مستقبل الطائفة العلوية ما بعد الأسد: انتقام أو تهميش أو إعادة إدماج

يكتنف الغموض مستقبل الطائفة العلوية التي ينحدر منها الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بعد الإطاحة به، إذ استأثرت الطائفة بمناصب أمنية وعسكرية رفيعة. ويرى محللون ثلاثة سيناريوهات: إما الانتقام منها أو تهميشها أو إعادة إدماجها.
دمشق - تتزايد الدعوات لحماية الأقليات العرقية والدينية في سوريا في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد على يد المتمردين، إذ تركزت المخاوف بشكل خاص على مستقبل الطائفة العلوية، التي تنحدر منها عائلة الأسد، رغم تطمينات السلطة الانتقالية في البلاد التي وعدت بعدم الانتقام والتركيز على الوحدة الوطنية من أجل سوريا ديمقراطية.
ويشير محللون إلى أن هذه الوعود تم الوفاء بها إلى حد كبير حتى الآن. ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة من أنه بمجرد أن يعزز المتمردون سيطرتهم على البلاد، فقد ينقلبون ضد المجتمع العلوي بسبب علاقاته بالنظام السوري السابق.
ومنذ وصولهم إلى السلطة في عام 1970، اعتمدت أسرة الأسد بشكل كبير على العلويين، الذين شغلوا العديد من المناصب العسكرية والاستخباراتية رفيعة المستوى.
ويشكل أعضاء الأقلية العلوية، حوالي 10 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 24 مليون نسمة ويتركزون في المقام الأول في المحافظات الساحلية في اللاذقية وطرطوس، ولكن عددًا كبيرًا من العلويين يقيمون أيضًا في دمشق وحمص.
وفي معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد في غرب سوريا، احتفل السوريون من هذه الأقلية بسقوط النظام، لكنهم يخشون من التهميش أو حتى التعرض لعمليات انتقام.
وتمكّنت فصائل معارضة تقودها هيئة تحرير الشام من السيطرة على دمشق في 8 ديسمبر، ما أنهى حكم الرئيس بشار الأسد، الذي كان يقدّم نفسه كحامي الأقليات في بلد غالبيته من المسلمين السنة.
السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت هيئة تحرير الشام تعتبر هوية الأسد كعلوي سببًا لوحشيته الشديدة
وحاولت السلطات الجديدة إرسال تطمينات للأقليات الدينية، لكن العلويين يخشون من أن تكون طائفتهم التي ارتبطت بعائلة الأسد وحكمت سوريا لعقود، عرضة لعمليات انتقام.
وتقول طالبة جامعية تنتمي إلى الطائفة العلوية من مدينة اللاذقية الساحلية لوكالة فرانس برس “كثر مثلي من الطائفة العلوية التي تعتبر أقلية، أصبحنا قلقين لأن من حررونا ليسوا مجموعة واحدة بل هناك عدة فصائل، والبعض منها له تاريخ أسود.”
وفي حين يتشارك أصدقاء الطالبة من السنة رسائل عن الوحدة على مواقع التواصل، إلا أن ما يقلقها هي تعليقات كثيرة تتسم بالكراهية.
وتقول الطالبة التي فضّلت عدم كشف اسمها “أرى تعليقات على إنستغرام أو فيسبوك بأن ‘الدور قادم إليكم وسوف نقتلكم’.” وتشعر شقيقتها وزوج شقيقتها بخوف شديد لدرجة أنهما قررا مغادرة البلاد.
وقبل انفصالها عن تنظيم القاعدة في العام 2016، شنت هيئة تحرير الشام التي عرفت حينها بجبهة النصرة الفرع السوري للقاعدة، هجمات دامية ضدّ العلويين في بداية النزاع في سوريا.
ويشرح الكاتب والباحث الفرنسي فابريس بالانش أن “العلويين كانوا قريبين جدا من نظام بشار” وكانوا بمثابة “حماة النظام.”
أسرة الأسد اعتمدت بشكل كبير على العلويين، الذين شغلوا العديد من المناصب العسكرية والاستخباراتية رفيعة المستوى
ويرى بالانش أن “ارتباطهم بالنظام قد يؤدي إلى انتقام جماعي ضدّهم، لاسيما أنهم يعتبرون هراطقة من قبل الإسلاميين.”
