علماء يكتشفون فصيلة "خارقة" من البشر لا يحتاجون إلى النوم لساعات طويلة

اكتشف الباحثون طفرة جينية لدى فئة من الأشخاص تجعلهم لا يحتاجون إلى النوم لأكثر من أربع ساعات ليلا دون التأثير على جودة وظائفهم الدماغية مثل الذاكرة والتركيز. وتعرف هذه الطفرة في أحد الجينات المعروف باسم "دي.إي.سي2". ويتمثل دور هذا الجين في تنشيط اليقظة، وإحدى وظائفه هي التحكم في مستويات أحد الهرمونات التي تفرز في المخ ويعرف باسم "أوريكسين".
سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة ) – يسود اعتقاد، كما لو كان قانونا لا يقبل النفي، أن النوم لفترة أقل تترتب عليه مشكلات صحية على المدى القصير والطويل وأعراض مثل ضعف الذاكرة والاكتئاب والخرف وأمراض القلب وضعف جهاز المناعة. ولكن في السنوات الأخيرة، توصل العلماء إلى وجود فصيلة من البشر لا تحتاج إلى النوم لفترات طويلة، ولا تتأثر صحتها بقلة ساعات النوم.
ويقول العلماء إن هذه الفئة من البشر مجهزون جينيا للنوم أربع إلى ست ساعات فقط ليلا دون أن يؤثر ذلك على صحتهم أو يترك لديهم شعورا بالإرهاق في اليوم التالي، وتتوقف المسألة لدى هذه المجموعة على جودة النوم وليس طول ساعاته. ويأمل الباحثون في معرفة الأسباب التي تجعل هؤلاء الأشخاص أقل احتياجا إلى النوم مقارنة بغيرهم، حتى يستطيعوا فهم طبيعة النوم لدى الإنسان بشكل أفضل. ويحتاج الإنسان إلى النوم ما بين سبع إلى تسع ساعات ليلا من أجل استعادة نشاطه والحفاظ على صحته.
ويقول الباحث لويس بتسيك، أخصائي طب الأعصاب بجامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، “حقيقة الأمر أننا لا نفهم ماهية النوم ناهيك عن أسباب الاحتياج إليه، وهي مسألة مثيرة للدهشة لاسيما وأن البشر ينامون في المعتاد ثلث أعمارهم.” وكان العلماء في الماضي يعتقدون أن النوم هو أكثر من مجرد فترة للراحة وكانوا يصفونه بأنه مرحلة لخفض طاقة الجسم استعدادا لاستعادة النشاط مجددا في اليوم التالي. وكان العالم توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي يصف النوم بأنه “إهدار للوقت” بل و”إرث من زمن رجل الكهف”، وكان يزعم أنه لا ينام أكثر من أربع ساعات ليلا. ولكن العلماء في العصر الحديث وصفوا النوم بأنه عملية “نشطة ومركبة” تتم خلالها تعبئة مخازن الطاقة في الجسم والتخلص من السموم وتجديد الروابط العصبية وتثبيت الذكريات، وأن الحرمان من النوم تترتب عليه مشاكل صحية جسيمة.
الباحثون يأملون في معرفة الأسباب التي تجعل هؤلاء الأشخاص أقل احتياجا إلى النوم، حتى يستطيعوا فهم طبيعة النوم
وترتبط معرفة البشر بالنوم بشكل أساسي بنموذج علمي طرحه الباحث المجري – السويدي ألكسندر بوربيلي في سبعينات القرن الماضي، حيث قال إن النوم يقترن بعمليتين منفصلتين وهما الإيقاع اليوماوي، ويقصد به الساعة البيولوجية للجسم، والتوازن بين النوم والاستيقاظ.
وهي التفاعلات الجسمانية التي تتحكم في توقيت وطول ساعات النوم، حيث يرتبط النظام الأول بتغيرات الضوء في البيئة وأوقات الليل والنهار، ويرتبط النظام الثاني بضغوط جسمانية داخلية تتزايد أثناء الاستيقاظ وتنخفض أثناء النوم.
ويؤكد الباحث لويس بتسيك في تصريحات للموقع الإلكتروني “نوابل مغازين” المتخصص في الأبحاث الطبية “لقد كنا نعرف دائما أن البشر ينقسمون ما بين عصافير صباحية وبوم ليلي، وأن الغالبية العظمى تقع في منطقة وسطى ما بين الشريحتين”، مضيفا أن الفئة التي لا تحتاج إلى النوم لفترات طويلة كانت دائما موجودة، ولكنها غير ملحوظة لأنها عادة لا تذهب إلى الطبيب.
