سقوط الأسد يعيد خلط أوراق النفوذ الأجنبي في سوريا

نفوذ تركيا سيزداد على حساب إيران وروسيا.
الأربعاء 2024/12/11
لكل مرحلة نفوذ جديد
 

مع الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بدأت مرحلة جديدة من النفوذ الأجنبي في سوريا حيث كانت إيران أكبر الخاسرين وتركيا الرابح الأول، أما روسيا فمنيت بانتكاسة قد تنهي وجودها العسكري في البلاد والشرق الأوسط ككل.

دمشق - سبّب سقوط الرئيس السوري بشار الأسد صدمة امتدت من إيران إلى روسيا، مرورا بتركيا، ما يعيد خلط خارطة النفوذ الأجنبي في البلاد.

ويطرح الوضع الجديد في سوريا تحديات متعددة بالنسبة للقوى الأجنبية المعنية بشؤون هذا البلد.

إيران أكبر الخاسرين

فقدت طهران برحيل الأسد حليفا أساسيا فيما يعرف بالمحور الإيراني، مما أدى إلى تراجع نفوذها وقدرتها على الحفاظ على شبكتها من الجماعات المسلحة في شتى أنحاء الشرق الأوسط، ولاسيما جماعة حزب الله في لبنان.

وبالنسبة لطهران، كان تحالفها مع الأسد، المنتمي إلى الأقلية العلوية الشيعية في سوريا، حجر الزاوية لنفوذها في منطقة غالبيتها سنية تنظر بعين الحذر لإيران الشيعية.

ووصف علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الأسد وسوريا بـ”الحلقة الذهبية لسلسلة المقاومة في المنطقة.” وأكد أن “هذه السلسلة ستنكسر دون الحكومة السورية وستضعف المقاومة ضد إسرائيل وداعميها.”

إيران هي الخاسر الأكبر من سقوط نظام بشار الأسد لأن سوريا كانت بمثابة قاعدة خلفية لأجنداتها في المنطقة

ويقول حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط، “من الواضح أن إيران هي الخاسر الأكبر لأن سوريا كانت بمثابة قاعدة خلفية لها”، مشيرا خصوصا إلى تصنيع الأسلحة وارتباطها الجغرافي بالعراق ما يجعلها “نقطة العبور الأهم مع حليفها حزب الله اللبناني” الذي فقد خطا حيويا لإمدادات الأسلحة.

ومنح الأسد إيران ممرا حيويا لشحنات الأسلحة لإعادة بناء قدرات حزب الله. وقال جوناثان بانيكوف، نائب رئيس وكالة المخابرات الوطنية الأميركية السابق لشؤون الشرق الأوسط، إن الإطاحة بالأسد قد تجعل من الصعب على حزب الله معاودة تسليح نفسه، الأمر الذي يزيد من احتمالات نجاح وقف إطلاق النار مع إسرائيل الذي تسنى الاتفاق عليه الشهر الماضي.

وبالإضافة إلى فقدان نفوذها في سوريا، تخشى إيران من تداعيات داخلية، بحسب أنييس لوفالوا من معهد الأبحاث والدراسات حول المتوسط والشرق الأوسط التي قالت إن “سقوط نظام مثل نظام بشار الأسد قد يقلق النظام الإسلامي الذي يواجه معارضة داخلية والذي تم إضعافه جراء القصف الإسرائيلي.”

وترى لوفالوا أن “الحرس الثوري صامد” حتى الآن، لكن ما حدث يمكن أن يعيد الزخم إلى حركة الاحتجاج الشعبية في إيران.

نكسة لروسيا

Thumbnail

يشكّل السقوط السريع للرئيس السوري بشار الأسد بعد هجوم مباغت للفصائل المعارضة، نكسة جيوسياسية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تطرح أسئلة بشأن مستقبل دور موسكو في الشرق الأوسط بعد فقدانها حليفا دعمته سياسيا وعسكريا على مدى أعوام.

وشاهد بوتين عاجزا سقوط حليفه، لكن الكرملين البرغماتي سارع إلى تسليط الضوء على الحاجة إلى إجراء نقاشات مع السلطات الجديدة. واعتبارا من الاثنين الماضي، تم رفع علم المعارضة السورية فوق السفارة السورية في موسكو.

