مهاجرون قصر يواجهون مخاطر الطريق البيروقراطية في أوروبا

عدد القصر الذين يسافرون بمفردهم عبر أوروبا يبقى غير معروف، حيث لا يسجل الكثيرون بياناتهم عند وصولهم.
السبت 2024/12/14
حلم مقيد

ترييستي (إيطاليا) - تحرك ثلاثة مراهقين خلف عضو في عصابة تهريب لا يكبرهم سوى بسنوات قليلة. وتسللوا في الظل عبر محطة في مدينة ترييستي بشمال شرق إيطاليا في إحدى أمسيات الشتاء الباردة. ولم تكن محطة ترييستي الإيطالية ـ تبعد على حدود سلوفينيا نحو 100 كيلومتر ـ سوى نقطة مرور في رحلة المراهقين الطويلة التي انطلقت من مصر.

وفي ساحة ديلا ليبرتا المقابلة للمحطة، جلب مسؤولون من المنظمات غير الحكومية الدولية والمحلية لمراهقيْن يبلغان من العمر 14 عاما و15 عاما بيتزا وملابس دافئة. ولم يستطيعوا مساعدتهما بأكثر من ذلك. وينضم المتطوعون إلى المسؤولين كل ليلة في الساحة لتقديم الطعام والملابس والإسعافات الأولية للمهاجرين. ويدعمون هؤلاء الوافدين الذين تقل أعمار الكثير منهم عن 18 عاما ويسافرون دون والديهم أو أي وليّ قانوني.

وشهدت الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024 ارتفاع وصول القصّر غير المصحوبين بذويهم إلى بلغاريا وقبرص واليونان وإيطاليا ومالطا وإسبانيا بنسبة 8 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2023. وتشكل هذه البلدان نقاط دخول رئيسية إلى الاتحاد الأوروبي. وتحذر جماعات حقوق الإنسان من كون أوروبا غير مجهزة لمساعدة هذه الفئة من المهاجرين مع استمرار تدفقهم.

ووصل شاب أفغاني يبلغ من العمر 18 عاما ترييستي في وقت متأخر من إحدى ليالي نوفمبر. وقال إنه يدعى أوميد، أي الأمل. وكان قد اختبأ في قطار شحن يحمل الحبوب في مكان ما بين صربيا وإيطاليا. وكان بحوزته بعض الحبوب في جيوبه. وجلس يلعب الورق في المحطة مع مجموعة من الرجال الذين سافر معهم، بينما كان ينتظر أول قطار يخرج من ترييستي إلى البندقية على الساعة 4:26 صباحا.

وقال إنه أمضى 13 يوما يتجول في بلغاريا دون طعام ومطاردا من الشرطة التي ضربته. وصرّح أوميد، الذي فر من أفغانستان ورفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب تتعلق بالسلامة، “ضربونا بالعصي ووجهوا لنا الركلات واللكمات. إذا تحركنا، فستعضنا الكلاب.”

◙ جماعات حقوق الإنسان تحذر من كون أوروبا غير مجهزة لمساعدة هذه الفئة من المهاجرين مع استمرار تدفقهم
◙ جماعات حقوق الإنسان تحذر من كون أوروبا غير مجهزة لمساعدة هذه الفئة من المهاجرين مع استمرار تدفقهم

كما قال إنه قضى معظم رحلته سيرا على الأقدام مع 23 أفغانيا آخرين. ولا يرى أي مستقبل في أفغانستان تحت حكم طالبان. وساعدت لجنة الإنقاذ الدولية بين يوليو وسبتمبر معدل 11 من المراهقين غير المصحوبين بذويهم وصلوا حديثا بشكل يومي إلى ترييستي. وشكّل الأفغان أكثر من نصفهم.

ويحتاج المراهقون المنهكون الواصلون مساعدة عملية، يشمل الملابس، والإسعافات الأولية لأقدامهم الدامية، ومكانا للنوم والاستحمام وشحن هواتفهم. ويبقى معظمهم ليلة أو ليلتين فقط قبل التحرك من جديد. ويعني غياب المأوى أن الكثيرين ينامون في الشوارع محتمين ببطانيات الطوارئ، دون الوصول إلى المراحيض. ويتعرضون لخطر سرقة هواتفهم أو الوقوع فريسة للمهربين الذين يتطلعون إلى استغلالهم.

وقال أليساندرو بابيس، مدير عمليات ترييستي التابعة للجنة الإنقاذ الدولية، إنهم “غير مرئيين للجميع بخلافنا نحن.” وأغلقت محطة القطار أبوابها في الساعة الأولى صباحا، ولجأ أوميد ومجموعته إلى مرآب حافلات قريب يحميهم من برد الرياح الجليدية، ممتنين لمن زودهم بالأحذية والمعاطف والبطانيات التي تلقونها.