ودفع تقدّم فصائل المعارضة من شمال سوريا الكثير من العلويين، خصوصا في مدينة حمص في وسط البلاد حيث يتواجدون بكثافة، إلى الفرار نحو المنطقة الساحلية في اللاذقية وطرطوس، التي تُعدّ معقلا رئيسيا للطائفة العلوية.
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه وثّق عدة انتهاكات ارتكبها مقاتلو الفصائل المتمردة في هذه المنطقة الساحلية منذ سقوط بشار الأسد، بما في ذلك ضد مدنيين.
ودعا القادة الروحيون للطائفة العلوية في سوريا إلى عفو عام عن جميع السوريين وضمانات بعودة آمنة للنازحين.
وقال ديفيد أديسنيك، نائب رئيس الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن، إن هيئة تحرير الشام تدرك أهمية عرض صورة الاعتدال.
وأضاف أديسنيك “إن السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت هيئة تحرير الشام تعتبر هوية الأسد كعلوي سببًا لوحشيته الشديدة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فلا يوجد سبب يذكر لإلقاء اللوم على المجتمع العلوي والانتقام.”
وأشار أديسنيك أن “هيئة تحرير الشام قد تجد صعوبة في الثقة بالمجتمع العلوي أو القادة العلويين الأفراد، لكن تهميشهم قد يكون كافياً لمعالجة مثل هذه المخاوف، بدلاً من اللجوء إلى العنف.”
لسنا كلنا ندعم الأسد
العلويون يخشون من أن تكون طائفتهم التي ارتبطت بعائلة الأسد وحكمت سوريا لعقود، عرضة لعمليات انتقام
يشير مراقبون إلى أنه ليس جميع أبناء الطائفة العلوية يساندون الرئيس السوري المخلوع، بل هناك شق كبير ابتهج لسقوطه.
وأثار سقوط الأسد مظاهر فرح داخل معاقل طائفته، حيث تم إسقاط تماثيل حافظ الأسد، والد بشار، في اللاذقية وطرطوس.
وتقول الطالبة الجامعية إن غالبية أصدقائها العلويين لا يدعمون عائلة الأسد لأنهم “كانوا يسرقوننا، حرفيا كل خيرات البلاد كانت تذهب إليهم.”
وأضافت “لقد أجبرونا على العيش في فقر، من دون كهرباء أو مياه، بينما ارتفعت الأسعار بشكل كبير.”
وقال فداء ديب إن سكان بلدة القرداحة “ليس ذنبهم أن بشار الأسد أو أي مسؤول سابق أصله من البلدة.” وتحدث هذا الطبيب الاثنين بعد اجتماع لشخصيات ومشايخ علويين في القرداحة التي شهدت إحراق مسلحين ضريح الرئيس السابق حافظ الأسد الأسبوع الماضي.
وتشعر الطائفة العلوية الصغيرة التي تشكّل ثقلا كبيرا في صفوف القوات المسلحة، باستياء تجاه عائلة الأسد بسبب الثمن الباهظ الذي دفعته منذ بداية الحرب في العام 2011.
ويشرح بالانش أن “رجلا من بين كل ثلاثة تتراوح أعمارهم بين 20 و45 عاما قتل خلال الحرب.”
ويقول مدرّس من مدينة جبلة المجاورة للاذقية إن ليلة سقوط الأسد “بكيت ولم أنم، وشعرت مزيجا من الخوف والفرح.”
ويروي أن بعض المقاتلين الذين دخلوا مدينته بعد سقوط الأسد طلبوا من أحد المتاجر التوقف عن بيع الكحول، بينما أجبر آخرون صالة رياضية على إزالة ملصق يظهر امرأة تمارس الرياضة.
ويضيف الرجل “نحن جاهزون للتعامل مع أي جهة ونحن نريد القانون.. نريد دستورا مدنيا ونحن نتخوف من حكم إسلامي.”
المضي قدما

توجّه كمال مرهج إلى أحد مراكز السلطات الجديدة في اللاذقية، ليسلّم سلاحه ويسجّل اسمه، بعدما انتهت الخدمة العسكرية للشاب البالغ من العمر 28 عاما بعد أن قضى تسع سنوات في الجيش في دمشق، ويريد الآن أن يمضي بحياته قدُما.
ويُعرب مرهج عن سعادته بالعودة إلى مدينته، ويقول ضاحكا “أنا لا أحب الجيش، أريد أن أواصل حياتي من دون أن يكون هناك من يعطيني أوامر.”