وبحسب موقع “نوابل مغازين”، تسلطت الأضواء على شريحة البشر الذين لا يحتاجون إلى النوم لفترات طويلة، عندما توجهت امرأة مسنة للطبيب بتسيك وزميله ينج هيو فو أخصائي علوم الوراثة وهي تشكو من إصابتها بما وصفته بـ”لعنة” قلة النوم، حيث كانت تستيقظ في ساعات مبكرة للغاية وتعاني على حد وصفها من “برودة الجو والظلام والوحدة” وأوضحت أن حفيدتها ورثت عنها نفس عادات النوم لساعات محدودة. ويقول الباحث ينج هيو فو إنه تم اكتشاف طفرة جينية معينة لدى هذه المرأة، وبمجرد نشر نتائج البحث، بدأ الآلاف من هذه الشريحة التي تستيقظ مبكرا للغاية يكشفون عن أنفسهم. وربط الباحثان بتسيك وينج هيو فو هذه الظاهرة باسم طفرة في أحد الجينات يعرف باسم “دي.إي.سي2”.
النوم الجيد لمدة ست إلى ثماني ساعات يعد مثاليا لصحة القلب والأوعية الدموية. وأي زيادة أو نقصان عن هذا المعدل يمكن أن ينعكس سلبا على صحة الفرد
وعن طريق تقنيات الهندسة الوراثية، قام الباحثان بإحداث تعديلات في نفس الجين لدى الفئران، وترتب على ذلك أن تلك الفئران أصبحت هي الأخرى أقل احتياجا إلى النوم مقارنة بأقرانها. وتبين للباحثين أن إحدى وظائف هذا الجين هي التحكم في مستويات أحد الهرمونات التي تفرز في المخ ويعرف باسم “أوريكسين”، ويتمثل دور هذا الجين في تنشيط اليقظة، في حين أن نقصه يؤدي إلى حالة مرضية تعرف باسم “نركوليبسي” أي “التغفيق” وهي اضطراب في النوم يؤدي إلى الشعور بالنعاس الشديد أثناء ساعات النهار. وكشفت التحليلات أن الأشخاص الذين لا يحتاجون إلى النوم لساعات طويلة تتزايد لديهم معدلات إفراز هرمون “أوريكسين”.
وبحسب خبراء مايو كلينيك، يعتمد مقدار النوم الذي يحتاج إليه الشخص على العديد من العوامل، خاصة العمر. بينما يختلف النوم بشكل واضح بين الأشخاص.
بالإضافة إلى العمر، يمكن أن تؤثر العديد من العوامل على عدد ساعات النوم الذي يحتاجه الجسم. على سبيل المثال:
- جودة النوم: إذا نام الشخص نوما متقطعا بشكل متكرر، فإنه بهذا لا يحصل على النوم الجيد. ولا تقلُّ جودة النوم أهمية عن كمية النوم التي يحتاجها الجسم.
- الحرمان من النوم في فترة سابقة: إذا كان الشخص محروما من النوم، فسيزداد مقدار النوم الذي يحتاجه.
- الحمل: يمكن أن تتسبب تغيرات مستويات الهرمونات والانزعاج البدني في انخفاض جودة النوم.
- التقدم في السن: يحتاج كبار السن إلى حوالي نفس مقدار النوم الذي يحتاجه الشباب. وقد تختلف أنماط النوم لدى الشخص كلما تقدم في العمر. ويختلف نمط النوم لدى البالغين الأكبر سنا عن البالغين الأصغر سنا، فالبالغون الأكبر سنا غالبا ما يكون نومهم أقل عمقا ويستغرقون وقتا أطول للنوم وينامون لفترة أقصر، وعادة ما يستيقظون عدة مرات أثناء الليل.
وبالنسبة إلى الأطفال، يرتبط الحصول على الكمية الموصى بها من النوم بصفة منتظمة بالصحة الجيدة، بما في ذلك قوة التركيز وانضباط السلوك وارتفاع مستوى التعليم وقوة الذاكرة والقدرة على التحكم في العواطف وجودة الحياة والصحة العقلية والبدنية.
بالنسبة إلى البالغين، هناك علاقة بين النوم لمدة تقل عن سبع ساعات كل ليلة بصفة منتظمة وبين سوء الحالة الصحية، بما في ذلك زيادة الوزن وارتفاع مؤشرات كتلة الجسم إلى 30 أو أكثر والإصابة بالسكري وارتفاع ضغط الدم والإصابة بأمراض القلب والتدخين والاكتئاب.
ويشير الخبراء إلى أن النوم الجيد لمدة ست إلى ثماني ساعات يعد مثاليا لصحة القلب والأوعية الدموية. وأي زيادة أو نقصان عن هذا المعدل يمكن أن ينعكس سلبا على صحة الفرد.
وقد تم التوصل إلى هذا الاستنتاج من خلال دراسة جديدة بينت أن الأشخاص الذين ينامون أقل من ست ساعات كانوا أكثر عرضة بنسبة 27 في المئة للإصابة بتصلب الشرايين.
وبينت الدراسة أيضا أن الإناث اللواتي ينمن أكثر من ثماني ساعات ليلا معرضات لخطر تراكم البلاك (أو تصلب) في الشرايين.