مزرعة مخبرية تربي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر

الأبحاث المتعلقة بزرع الأعضاء الحيوانية للبشر تشهد تقدما سريعا في الولايات المتحدة.
الخميس 2024/12/19
الطعوم المغايرة

بلاكسبرغ - فيرجينيا (الولايات المتحدة) - خلف سياج عال في واد أخضر، يربّي ديفيد إياريس وفريقه خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها لمرضى بشر بحاجة إلى عمليات زرع، لقاء ما يصل إلى مليون دولار.

تشهد الأبحاث المتعلقة بزرع الأعضاء الحيوانية للبشر المعروفة بالطعوم المغايرة، تقدما سريعا في الولايات المتحدة. وقد أُخذت من أحد خنازير هذه المزرعة المخبرية الواقعة في جبال شرق البلاد، كلية زُرعت في نوفمبر للمريضة توانا لوني، في عملية أُعلن عنها الثلاثاء وتشكل تجربة جديدة بعد تجارب عدة هي الأولى من نوعها في العالم.

يقول رئيس شركة “ريفيفيكور” ديفيد إياريس، في حظيرة خنازيره المعقمة، “إنها ليست مجرد خنازير مزرعة”، مضيفا، وهو يحمل خنزيرا بين ذراعيه، “لقد أُنفقت الملايين من الدولارات” للحصول على هذا الجينوم المعدل وراثيا وتجنّب رفض الجسم البشري له.

تجري شركته منذ أكثر من 20 عاما أبحاثا في بلاكسبورغ في فيرجينيا، لجعل زراعة الأعضاء من الحيوانات إلى البشر مسألة مُطبّقة لا مجرّد فكرة من الخيال العلمي، وإثبات أن زرع كلى (أو قلوب) خنازير بدلا من أعضاء بشرية ممكن ويمثّل حلّا لمواجهة النقص الكبير في الأعضاء البشرية المتوافرة للزرع.

أخذت من أحد خنازير المزرعة المخبرية كلية زرعت لمريضة لتشكل تجربة جديدة بعد تجارب عدة هي الأولى من نوعها

في الولايات المتحدة وحدها، تضم قوائم الانتظار للخضوع لعمليات زرع أكثر من 100 ألف شخص، فيما يموت 17 منهم يوميا من دون أن تُجرى لهم هذه العمليات، غالبيتهم يكونون بحاجة إلى كلية، بحسب السلطات الصحية.

لحلّ هذه المشكلة، أجرى عدد كبير من الجراحين الأميركيين منذ العام 2021 عمليات زرع كلى وقلوب خنازير معدلة وراثيا للبشر. وقد أجريت التجارب الأولى على أشخاص متوفين دماغيا، قبل أن تُنفَّذ لعدد قليل من المرضى المصابين بأمراض خطرة.

إلا أنّ هؤلاء توفوا بعد شهر أو شهرين من العملية لكنّ أجسامهم لم ترفض الأعضاء بشكل سريع، مما يمثل نجاحا فتح المسار لدراسات سريرية.

وتولت المزرعة المخبرية لـ”ريفيفيكور” توفير كل الأعضاء لهذه العمليات، باستثناء عملية واحدة كان العضو المُستخدم فيها من شركة “إي جينيسيس”.

في مكان قريب من المزرعة، وداخل غرفة مظلمة تشكل مختبرا، يحدّق المسؤول عن بيولوجيا الخلية في “ريفيفيكور” تود فوت في المجهر.

وباستخدام ماصة، يحرّك بويضات من خنازير غير معدلة وراثيا جُمعت في مسلخ.

تتمثل مهمته، على ما يوضح، في إزالة مادتها الجينية ثم استبدالها بخلية مستنسخة “تحتوي على كل ما يلزم للحصول على خنزير معدل وراثيا.”

Thumbnail

وبعد ساعات قليلة، يتم إدخال هذه الخلايا في رحم خنازير بديلة ستضع بعد أربعة أشهر صغار خنازير ذات حمض نووي معدل.

لا تحمل المجموعة الأولى من الخنازير سوى تعديل واحد فقط للجينوم، مما يجعل الخنزير يتوقف عن إنتاج مادة تؤدي إلى الرفض الفوري للعضو المزروع لدى البشر.

أما المجموعة الثانية من الخنازير فتضم عشرة جينات معدلة، ستة منها تأتي من الحمض النووي البشري لتحسين التوافق البيولوجي.

مع هذه المجموعة الثانية، تضع “يونايتد ثيرابيوتيكس”، الشركة الأم لـ”ريفيفيكور”، أهدافا طموحة.

في مارس، افتتحت الشركة المدرجة في البورصة “مصنعا للأدوية يستند إلى الخنازير”، وفق الناطق باسمها ديوي ستيدمان، الذي يشدد على أنّ الشركة تتخذ تدابير صحية مشددة لتجنب تعرّض حيواناتها البالغ عددها مئتين لأي إصابة.

في نهاية ممر أبيض توجد غرفة عمليات جديدة. ويقول ستيدمان “ستُحضر الخنازير إلى هنا، ثم تُجمع أعضاؤها” وتُنقل بصورة عاجلة “إلى الجرّاح والمريض المتلقي”، على غرار ما يحصل في عمليات زرع أعضاء بين البشر.

أما بقايا الخنازير النافقة، فيتم التخلص منها لأنها غير قابلة للاستخدام.

Thumbnail

يتمثل هدف الشركة في البدء بدراسة سريرية عام 2025 على مرضى خضعوا لعمليات زرع كلى من هذه الخنازير، لكي تفتح المجال أمام بيع الأعضاء اعتبارا من سنة 2029 في حال حصلت على موافقة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (أف.دي.أي).

وتعتزم “ريفيفيكور/يو.تي” التي تتوقع الحصول على موافقة “أف.دي.أي”، على البدء بعمليات التصنيع، إذ إن تكلفة إنشاء مزارع صناعية تتراوح بين مليار وملياري دولار للمزرعة، وهي أكبر بعشر مرات من المزرعة التي أُنشئت حديثا بالقرب من بلاكسبرغ.

قد يكون مردود هذا الرهان كبيرا، إذ تدرس “يونايتد ثيرابيوتيكس” تسعير الكلية بما يصل إلى مليون دولار، وهو مبلغ، بحسب ستيدمان، قريب من تكلفة غسيل الكلى لعشر سنوات في الولايات المتحدة.

يثير هذا “النموذج” تساؤلات لدى عالمة الاجتماع الفرنسية كاترين ريمي، مُعدّة كتاب “إيبريد” الذي يتمحور حول هذه المسألة.

وتتحدث عن التناقض بين “التقارب” بين الإنسان والحيوان الذي ينطوي عليه نقل الأعضاء من كائن إلى آخر، وهذا “التصنيع” الأميركي القائم على فكرة أنّ الحيوان المتبرع هو “مخزون من قطع الغيار”.

لكن في مختبره، يتجاهل ديفيد إياريس هذا الجانب الأخلاقي. ويقول “أعتقد أن استخدام أعضاء الخنزير لإجراء عمليات زرع لبشر هو مهمة أنبل بكثير” من أن يكون مصير الحيوان مجرّد قطعة لحم.

16