المرأة التونسية غير آمنة في الفضاء السيبراني

تونس ـ يبقى الفضاء السيبراني فضاء غير آمن للنّساء في تونس بسبب تعرضهنّ لعنف مسكوت عنه ولا يلقى زجرا من السلط المعنية، وفق ما أكده باحثون وأكاديميون من فرنسا والدنمارك وممثلون لمنظمات دولية وشركات خاصة تعمل في مجال التكنولوجيا.
وناقش الباحثون والأكاديميون المجتمعون في تونس خلال المؤتمر الدولي الأول لجبهة المساواة وحقوق النساء بعنوان “العنف المسلط على النساء في الفضاءات الرقمية: الرهانات والفرص” سبل توحيد القواعد الناظمة لحقوق النساء في الفضاء الرقمي ودور الجهات الرسمية والمنظمات والجمعيات الإقليمية والدولية في دعم هذه القضايا، فضلا عن تطوير حلول علمية وتقنية لمواجهة العنف في الفضاءات الرقمية والتصدي لظاهرة الإفلات من العقاب لحماية حقوق المرأة في الفضاءات الرقمية وتحقيق المساواة الرقمية.
ويهدف المؤتمر الدولي الأول لجبهة المساواة وحقوق النساء إلى تعزيز فهم الممارسات والإستراتيجيات المعتمدة في دول مختلفة لمكافحة العنف الرقمي ضد النساء، وينتظر أن تنبثق عنه مذكرة مناصرة شاملة ومشتركة على الصعيد الوطني والدولي تهدف إلى تعزيز النقاشات في الهيئات الدولية حول تأثير التكنولوجيا على حقوق المرأة وتركز على التحديات القانونية والتقنية والاجتماعية المتعلقة بحقوق النساء في العصر الرقمي والحلول الإستراتيجية لحمايتهن في هذا الفضاء.
واعتبرت منسّقة البرامج بهيئة الأمم المتّحدة للمرأة بتونس بثينة همامي أنه لم يتم التهيؤ لحماية النساء في الفضاء الرقمي حيث أن الإطار القانوني وخاصة القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضد المرأة، لا ينصّ صراحة على تجريم العنف السيبراني، مضيفة أن العنف الرقمي داخل الفضاء الافتراضي ينتقل حتما إلى الفضاء العام.
وعرّجت على غياب منصة موحدة حول الإحصائيات الصحيحة والدقيقة حول المرأة المعنفة في تونس، داعية إلى تكوين المتدخلين في الخط الأول بالوزارات المعنية حول سبل التكفّل السليم بالنساء ضحايا العنف، ولفتت إلى أن المرأة المعنفة ليست لها دراية بالإطار القانوني الداعم لحقوقها كما يصعب على العديد من المعنفات الولوج إلى العدالة.
وأشارت في السياق ذاته إلى دراسة أعدّتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة بتونس سنة 2021 حول العنف الإلكتروني بتسع دول عربية بما فيها تونس، تمّ في إطارها استجواب 1284 شخصا من تونس من بينهم 510 نساء، أفادت 54 في المئة منهن بأنهنّ لا يشعرن بالأمان في الفضاء الرقمي، وأكّدت نسبة 19 في المئة منهن أنهن تعرضن لشكل من أشكال العنف الرقمي.
من جهتها قدّمت الأستاذة في علم الاجتماع فتحية السعيدي دراسة لجبهة المساواة وحقوق النساء حول “العنف ضد النساء في الفضاء الافتراضي: الوضع الراهن وإستراتيجيات المقاومة”، خلصت فيها إلى غياب عقوبات خصوصية تزجر القائم بالعنف في الفضاء الرقمي بناء على حجم الفعل العنفي.
وتعتمد الدراسة، حسب الأستاذة في علم الاجتماع، على تحليل ودراسة 49 منشورا أغلبها دراسات وتقارير من 46 دولة، تم نشرها خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2000 و2022، وتوصّلت إلى أن 26 في المئة فقط من هذه الدول تفرض عقوبات تجرم العنف الرقمي. وتطرح عدّة إشكاليات منها كيفية تعريف العنف السيبراني وتحديد أشكاله وكيفية مكافحة هذه الظاهرة دون الاعتداء على الحريّات.