وبعد سقوط بشار الأسد، دعت الحكومة الانتقالية التي تولّت إدارة السلطة في سوريا في الثامن من ديسمبر، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عناصر الجيش والشرطة إلى التقدّم والتعريف عن أنفسهم بغية “تسوية” أوضاعهم، كل في مدينته.
وبعد ساعة من فتح باب مكتب التسجيل، كان المئات ينتظرون في طابور منظّم على امتداد أكثر من 200 متر في الخارج، وعشرات آخرون في الداخل.
ويقول محمد مصطفى (26 عاما) المسؤول عن المركز الذي أُقيم في مكاتب الأمن في اللاذقية، إنّ 400 حضروا الأحد. ويضيف “لكن سيكون هناك المزيد في قادم الأيام. لقد عزّزنا طاقمنا لتسريع العملية.”
ويدخل الرجال واحدا تلو الآخر حاملين بطاقات الهوية، ويحصلون على رقم ثمّ تُلتقط صورة لهم قبل توجيههم إلى أحد المكاتب حيث يذكرون اسمهم ومنصبهم، ليتم بعد ذلك إدخال البيانات الخاصة بهم على جهاز الكومبيوتر.
ويقول مصطفى المقاتل السابق في إدلب معقل فصائل المعارضة وهو يرتدي زيا عسكريا بينما يغطّي نصف وجهه بغطاء أسود “في المجمل، نتوقع 10 آلاف شخص على الأقل، وربما أكثر، 20 أو 30 ألفا، فنحن هنا في منطقة آل الأسد” الذين كانوا يجنّدون أعدادا كبيرة من الأشخاص من داخل مناطقهم.
وفيما يشير إلى أنّ عمليات التسجيل تجري بهدوء، يقول “نمنحهم تصريحا لمدّة ثلاثة أشهر لحمايتهم، وكذلك وقتا للتحقيق في ماضيهم. وفي حال ارتكابهم جرائم خطيرة، سيتمّ تحويلهم إلى القضاء.”

وفي إحدى الغرف الموجودة في الجزء الخلفي من المبنى، يقوم جنود وعناصر شرطة وعدد قليل من المدنيين بتسليم الأسلحة التي بحوزتهم.
وبذلك، تكدّست في الغرفة مسدّسات وبنادق آلية مع مخازنها وذخيرة وعدد قليل من القنابل اليدوية وقاذفة ار بي جي ملفوفة بكيس قمامة.
ويفكّك رجل ذو شعر أبيض سلاحا مغطى بأكياس بلاستيكية، ثمّ يغادر حاملا شهادة تفيد بتسليمه.
ويقول محمد فيوب (37 عاما) وهو شرطي يعمل منذ عشر سنوات في حماة (وسط) وعاد أخيرا إلى مدينته، إنّه فضّل تقديم نفسه من دون تأخير. وبعدما سلّم مسدّسه، حصل على إيصال وردي اللون.
ويقول إنّه يأمل في العودة إلى عمله في حماة، مضيفا “إنّهم يتصرّفون بطريقة جيدة، ويحاولون أن يكونوا مهذّبين. أريد أن أكون مستعدا عندما يطلبونني.. نحن جميعا بشر وكلّنا سوريون.”
ويومئ آخرون من حوله برؤوسهم، نفيا لأي شعور بالخوف من التقدم لتسجيل أسمائهم.
ويقول شاب بصوت منخفض إنّه ينتمي للأقلية العلوية، ويضيف “لقد سئمنا الحرب. نريد العيش في بلد مسالم ومتحضّر، نحن بحاجة إلى الأمن، الأمن فقط.”
ولا يطمح حسّون نبراس (37 عاما) وهو ميكانيكي في الجيش في حمص، إلا لعيش حياة مدنية مع أطفاله. ويقول “لقد فعلنا ما طُلب منّا، لم نكن نريد ذلك ولكن لم يكن لدينا خيار آخر.”
وانضمّ أحمد شمراج إلى الجيش وهو في العشرين من عمره، والآن في الرابعة والعشرين، يريد أن يعود إلى دراسة اللغة الإنجليزية في حلب، بعدما توقف في عامه الجامعي الأول. ويقول “كنّا مُجبرين، كانت هناك حرب. لقد انتهت. أعتقد أنّ كلّ شيء سيكون على ما يرام.”