التعليم لا يمكن له أن ينتظر.. أطفال إثيوبيا على المحك

تسعة ملايين طفل انقطعوا عن الدراسة بسبب الحرب والكوارث المناخية والنزوح القسري.
الجمعة 2024/12/13
بنية تحتية منعدمة

تبذل إثيوبيا جهودا للارتقاء بنظامها التعليمي المعطل في ظل ظروف تتسم بمحدودية الإمكانيات، حيث أدت الحرب والتغيرات المناخية والنزوح القسري إلى انقطاع تسعة ملايين طفل عن الدراسة. وساهم صندوق "التعليم لا ينتظر" في النهوض بالبنية التحتية للمدارس وتأسيس نواد للفتيات تشمل اهتماماتهن المشتركة. ويجري تدريب المدرسين على المسائل التي تراعي الفوارق بين الجنسين.

أديس أبابا – يكافح نظام التعليم في إثيوبيا التحديات المعقدة، حيث تسببت الحرب في الشمال والعنف المستمر والكوارث المناخية والنزوح القسري في انقطاع تسعة ملايين طفل عن الدراسة. ودمّرت حوالي 18 في المئة من المدارس في البلاد أو تضررت مع تواصل النزاعات الطائفية في مناطق مختلفة. وتنتج عن ذلك مخاوف من أن العديد من الأطفال قد لا يعودون إلى المدرسة أبدا.

وقالت ياسمين شريف، المديرة التنفيذية لصندوق “التعليم لا ينتظر” العالمي الذي أنشأته الأمم المتحدة لدعم التعليم في حالات الطوارئ والأزمات المُمتدَّة، “قد تحشد الجماعات المتشددة الأولاد والبنات في غياب التعليم. وتصبح الفتيات في الكثير من الأحيان ضحايا لزواج القصر. ويكمن الخيار في توفير التعليم، فهو الطريق إلى مستقبلهم ومساهمتهم في مجتمعهم. ويشكل أيضا آلية للحماية.”

وأضافت أن الانقطاع عن الدراسة يعرض الأطفال للخطر ويجعلهم عرضة للانتهاكات وتدمير حياتهم ومجتمعاتهم وبلدهم في النهاية. وشددت على وجوب ضمان آلا يتخلف أي طفل عن الركب في النظام التعليمي. وتابعت “ليس الاستثمار في إمكانات جيل الشباب الحقيقية خيارا. إنه ضرورة مطلقة.”

وزارت شريف منطقة تيغراي خلال الأسبوع الأول من ديسمبر 2024 مع وزير المالية الدنماركي نيكولاي فامن بصفته الشخصية كمناصر عالمي لصندوق “التعليم لا ينتظر”. وشهد الوفد رفيع المستوى آثار الصراع المدمرة. ويُذكر أن هذا الصراع استمر ثلاث سنوات بين الحكومة المركزية الإثيوبية وسلطة منطقة تيغراي في أقصى شمال إثيوبيا.

ويبذل البلد جهودا، في ظل ظروف تتسم بمحدودية الإمكانيات، لتوفير مكونات البنية التحتية التعليمية المحطمة من أجل بث روح جديدة في نظام تعليمي معطل. ودعت شريف وفامن في نهاية زيارتهما المشتركة إلى اتخاذ المانحين إجراءات جريئة لتلبية وعد توفير تعليم جيد للملايين من الأطفال المتضررين من الأزمات.

حح

وتحدثت شريف لخدمة إنتر برس عن “استثمار على مدى سنوات وشركاء رائعين على الأرض، يشملون حكومة متعاونة جدا. إننا نعمل مع وكالات الأمم المتحدة، كاليونيسف، ومنظمات المجتمع المدني مثل منظمة إنقاذ الطفولة، والمجلس النرويجي للاجئين، وإيماجن 1 داي، وغيرها من المنظمات الإثيوبية المحلية.”

وزار وفد صندوق “التعليم لا ينتظر” المدارس المستفيدة من تمويل مبادرته والشركاء الإستراتيجيين. والتقى بالأطفال والآباء والمعلمين. وشهد مباشرة تأثير البرامج التي يدعمها الصندوق. وسجلت مدرسة واحدة على سبيل المثال ارتفاعا في عدد التلاميذ بنسبة 20 في المئة العام الماضي بفضل حزمة شاملة من التدخلات التي يمولها “التعليم لا ينتظر”.

وقال نيكولاي فامن “يسعدنا أن نشهد القدرة التي يمتلكها التعليم الجيد على تغيير الظروف الحياتية في أكثر حالات الأزمات تعقيدا. والتقيت بفتيات وفتيان يتمتعون بالقدرة والمرونة اللتين تؤهلانهم للعودة إلى الدراسة والقدرة على التجاوز والنهوض بفضل دعم الصندوق. لكن الصراعات وتغير المناخ والأزمات الأخرى لا تزال تدفع الملايين من الأطفال إلى الانقطاع عن الدراسة سنويا، داخل إثيوبيا وخارجها. ولن تنجح الإجراءات العادية في مواجهة هذا التحدي. وأشجع الشركاء من القطاع الخاص على الانضمام إلى جهود صندوقنا والاستثمار في إستراتيجيات تمويل جديدة ومبتكرة لسد الهوة الآخذة في الاتساع.”

مدرسة واحدة سجلت ارتفاعا في عدد التلاميذ بنسبة 20 في المئة العام الماضي بفضل حزمة شاملة من التدخلات

وذكرت شريف أن الوفد شهد تقدما كبيرا في المدارس المدعومة، مثل “إعادة تأهيل البنية التحتية وغيرها من المدارس التي أعيد بناؤها من الصفر. رأينا مستلزمات التعلم، ومعلمين مدربين تدريبا جيدا وواعين ومهنيين يقدمون خدمات الصحة العقلية والنفسية الاجتماعية. يوجد منهج أكاديمي قوي. وتشمل المناهج الوطنية القضايا الحاسمة كبناء السلام والأخلاق والفنون. ويتواصل التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية، وفي السنوات التحضيرية. كما يستفيد الأطفال الحاملون لإعاقة من الدعم المستهدف والتعليم الشامل.”