وبيّنت السعيدي أن العنف السيبراني سريع الانتشار ومن الصعب تحديد القائم به، وله آثار سلبية على الصحة النفسية والجسدية للنساء وعلى مسارهن المهني، كما يؤثّر سلبا على حرية التعبير والمشاركة بفاعلية في الفضاء الافتراضي وعلى المجهودات المبذولة لنبذ جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
المرأة المعنفة ليست لها دراية بالإطار القانوني الداعم لحقوقها كما يصعب على العديد من المعنفات الولوج إلى العدالة
من جهتها اعتبرت ممثلة جبهة المساواة وحقوق النساء هاجر الناصر أن التطور التكنولوجي لم يكن سدّا منيعا ضد الهيمنة الذكورية، حيث عزّز الفضاء الافتراضي ملامح العنف الرقمي، من تحرش جنسي واستغلال بيانات وتهديد بالاغتصاب والعنف، ما ساهم، حسب رأيها، في إقصاء النساء المعنّفات من الفضاء الافتراضي وقيّد مشاركتهنّ.
وتضمّنت أشغال المؤتمر، الذي يندرج في إطار مشروع “العنف المسلط على النساء الميسر بالتكنولوجيا” الذي تنفذه جبهة المساواة بالتعاون مع المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان والمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سلسلة من الجلسات الحوارية والمداخلات وورش العمل التفاعلية حول تأثير الذكاء الاصطناعي في حقوق النساء والأطر القانونية الضرورية لمكافحة العنف الرقمي، فضلا عن دور السياسات العامة في تعزيز المساواة الرقمية وكيفية اعتماد إستراتيجيات وقائية في مواجهة التهديدات الرقمية.
يذكر أن جبهة المساواة وحقوق النساء تأسست في أفريل 2023 وتضم شبكة من نشطاء وجمعيات نسوية للدفاع عن حقوق النساء ومناهضة العنف والتمييز.
وبلغت نسبة النساء اللاتي تعرضن للعنف السيبراني في تونس 38 في المئة وفق إحصائيات صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للمرأة لسنة 2022.
وقالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني التي اعتبرت تلك النسبة مؤشرا خطيرا يستدعي التدخل العاجل، إن العنف السيبراني يهدد حياة النساء وقضايا التنمر تصل إلى حد الدفع إلى الانتحار.
وأوضحت خلال تقديم المحكمة الصورية للنساء ضحايا العنف السيبراني حول “النساء في الفضاء السيبراني بين العنف والأخلقة”، التي نظمتها الجمعية بالعاصمة، في إطار الحملة الدولية 16 يوما من النشاط ضد العنف المسلط على المرأة، أن القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بمكافحة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، هو مكسب كبير للنساء ولكنه لا يتحدث عن هذا النوع المستجد من العنف المرتبط بتطور وسائل التواصل الاجتماعي، داعية نواب البرلمان إلى تنقيح القانون عدد 58 لسنة 2017 عبر إضافة العنف السيبراني الذي لا يشمله هذا القانون وإلى إيجاد السبل الكفيلة بإيقاف ظاهرة الإفلات من العقاب ومحاسبة المتحرش ومنتهك حقوق النساء وإنصاف الضحية.
واعتبرت الجمعية أن العنف السيبراني أصبح يشكل خطرا على حياة المرأة ما يستدعي الاهتمام والمتابعة والتفكير للكشف عن هوية مرتكبيه وتداعيات هذا العنف على النساء وعلى صحتهن النفسية والتركيز على التحديات التي يواجهنها في ظل تسارع نسق التغير الاجتماعي وخاصة التطور الرقمي والتكنولوجي.
وذكرت الجمعية أن 84.7 في المئة من النساء اللواتي تمت مقابلتهن أفدن بأنهن يعانين من شكل واحد للعنف على الأقل منذ سن الخامسة عشرة، وأن 14.4 في المئة من هذه الحوادث تم ارتكابها في الفضاء الافتراضي، وذلك وفقا للمسح الوطني حول العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي نشره المعهد الوطني للإحصاء سنة 2022.