمجاهيم أشد تحملا وقوة منها.

وتنفرد “الإبل الأوارك” بميزة لا توجد في أصناف الإبل الأخرى إلا نادرا، إذ تشير موسوعة الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية إلى أن “الإبل الأوارك منتشرة في الأودية التي يكثر فيها شجر الأراك، وعادة ما يقتنيها أصحاب هذه المناطق، سواء كانوا مزارعين أو بادية، لأنها لا تغادر مناطقها إطلاقا، ولا يخافون عليها من الابتعاد عنها”.

16