ويبقى عدد القصر الذين يسافرون بمفردهم عبر أوروبا غير معروف، حيث لا يسجل الكثيرون بياناتهم عند وصولهم ولا يبقون في مكان واحد. وذكر بابيس أن السلطات المحلية في إيطاليا ليست مسؤولة إلا عن إدارة وصول المراهقين إذا اختاروا البقاء.

ويتقرر إيواء غير المصحوبين بذويهم الذين يسجلون لدى الشرطة في مراكز الاستقبال الرسمية، لكن الذين لا يسجلون يفوتون الخدمات التي تديرها الدولة والتمتع بحقوقهم. وتحرص لجنة الإنقاذ الدولية على جمع الأموال لفتح ملجأ للطوارئ في ترييستي يخصص للقصر الوافدين دون ذويهم. وذكرت اللجنة أنهم يسافرون في الكثير من الأحيان إلى بلد يعرفون فيه أصدقاء أو فردا من العائلة، أو لا يريدون الانفصال عن المجموعات التي جاءوا معها.

ويزود متطوعون ومسؤولون من لجنة الإنقاذ الدولية ومنظمة إنقاذ الطفولة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأطفال في ساحة ديلا ليبرتا بمعلومات حول حقوقهم وعملية اللجوء أو حول كيفية شراء تذاكر القطار والتحقق من صحتها حتى يمروا بأمان للمرحلة التالية من رحلتهم. وقال 84 في المئة من بين الـ6501 قاصر غير المصحوبين بذويهم الذين ساعدتهم لجنة الإنقاذ الدولية في ترييستي منذ 2022 إنهم يخططون لمواصلة الرحلة.

وقال بابيس إنهم يتحركون بدافع للوصول إلى بلدان أخرى، مما يصعّب إبقاءهم في ترييستي، حتى لو كان هذا السيناريو أفضل لبعضهم. وقال تيري سميث من شبكة الوصاية الأوروبية، وهي منظمة تعمل على تحسين الخدمات للقصر غير المصحوبين بذويهم في الاتحاد الأوروبي، إن الأطفال غالبا ما يتعرضون للعنف والخطر. ويستغلهم المهربون في رحلات إلى أوروبا تستغرق أحيانا سنوات.

◙ ميثاق هجرة أوروبي جديد سيسمح بقبول طلبات لم شمل الأسرة التي يقدمها الأطفال غير المصحوبين بذويهم بعد المواعيد النهائية الرسمية

وأكد أن المتنقلين الصغار يحتاجون إلى طرق قانونية. وأضاف “لا يمكننا توفير ذلك لأن الأنظمة غير موجودة.” ويمكن أن يعبر المراهقون الذين يتقدمون بطلب لجوء في أول بلد يصلون إليه بشكل قانوني إلى بلد عضو آخر حيث يوجد أفراد من عائلاتهم. لكن الاعتبارات القانونية الصارمة والمعايير غير المتسقة بين البلدان تجعل عملية الاستجابة إلى طلب الانتقال طويلة ومعقدة وغير فعالة. وتبرز إحصاءات المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين أن 2 في المئة فقط من طلبات الانتقال سنة 2022 قد استندت إلى لمّ شمل الأسرة.

وسيسمح ميثاق هجرة أوروبي جديد بقبول طلبات لم شمل الأسرة التي يقدمها الأطفال غير المصحوبين بذويهم بعد المواعيد النهائية الرسمية. كما وقّعت لجنة الإنقاذ الدولية و28 منظمة إنسانية أخرى خلال نوفمبر موجزا مشتركا للسياسات يدعو إلى اتخاذ تدابير أقوى لحماية الأطفال في الاتفاق، وتوفير الموارد اللازمة لدعمهم.

وسينطلق تطبيق ميثاق الهجرة واللجوء اعتبارا من2026. ويهدف الاتفاق إلى تعزيز التضامن بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، ويشمل ذلك تدابير لتعزيز إجراءات الفحص ومنع التنقل الثانوي بين البلدان للمساعدة في تحديد البلدان المسؤولة عن معالجة الطلبات. لكن الجماعات الحقوقية تؤكد أن على الحكومات دعم الإجراءات بالتمويل والتدريب لضمان عدم التغاضي عن نقاط ضعف الأطفال أثناء الفحص والمعالجة على الحدود.

وقالت لاتيتيا فان دير فينيت، الخبيرة في منصة التعاون الدولي بشأن المهاجرين غير الشرعيين الموقعة على الموجز السياسي، إن “الاتفاقية تعد فرصة ضائعة فيما يتعلق بحماية الطفل.” ويتطلب الاتفاق تعيين وصي دائم لقاصر غير مصحوب بذويه في غضون 15 يوما من تقديم طلب اللجوء في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.

وقالت إليونورا تيستي، الخبيرة القانونية في المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين، إن “خدمات الوصاية تعاني من نقص في الموظفين ونقص التمويل وليس لديها عدد كاف من الأشخاص ليكونوا قادرين على تلبية احتياجات القاصرين. ويعني عدم تغيير هذا الوضع استحالة احترام الاتفاقية.”

نظرة يائسة

16