ونُظّمت بيئة تعليمية وقائية شملت التحديد المنهجي للأطفال المحتاجين للأجهزة المساعدة، والمحتاجين إلى المساعدة في الاندماج مع أقرانهم، لتعزيز مهاراتهم الاجتماعية والتعلمية.

وأُسست نواد للفتيات تشمل اهتماماتهن المشتركة، ويجري تدريب المدرسين على المسائل التي تراعي الفوارق بين الجنسين، مع إدخال منهجي لمواضيع للمراهقات تخص الدورة الشهرية، وتصميم مساحات الصرف الصحي المخصصة للفتيات.

وقالت شريف “يتلقى الأطفال تعليما شاملا آمنا وعالي الجودة. وتوفر استثمارات الصندوق دعما للصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي. ويصبح الأطفال واثقين ويعبرون عن أحلامهم. هذا ما يمكن أن يفعله الاستثمار في التعليم، ويمكننا أن نفعل المزيد بفضل تدخل المانحين الجريء الهادف إلى توفير تعليم جيد لكل طفل يفتح آفاق تكوين مهني يضمن له كسب دخل مدى الحياة.”

لكن التحديات لا تزال معقدة وملحة بينما تبقى الموارد شحيحة.

وتستضيف إثيوبيا ثالث أكبر عدد من اللاجئين في أفريقيا، مما يفاقم التحديات التعليمية. وسُجّل أكثر من 200 ألف وافد جديد من السودان والصومال خلال 2023 – 2024. وزاد هذا من الضغط على الموارد الموجودة. وأعلن الصندوق عن منحة الاستجابة الأولية للطوارئ بقيمة 5 ملايين دولار بعد زيارة كشفت عن التحديات العديدة التي يواجهها الأطفال الإثيوبيون وتصميمهم الثابت على التعلم. ورفع إجمالي استثماراته في البلاد إلى 93 مليون دولار منذ عام 2017.

ومع المنحة الجديدة البالغة 5 ملايين دولار، ستكون اليونيسف الشريك المنفذ لـ4 ملايين دولار. وستعمل منظمة محلية، إيماجن 1 داي، على توزيع المبلغ المتبقي البالغ مليون دولار. وستتعاون المنظمات مع شركائها لتلبية الاحتياجات الملحة في منطقتي أوروميا وعفر، حيث زاد تجدد النزاع والعنف الطائفي والجفاف والنزوح من تعطيل الخدمات التعليمية خلال الأشهر الأخيرة.

وستعتمد هذه التدخلات الطارئة على برنامج الصمود متعدد السنوات الذي تبلغ تكلفته 24 مليون دولار والذي أعلنه صندوق “التعليم لا ينتظر” خلال الشهر الماضي. ويستهدف البرنامج الاحتياجات في مناطق أمهرة والصومال وتيغراي.

حح

وقال الدكتور سيد أمان، المدير القُطري لشركة إيماجن 1 داي، إن المنظمة “ممتنة لمنحة صندوق ‘التعليم لا ينتظر’. وسنوفر إمكانية الوصول إلى بيئات تعليمية آمنة بفضل هذا الدعم السخي لأكثر من 13 ألف طفل غير ملتحقين بالمدارس في منطقة عفر، 60 في المئة منهم من الفتيات و13 في المئة منهم من ذوي الإعاقة. وسيعزز هذا المشروع رفاهيتهم، وسيمكنهم من تحقيق إمكاناتهم الكاملة. ويعاني التعليم في حالات الطوارئ في إثيوبيا من نقص حاد في التمويل، مما يعني أن هذه المنحة ضرورية لضمان تمتع الأطفال المتضررين من الأزمات بالتعليم والدعم الذي يحتاجونه لبناء مستقبل أكثر إشراقا.”

ووصلت استثمارات صندوق “التعليم لا ينتظر” متعددة السنوات والطارئة في إثيوبيا حتى الآن إلى أكثر من 550 ألف طفل ومراهق، ووفرت مجموعة من الدعم شملت إعادة التأهيل المدرسي، وتدريب المعلمين، والصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي، والتعليم الشامل، والتغذية المدرسية، والمبادرات التحويلية بين الجنسين، والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، وأكثر من ذلك. ويركز دعم الصندوق على الفئات الأكثر ضعفا، كالفتيات وأطفال اللاجئين والنازحين والمجتمعات المضيفة والأطفال ذوي الإعاقة.

وتتماشى استثمارات الصندوق مع خطة الاستجابة الإنسانية في إثيوبيا والبرنامج السادس لتنمية قطاع التعليم في البلاد، وهو وثيقة تخطيط مفصلة تقدم نظرة شاملة لخارطة الطريق التي يتخذها قطاع التعليم في الدولة الأفريقية. ويدعو الصندوق العالمي بشكل عاجل إلى توفير موارد إضافية لسد الفجوة التمويلية البالغة 64 مليون دولار لتلبية متطلبات الاحتياجات التعليمية الحادة في خطة الاستجابة الإنسانية لسنة 2024 في إثيوبيا.

ويدعم الصندوق التعليم الجيد للاجئين والنازحين داخليا وغيرهم من الفتيات والفتيان المتضررين من الأزمات حتى لا يتخلف أحد عن الركب، وذلك عبر العمل في حالات الطوارئ والأزمات الممتدة حول العالم.

16