المغرب شريك إستراتيجي لا غنى عنه للولايات المتحدة في أفريقيا

دعم السياسة الأفريقية متعددة الأشكال للرباط حجر زاوية في التنمية ومكافحة الإرهاب.
الأربعاء 2024/12/25
شراكة إستراتيجية مثمرة

الديناميكيات المتغيرة في أفريقيا تفرض تحديات متزايدة ما يستوجب شراكة إستراتيجية لمواجهة التحديات الأمنية والتنموية. ويبرز المغرب كشريك موثوق به لتعزيز السلام والتنمية في المنطقة المضطربة.

الرباط - تعتبر أفريقيا أولوية منخفضة في السياسة الخارجية الأميركية. ومع ذلك، فإن الديناميكيات المتغيرة بسرعة في هذه القارة تستوجب تغيير المسار واستعادة المواقف القوية في قارة ناشئة مليئة بالتحديات الأمنية حيث يبرز المغرب كحليف إستراتيجي لا غنى عنه.

ولكي تحافظ الولايات المتحدة على مصالحها الأمنية الوطنية في أفريقيا، فمن الأهمية بمكان أن تظل منخرطة في إيجاد حلول مستدامة للقضايا المتأصلة في العجز الأمني المزمن في هذه المنطقة المتقلّبة. وهذا يتطلب التفكير في وسائل بديلة لنهج القوة الصارمة الذي يتم نشره بشكل منهجي لمواجهة عدم الاستقرار المتزايد في مثل هذا السياق الجيوسياسي المعقد في أفريقيا.

وتتضمن الإستراتيجية العملية للتعامل مع هذه الحقائق الجديدة على الأرض إشراك شركاء جديرين بالثقة وقادرين ولديهم سجل مثبت في تقديم حلول قابلة للتطبيق للخلل طويل الأمد في أفريقيا، وذلك من خلال استهداف العجز الأمني، وتعزيز التنمية الاقتصادية واقتراح أطر تعاونية وشاملة مربحة للجميع.

ويرى الدكتور الحسين غزوي، مدير إدارة الشؤون الثقافية بالأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي أن المغرب يبرز كواحد من أقدم وأكثر حلفاء الولايات المتحدة موثوقية في أفريقيا، حيث يتمتع بسجل حافل كمروج قوي لنسخته الخاصة من التعاون بين بلدان الجنوب ومؤيد قوي للنهج الذي يفضل الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية، وهو مدعوم في ذلك بالاقتناع بأن أفريقيا يجب أن تثق بإمكاناتها لمواجهة التحديات المتعددة التي تعوق تنميتها مثل الإرهاب المحلي، والاتجار بالبشر، وتأثيرات تغير المناخ، وتراجع الديمقراطية، وسوء إدارة الموارد، والفساد المستشري والمحاولات المتكررة لاستخدام العنف لإثارة التغيير السياسي.

وأكدت المحادثات الأخيرة بين المسؤولين المغاربة والأميركيين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي على الحاجة إلى تعزيز السلام الإقليمي والعالمي ومعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن وعدم الاستقرار في منطقة الساحل وفي القارة الأفريقية بشكل عام.

وتستفيد السياسة الأفريقية للمغرب من عدد من الأصول بما في ذلك دبلوماسيتها العامة المتجددة ومبادراتها المستمرة، وخاصة دبلوماسيتها الدينية المعاد اختراعها والتي تهدف إلى تعميق علاقات المملكة مع قارتها التي تنتمي إليها والحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية مع الشركاء الرئيسيين.

◙ المغرب يبرز كواحد من أقدم وأكثر حلفاء الولايات المتحدة موثوقية في أفريقيا بفضل سجله الحافل كمروج قوي لنسخته الخاصة من التعاون بين بلدان الجنوب

واتخذ عرض المغرب لقوته الناعمة في أفريقيا أشكالا مختلفة وغطى مجالات مختلفة. فإلى جانب جهود التنمية الاقتصادية في القارة، تقدم الرباط آلاف المنح الدراسية سنويا للطلاب الأفارقة الراغبين في الالتحاق بالجامعات المغربية، وتوفر التدريب العسكري والأمني للضباط القادمين من مجموعة من الشركاء الأفارقة، ناهيك عن الحوافز المقدمة للقطاع الخاص للاستثمار في القطاعات الإستراتيجية في أفريقيا وخاصة في البنوك والتأمين والاتصالات. وقد وضعت مثل هذه الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية المغرب في المرتبة الثانية بين المستثمرين في القارة والأولى في غرب أفريقيا.

