"سينما تدور" تقرّب الفن السابع من الجمهور في تونس

الوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين في أقصر وقت وبموارد قليلة، لنمنحهم هذه التجربة السينمائية.
الخميس 2024/12/19
الفن للجميع

"سينما تدور" مشروع مبتكر في تونس يهدف إلى جعل عالم السينما في متناول الجمهور من خلال تقديم عروض سينمائية في صالات متنقلة. وتسعى هذه المبادرة إلى تخطي القيود الجغرافية التي قد تحول دون قدرة العديد من الأفراد في المناطق النائية على مشاهدة الأفلام.

جمّال (تونس) – من لا يستطيع الذهاب إلى السينما في مناطق نائية أو أحياء هامشية بتونس قد تأتي إليه داخل شاحنة تضم صالة عروض متنقلة، في مبادرة بعنوان “سينما تدور” تهدف إلى جعل الفن السابع في متناول الجميع.

وتبدو البهجة واضحة على وجوه العشرات من العاملات والعمال وهم يغادرون شاحنة حمراء كبيرة متوقفة في مربد مصنعهم بمدينة جمّال، بعد مشاهدة الفيلم الفكاهي “بوليس” (شرطة) الأكثر شعبية حاليا في البلاد.

مِن هؤلاء، العامل المتدرب في مجال الميكانيك الإلكتروني أمين الهاني (23 عاما) الذي لم تُتَح له “فرصة الذهاب إلى السينما”، قبل أن يشاهد الفيلم في شاحنة “سينما تدور” بالمدينة الواقعة شمال شرق تونس. وداخل القاطرة الضخمة التي يبلغ وزنها 38 طنا، صُمِّمَت صالة عروض مريحة تضمّ مئة مقعد.

ويلاحظ الشاب الشغوف بالسينما أن “الشاشة أكبر والمؤثرات الصوتية رائعة”، وهو المتعود على مشاهدة الأفلام على شاشة الهاتف أو الحاسوب. ويضيف “هي أيضا تجربة رائعة لأنني عشتها مع أصدقائي”.

ولا تتوفر في تونس حاليا سوى 15 قاعة سينما معظمها في العاصمة، ومدن بنزرت (شمال) وسوسة (وسط) وجربة (جنوب). ولسد هذا النقص، أطلق ناشطون في شبكة الفضاءات الثقافية “أكورا” وجمعية “فوكوس قابس” مبادرة “سينما تدور”، بدعم من ممولين يفضلون عدم كشف هوياتهم.

حح

وتوضح مديرة المشروع غفران هراغي فكرته “كنا نبحث عن حل للوصول إلى أكبر عدد من المشاهدين في أقصر وقت وبموارد قليلة، لنمنحهم هذه التجربة السينمائية”.

وفي مدينة جمال، أعلنت شركة دراكسلماير الألمانية لأجزاء السيارات، حيث تملك مصنعا، “منح تذاكر مجانية لعمالها وعائلاتهم وأصدقائهم وكافة سكان المدينة وكذلك في مدينة المنستير لعشرة أيام”، وفق مسؤولة التواصل في هذه الشركة جيهان بنعمور. وتسعى الشركة الألمانية من خلال هذه المبادرة إلى “المساهمة في تنمية” الجهات الأربع التي تنشط فيها والواقعة في مناطق نائية.

وفي غياب دعم عمومي، ببلد يعاني المديونية، أصبحت مثل هذه الشراكات مع القطاع الخاص ركيزة “للنموذج الاقتصادي” لمبادرة “سينما تدور”، على ما توضح مديرتها غفران هراغي. ويتحمل القائمون عليها تكاليف قرض لشراء الشاحنة بحوالي مليون دينار (300 ألف يورو)، ومصاريف العمل المختلفة بما يقارب 500 ألف دينار سنويا.

وبعد بضعة أيام في جمّال وصلت “سينما تدور” إلى حي هلال الذي يبلغ عدد سكانه نحو عشرة آلاف ويبعد نحو خمسة كيلومترات عن وسط العاصمة لكنه يعاني معدلات قياسية من الفقر والبطالة والانحراف.

وتتزاحم مجموعات من الأطفال خلف الحواجز التي تفصلهم عن غرفة العروض المظلمة، ومنهم الطفلة يمنى ورهاني (11 عاما) التي جاءت برفقة خالتها وكانت متحمسة جدا.

وتقول “إنها المرة الأولى التي أقصد فيها السينما، وأتحرق شوقا لأرى ماذا يوجد داخلها”. بدورها جاءت ربة البيت نجيبة حجي (47 عاما) برفقة أبنائها الأربعة لاغتنام هذه الفرصة الفريدة حيث لا تستطيع تحمل مصاريف مرافقتهم إلى السينما، ولم يسبق لها هي الأخرى أن ذهبت إليها.

حح

وتعرب عن استيائها، إذ “لا يوجد أيّ شيء” في حي هلال، “لا دار ثقافة ولا ترفيه، هناك الشارع فقط. أطفالنا ضائعون لا أحد يهتم بهم”. وتتمنى لو تستقر الشاحنة المثيرة للشغف بشكل دائم في هذا الحي.

وفي غضون أشهر قليلة استقبلت هذه المبادرة “أكثر من 15 ألف شخص”، بحسب غفران هراغي، من بينهم 7500 في واحة نفطة جنوب البلاد حيث وفّرت مشاهدة الأفلام مجانا لمدة شهر بتمويل من أحد مصدري التمور هناك.

وفي حي هلال ترعى منظمة الصحة العالمية العروض لمدة 15 يوما، تقام خلالها أيضا لقاءات توعية حول الصحة النفسية والتدخين والعنف ضد المرأة والمخدرات، إضافة إلى حصص خاصة لطلاب المدارس وضعاف البصر أو السمع.

وتؤكد هراغي “ما يحفّزنا هو التأثير الاجتماعي للثقافة وكسر الصور النمطية وتغيير العقليات، وتقاسم قيم ومبادئ الانسجام الاجتماعي والعيش المشترك”. ولتحقيق هذا “الحد الأقصى من الاندماج” يتم توظيف أطقم محلية عند كل محطة، تعمل على “تنظيم الحشود وتهيئة الشاحنة وإدارة العروض”، كما تشير هراغي.

وتضيف معربة عن أملها، على المدى الطويل، في الحصول على تمويلات “لشراء ست أو سبع شاحنات وضمان موعد دائم كل شهر” في كل منطقة، ولم لا الذهاب أيضا إلى “الجزائر وليبيا أو حتى القيام بجولة في أفريقيا”.

خخ

18