المسيحيون في حلب مطمئنون إلى مصيرهم بعد سقوط الأسد.. حتى الآن

وجود المسيحيين في حلب يعود إلى القرن الرابع، حيث ثمة أكثر من سبعمئة موقع مسجل مخصص للطائفة.
السبت 2024/12/14
تفاؤل حذر

حلب ( سوريا) - في باحة دير الإخوة المريميين في حلب، ثاني كبرى مدن سوريا، تتركّز النقاشات حول شجرة عيد الميلاد.. فبعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، تحاول القوى الممسكة بإدارة البلاد طمأنة الأقليات المسيحية في ظل المخاوف على مستقبلها إثر انحسار أعدادها بعد سنوات النزاع.

وأتت مساعي الطمأنة هذه ثمارها، على الأقل “حتى الآن”، على ما يقول الراهب المريمي جورج سبع الذي شارك الاثنين في اجتماع في حلب، دُعي إليه للمرة الثانية الأساقفة وممثلون عن جميع الكنائس. كما استقبل المسؤولون المحليون الأئمة خلال اجتماع آخر.

ويوضح الراهب المريمي “لقد اعتمدوا خطابا مطمئنا للغاية، إذ قالوا لنا ‘استمروا في العيش بشكل طبيعي، أنتم على مشارف احتفالاتكم بعيد الميلاد، لن يتغير عليكم شيء‘، ولم يتغير شيء حتى الآن.”

ويشير إلى أن جميع من حاورهم خلال الاجتماع، وهم “ثلاثة عسكريين وسياسيان، كانوا من حلب”، مضيفا “كان أحدهم ينهي درجة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية هنا قبل الحرب، وقد أخبرنا أنّ لديه جارا مسيحيا.”

بعدما ناهز عدد المسيحيين في حلب 200 ألف قبل بدء الحرب في عام 2011، لم يتبق منهم في حلب سوى 30 ألفا فقط

ويضيف سبع “لذا استأنفنا حياتنا الطبيعية، مع إحياء القداديس في الصباح والمساء. عمدنا فقط إلى تقريب موعد قداس المساء ساعة واحدة، وبدأنا بوضع مغارة الميلاد وأشجار العيد. لقد تعلمتُ في ثلاثة عشر عاما من الحرب أن أعيش كل يوم بيومه. فلننتظر ما يحمله لنا الغد.”

وفي هذا البلد العلماني، لطالما شملت جداول العطل الرسمية السنوية أعياد رأس السنة والميلاد والفصح بالتقويمين الكاثوليكي والأرثوذكسي. ويقول سبع “ننتظر الروزنامة الجديدة” لمعرفة وضع العطل الرسمية في البلاد بعد إسقاط الأسد.

وبعدما ناهز عدد المسيحيين في حلب 200 ألف قبل بدء الحرب في عام 2011، لم يتبق منهم في المدينة الكبيرة في شمال غرب سوريا سوى 30 ألفا فقط.

ولطالما كان المسيحيون مندمجين بالكامل في مجتمعهم المحلي، ويضرب وجودهم عميقا في تاريخ حلب، إذ يعود إلى القرن الرابع في المحافظة حيث ثمة أكثر من سبعمئة موقع مسجل مخصص للطائفة التي يعتبر أبناؤها أنفسهم “سوريين” قبل كل شيء.

ويقول الأخ جورج سبع “لا نريد أن نغادر، نريد أن نبقى على علاقة جيدة مع المسلمين، فنحن نتحدث اللغة نفسها.”

وقد وعده المسؤولون الذين التقاهم بالاستمرار في “السماح بقرع أجراس” الكنائس التي تردد صداها مساء الخميس للإعلان عن قداس الخامسة مساء في كاتدرائية القديس فرنسيس للاتين، والذي توافد إليه حوالي مئة من أبناء الرعية.

لطالما كان المسيحيون مندمجين بالكامل في مجتمعهم المحلي، ويضرب وجودهم عميقا في تاريخ حلب

ويؤكد الأب بهجت أن “الناس هنا لديهم حس روحي كبير، خلال كل سنوات الحرب هذه، لم يتوقفوا أبدا عن المجيء إلى الكنيسة.”

ويقول الكاهن تحت الشرفة الحجرية الذهبية للمبنى إنه يتفهم المخاوف التي جرى التعبير عنها حيال مصير حرية المعتقد في سوريا بعد إسقاط الأسد، خصوصا من الخارج، “لكننا على الأرض لم نعانِ التمييز.”

وتوضح مارينا أيوب لدى وصولها إلى الكنيسة التي تواظب على حضور القداديس فيها “أخبرنا الأسقف أنه مطمئنّ، وأن الوضع سيستمر كما في السابق، وسنحتفل بقداديسنا وأعيادنا.”

وفي الجهة المقابلة، استرجعت الكنيسة موقعا كان يحتله حزب البعث الحاكم لأكثر من ستين عاما، وعلقت عليه علم الفاتيكان. وخلال الاجتماع، وعد ممثلون عن الحكومة بعدم المساس بممتلكات الكنيسة.

ويقرّ الأخ جورج بأن ظهور رئيس الوزراء الجديد محمد البشير مساء الاثنين أمام العلم السوري وعلم الإسلاميين الأبيض أثار القلق. لكن “في اليوم التالي، اختفى (العلم)، ما يدل على أنهم مستعدون للحوار.”

ويقول مسيحي ملتزم طلب عدم الكشف عن هويته ولا يزال يخشى تصلب السلطات الجديدة “يكررون أنهم سيحترمون جميع الطوائف.. تدهور الوضع إلى الأسوأ ليس أمرا حتميا، لكنني أنتظر: سأحكم عليهم بناء على أفعالهم.”

ويرصد هذا الرجل “علامات بسيطة” تنبئ بالمزيد من التشدد،” مشيرا إلى أن “المطاعم في حلب لم تعد تقدم المشروبات الكحولية، بل باتت تخفيها.”

وفي الوقت الحالي، تستعد جمعية المساعدة المتبادلة للأخوة المريميين لعودة 120 طفلا مسلما تحت رعايتها الاثنين.

وتشرح مريم عرب، الشابة الثلاثينية المسؤولة عن المشروع، والتي تشارك في الأحاديث حول تعليق الزينة على شجرة الميلاد، “سنحاول قبل كل شيء الترفيه عن الفقراء والنازحين بسبب الحرب.”

7