تونسية تحفر "الوشم الأمازيغي" على أجساد النساء

منال مهدواني أمضت عقدا كاملا لبحث وفهم رموز الوشم الأمازيغي متنقلة بين القرى في الجنوب التونسي لكنها لم تظفر بإجابات كاملة.
السبت 2024/12/28
بصمة وجذور

منال مهدواني تعمل على إعادة إحياء هذا الفن التقليدي باستخدام تقنيات الوشم الحديثة مع المحافظة على الرموز والمعاني الأصلية لهذا الفن، مثل الأشكال الهندسية والرمزية التي ترتبط بالثقافة الأمازيغية لإعطائه مكانة ضمن الفنون المعاصرة.

تونس - قضت منال مهدواني عقدا كاملا لبحث وفهم رموز الوشم الأمازيغي متنقلة بين القرى في الجنوب التونسي ولكنها لم تظفر بإجابات كاملة. وبدأت قصة منال منذ طفولتها مع جدتها التي كانت تحمل أوشاما في يدها، لم يتسن لمنال معرفة تفاصيلها وماذا تحكي رموزها حتى وفاتها.

ومع ذلك مضت الفتاة الثلاثينية قدما في ورشتها الخاصة بمنزلها قرب العاصمة، في إعادة الحياة إلى أحد أهم الطقوس الجمالية التي مارسها الأجداد الأمازيغ، السكان الأصليون في تونس.

بدأت منال مهنة الوشم بعد إتمام دراستها الجامعية في عام 2013. وبعدها بعامين بدأت بالتخصص في الوشم الأمازيغي، لكن قبل ذلك انطلقت في بحوثها بشأن خصوصيات هذه الممارسة التقليدية. تقول “أردت فعل شيء مختلف وأن لا اكتفي بمجرد الوشم.”

وتضيف “كنت مولعة بالوشم الهندسي وأحب المدرسة الواقعية. ولكن أحببت أكثر العودة إلى جذورنا. لدينا الكثير من النساء في عائلة والدي يحملن أوشاما في وجوههن وأيديهن. كان لدي دائما فضول لفهم هذه الرسوم.” وتابعت الفتاة "بدأت أبحث في تاريخ الوشم الأمازيغي وأزور الكثير من الأماكن واتضح لي أن الموضوع أعمق بكثير مما كنت أتصور."

◙ الأمازيغ مارسوا الوشم لغايات طبية، إذ كانوا يعتقدون أنه يساعد على الشفاء من الأمراض
◙ الأمازيغ مارسوا الوشم لغايات طبية، إذ كانوا يعتقدون أنه يساعد على الشفاء من الأمراض

تمتد حضارة الأمازيغ في تونس إلى الآلاف من السنين وتحتفظ حتى اليوم بعض القرى في الجنوب على طرق الحياة التقليدية للسكان الأصليين الذين لا يتجاوز عددهم نسبة 5 في المئة من إجمالي سكان تونس وفق دراسات مستقلة.

وتقول منال إن "عادة الوشم هذه بدأت تندثر وعددا قليلا من النساء في القرى الأمازيغية لا يزلن يحافظن على هذه الزينة، ولا يوجد من وضع بحثا تفسيريا لهذه الممارسة القديمة.” مع ذلك يقبل التونسيون اليوم على هذا التراث الجمالي القديم وتجد هذه الموجة صدى أكبر لدى المغتربين والعائدين من الخارج.

وتوضح منال “أغلب الوافدين على الورشة هم أجانب وسياح من الخارج والكثير من بينهم تونسيون مهاجرون. إنهم يبحثون من خلال الوشم عن جذورهم والانتماء إلى وطنهم الأول.”

تقول الروايات في تونس إن الكثير من الأمازيغ القدامى كانوا يستخدمون الوشم للحماية ضد السحر الأسود. وتبرز صور الحيوانات مثل السلحفاة والضفدع كرموز لهذه الاستخدامات.

كما أن للوشم وظائف غيبية، وكان يعتقد أنه يبعد الأرواح الشريرة، ويبعد الفقر والبؤس عن طريق الرسوم والرموز التي توضع بدقة متناهية. ومثلا تستخدم صور الحوت على نطاق واسع بينما تنتشر في القرى التونسية في الجنوب أوشام تحمل صور أشجار النخيل.

التونسيون اليوم يقبلون على هذا التراث الجمالي القديم وتجد هذه الموجة صدى أكبر لدى المغتربين والعائدين من الخارج

وفي الغالب يستوحي الأمازيغ القدامى، مثلما تقول منال، رسوماتهم في الوشم من البيئة المحيطة بهم. من الأواني وأدوات الحياة اليومية ومن الحيوانات وقطاع الزراعة. وتفسر منال قائلة “يحتاج الأمر إلى بحث طويل ومستمر لفك رموز الكثير من الرسوم والأوشام. لا توجد أعمال سابقة أو مراجع بخلاف بعض الكتب المساعدة في البحث.”

ويأتي الناس إلى عيادة منال بأهداف مختلفة للوشم. وتقول الفتاة وهي تقلب كتابا مصورا أمام مكتبها “قبل أن نبدأ الوشم أطرح بعض الأسئلة حول ما إذا كانوا يريدون الوشم لتغيير ما أو بهدف الحماية مثل ما هو سائد لدى الأمازيغ القدامى. يسمح لي الحديث معهم بتحديد بعض الرموز التي يبحثون عنها في الوشم.”

للوشم وظائف غيبية ويعتقد أنه يبعد الأرواح الشريرة، والفقر والبؤس ويمثل حماية من خطر الأوبئة والكوارث
◙ للوشم وظائف غيبية ويعتقد أنه يبعد الأرواح الشريرة، والفقر والبؤس ويمثل حماية من خطر الأوبئة والكوارث

وتشير مستندة إلى تعريفات في الكتاب، إلى أن الأمازيغ مارسوا الوشم لغايات طبية، إذ كانوا يعتقدون أنه يساعد على الشفاء من الأمراض ومساعدة المرأة العاقر على الحمل والحماية من خطر الأوبئة والكوارث.

ومن العلامات الطبية والعلاجية أيضا، أنهم يوشمون نقطة بجانب الأنف للحماية من أمراض الأسنان، أو بجانب العين للوقاية من الأمراض التي تصيب العيون.

وكانوا يستخدمون الرماد والحليب كمواد طبيعية مصنعة لوشم الرموز بهدف حماية أجسادهم من أمراض الجدري والتهاب المفاصل كما كان سائدا آنذاك.

ومن بين أكثر الرموز استعمالا النحلة والحلزون، والثعبان والعقرب ورموز طبيعية مثل سنابل القمح والزيتون والشمس والنجوم ورموز أخرى بعضها يرمز لمكان كل قبيلة أمازيغية.

وتقول كاهنة الطالبي وهي شابة أمازيغية وحقوقية “يحرص الأمازيغ قديما على توشيم أطفالهم في أرجلهم، فإذا ما تاهوا يوما عن الرحيل أو القافلة تتمكن القبيلة التي تجدهم من إرجاعهم إلى ذويهم.”

وتضيف الطالبي أن الأكثر شيوعا هو استخدام الوشم كأداة للزينة بالنسبة للنساء، حيث يزين به وجوههن وأعناقهن وأرجلهن. وتتابع الحقوقية “الوشم الأكثر شيوعا لدى الأمازيغيات هو علامة مع (+) وتعني حرف التاء في لغة الأمازيغ وترمز إلى الأنثى.”

 

18