ولنشر هذه القوة الناعمة سعى المغرب إلى الترويج لنسخة معتدلة من الإسلام لمحاربة التطرف المتزايد واتجاهات التطرف مع تسلل الجماعات المتطرفة التخريبية مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وجماعة الشباب إلى أجزاء من القارة.

ويهدف هذا النهج إلى نزع الشرعية عن أيّ جماعة أو حركة متطرفة تستغل الإسلام لتحقيق أهداف سياسية أو الإطاحة بالأنظمة الراسخة أو زعزعة استقرار المناطق المتقلبة والهشة بالفعل، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء.

ولمواجهة هذه التحديات الهائلة، يمكن اعتبار نشر المغرب لإستراتيجياته الدبلوماسية العامة، وبالتحديد دبلوماسيته الاقتصادية والدينية، عنصراً رئيسياً في النهج الاستباقي تجاه الشباب الأفريقي الذي يواجه حالة من عدم اليقين المتزايدة في قارة لا تزال تواجه تجارب خطيرة من عدم الاستقرار السياسي والركود الاقتصادي.

وتكشف تدفقات المهاجرين المتزايدة التي تعبر البحر للوصول إلى أوروبا مدى تقلب الوضع في البلدان المرسلة للمهاجرين والآفاق التي قد ينضم بها هؤلاء الشباب اليائسون إلى الجماعات المتطرفة التي من المفترض أن توفر لهم نوعًا من الاستقرار المالي والأمل في التغيير. ويتطلب إبقاء هؤلاء الشباب في الوطن وتغيير آرائهم حول كيفية قيادة التغيير جهودًا حقيقية لبناء القدرات وإستراتيجيات توليد الدخل التي يمكن أن تعيد بناء ثقتهم بإمكانية وجود مستقبل داخل مجتمعاتهم.

وعلى خلفية هذه التحديات، يتم تشجيع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بقوة على دعم الدبلوماسية متعددة الأشكال للمغرب في أفريقيا المشبعة بمبادرات التضامن الأفريقي والمشاريع الأفريقية ذات الصلة والقابلة للتطبيق في مثل هذا السياق الجغرافي الاقتصادي المعقد في القارة، وخاصة في منطقة الساحل.

ولإعطاء شكل لهذا الالتزام الذي تشتد الحاجة إليه، يجب على الولايات المتحدة أن تقدم المزيد من الدعم لعملية الرباط للدول الأفريقية الأطلسية، التي أطلقت في عام 2022، والمصممة في المقام الأول لتعزيز السلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية في منطقة أفريقيا الأطلسية.

وقال العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة المسيرة الخضراء في نوفمبر 2023 إن هدف المبادرة هو “تحويل منطقة الأطلسي إلى مساحة للتفاعل الإنساني والتكامل الاقتصادي، والتأكد من أنها تلعب دورًا رئيسيًا على المستويين القاري والدولي.”

ومن خلال التركيز على بناء شراكات قوية في المحيط الأطلسي، يمكن للولايات المتحدة والمغرب تحفيز إنشاء أطر تعاونية قوية تخدم مصالح البلدين وتساهم في الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية الأوسع في أفريقيا، مما يوفر للملايين من الشباب فرص العمل وسبل العيش التي تبقيهم في وطنهم وتحميهم من التهديدات الوشيكة بالتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة أو الانفصالية بدافع اليأس والبطالة والفقر وانعدام الأمل في مجتمعات مستقرة ومزدهرة ومتطورة.

وينبغي للولايات المتحدة أن تفكر في تقديم بعض الحوافز الاقتصادية للمبادرة التي أطلقها المغرب والتي تقدم لدول الساحل غير الساحلية إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي من خلال بعض المرافق مثل ميناء الداخلة، والذي من المتوقع أن يعمل بكامل طاقته بحلول عام 2029 ويعتبر بمثابة بوابة رئيسية تربط اقتصادات دول الساحل بأسواق شمال أفريقيا وأوروبا وشمال الأطلسي.

وتعكس مثل هذه المبادرة نهجًا ثاقبًا للتعاون المثمر المتبادل في الفضاء الأطلسي الجنوبي الذي يفضي إلى تكامل اقتصادي أكثر مرونة، وسلام مشترك، واستقرار وازدهار في منطقة الأطلسي الأفريقية. ومع ذلك، فإن نجاح المبادرة الأطلسية المغربية مشروط بالمشاركة القوية من قبل اللاعبين الأطلسيين الرئيسيين، وخاصة الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة الرئيسية ذات المصالح الخاصة في الاستقرار والأمن والازدهار على المدى الطويل في منطقة الساحل.

◙ السياسة الأفريقية للمغرب تستفيد من عدد من الأصول بما في ذلك دبلوماسيتها العامة المتجددة ومبادراتها المستمرة
◙ السياسة الأفريقية للمغرب تستفيد من عدد من الأصول بما في ذلك دبلوماسيتها العامة المتجددة ومبادراتها المستمرة

ومن الواضح أن المغرب يمكن أن يقود الطريق من خلال تقديم بنيته التحتية المتطورة مثل الموانئ والطرق والخطوط البحرية جنبًا إلى جنب مع النفوذ السياسي الذي تم تطويره من خلال الروابط الإنسانية والثقافية والروحية والاجتماعية والاقتصادية الراسخة التي تم ترسيخها عبر الزمن مع دول الساحل.

ويتعين على الولايات المتحدة أن تعمل مع المغرب لتسهيل الوصول إلى موارد التمويل والتآزر المفيد الذي تتضمنه أجندة الاتحاد الأفريقي 2063، لتعزيز التكامل الاقتصادي عبر القارة ودفع الرؤية عبر الأطلسي التي تسعى إلى ظهور حلفاء متشابهين في التفكير ومنخرطين بشكل كامل في نفس الهدف المتمثل في جعل الأطلسي مساحة قابلة للتطبيق للأمن الجماعي والسلام العالمي والرخاء المشترك.

وكان اعتراف إدارة ترامب في عام 2020 بالسيادة المغربية على الصحراء بمثابة تغيير حقيقي في الديناميكيات الإقليمية في شمال أفريقيا. ولإعطاء هذا القرار الجريء شكله، يتعين على الولايات المتحدة أن تضاعف الإجراءات العملية البناءة بما في ذلك افتتاح قنصلية في الداخلة للاتصال بالسلطات المحلية بشأن قضايا الاتصال البحري وبناء البنية الأساسية للسماح بالتنسيق الوثيق والدعم لجميع المشاريع المرتبطة بمبادرات المغرب الأطلسية، وخطط التنمية الموجهة نحو منطقة الساحل والمساعي التي تركز على الأمن والمصممة لدرء التهديدات العابرة للحدود الدولية والعابرة للحدود الوطنية بما في ذلك الإرهاب والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات والقرصنة وحركات التمرد.

ويمكن لدعم المشروع الضخم لخط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب أن يكون جزءًا جيدًا من سلسلة المساعي القائمة على التنمية ذات الأهمية الإستراتيجية للقارة الأفريقية بأكملها، والتي من شأنها أن تسرّع عملية التكامل الاقتصادي لمواجهة العجز في الطاقة، والذي يقوض المشاريع الموجهة نحو الاستثمار في المجالات الإستراتيجية مثل الزراعة والأغذية الزراعية والأدوية والتصنيع. وقد يجد المغرب والولايات المتحدة أيضا أنه من المفيد التركيز بشكل أكبر على الجوانب المدنية للمناورات العسكرية السنوية التي تسمى الأسد الأفريقي، والتي يلعب فيها المغرب دورا رئيسيا كدولة مضيفة.

وقد يتم إيلاء المزيد من الاهتمام لتوسيع قدرات الدول الأفريقية المشاركة في إدارة الكوارث الإنسانية وعمليات الإنقاذ، وخاصة في حالات الكوارث الطبيعية الناجمة عن آثار تغير المناخ، والاتجار الخطير بالمهاجرين عبر المحيط الأطلسي، والذي يؤدي غالبا إلى خسائر مأساوية في الأرواح البشرية أو اللاجئين النازحين الفارين من مناطق التوتر الناجمة عن حركات التمرد أو المناورات التخريبية للحركات الانفصالية.

ويعتبر تقديم الدعم الكامل للسياسة الأفريقية متعددة الأشكال للمغرب على أساس القناعة الراسخة بأن الشراكة القوية والمربحة للطرفين مطلوبة لإعطاء زخم جديد لمجموعة الأطر التعاونية القائمة، والمكرسة لإنشاء جبهة موحدة ضد البيئة الأمنية الفوضوية والمتدهورة في منطقة الساحل. ويبدو أن السعي للحصول على شريك قادر وجدير بالثقة وريادي مثل المغرب هو الاستثمار الصحيح في خضم تدهور الوضع الأمني في مختلف أنحاء القارة واندلاع التوترات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع نطاقا.

6