وتشير أنييس لوفالوا إلى أن “الروس يريدون بالتأكيد إنقاذ مصالحهم الإستراتيجية، ومن هنا مد اليد إلى النظام الجديد.”

وتمتلك روسيا التي دعمت الأسد عسكريا في النزاع الأهلي اعتبارا من العام 2015، قاعدة بحرية في طرطوس ومطارا عسكريا في حميميم على الساحل السوري.

ويذكّر حسني عبيدي بأنه “بفضل قاعدتها البحرية، تمكنت روسيا من ترسيخ وجودها في ليبيا ودول الساحل الأفريقي، لذلك بدأت روسيا على الفور مناقشات مع صناع القرار الجدد حول شروط استمرار العلاقة معهم.”

ونقلت وكالتا الأنباء “تاس” و”ريا نوفوستي” عن مصدر في الكرملين مساء الأحد الماضي أن موسكو باشرت الاتصال مع المعارضين السوريين، وأن قادتهم “ضمنوا أمن القواعد العسكرية الروسية والمؤسسات الدبلوماسية على الأراضي السورية.”

سقوط الأسد سيعيد خلط الأوراق بين أنقرة وموسكو التي كانت حليفة أساسية لدمشق إلى جانب طهران

واختلف الوضع جذريا بين 2015 و2024: قبل عشرة أعوام، بدأت روسيا التدخل عسكريا في النزاع السوري إلى جانب القوات الحكومية، وأتاحت للجيش السوري تغيير ميزان القوى ميدانيا لصالحه، واستعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد كانت قد سقطت بيد المعارضة المسلحة أو تنظيمات جهادية.

وسجّل بوتين في سوريا نصرا على حساب الغرب وأعاد روسيا إلى الساحة الدولية من الباب العريض. لكن موسكو لم تحرك ساكنا تقريبا هذه المرة.

وقال مدير مركز تحليل الإستراتيجيات والتقنيات في موسكو رسلان بوخوف “لا تتمتع موسكو بالقوات أو النفوذ أو السلطة الكافية للتدخل (العسكري) بشكل فاعل خارج الاتحاد السوفياتي السابق”، معتبرا أن “الهزيمة بعد حين” كانت أمرا لا مفر منه.

ورأى بوخوف في مقالة نشرتها صحيفة كومرسانت، أن الهجوم “المطوّل” على أوكرانيا الذي بدأته روسيا مطلع العام 2022، وتحشد له مئات الآلاف من الجنود والجزء الأكبر من قدراتها العسكرية “أضعف” قوتها الضاربة.

وعلى الرغم من أن موسكو أكدت في الأول من ديسمبر أنها ستدعم القوات الحكومية السورية في صدّ الهجوم الذي بدأته الفصائل في السابع والعشرين من نوفمبر، فإن الضربات التي وجّهتها قواتها الجوية بقيت محدودة.

واعتبر المحلل السياسي الروسي فيودور لوقيانوف أن “محاولة الإبقاء (على الأسد) كان مصيرها الفشل في أي حال.”

تركيا لاعب أساسي

Thumbnail

يرى خبراء أنّ سقوط الأسد، عدوّ أنقرة، يعزّز الثقل الإقليمي لتركيا التي باتت تتمتّع بنفوذ متزايد في جارتها الجنوبية، لكنّه بالمقابل يطرح عليها تحدّيات عديدة ليس أقلّها نجاح العملية الانتقالية.

ويقول بول سالم، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط ومركزه واشنطن، إنّ “تركيا، باعتبارها الداعم الرئيسي للمعارضين، هي الرابح الأكبر في المنطقة” من سقوط الأسد. لكنّه يشير إلى أنّه في الوقت الذي تغرق فيه سوريا في المجهول، فإنّ “هذا النجاح يحتم (على أنقرة) مسؤولية المشاركة في عملية انتقالية ناجحة.”

وقالت تركيا الأحد على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان إنّها مستعدّة لمساعدة سوريا على “ضمان أمنها” و”بلسمة جراحها”.

وإذ دعا الوزير إلى “انتقال سلس” للسلطة في دمشق، أعرب عن أمله في عودة الملايين من اللاجئين السوريين إلى بلدهم بعدما سقط الأسد.

ويعيش ثلاثة ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية، وهو عدد ضخم غذّى في صفوف الأتراك مشاعر العداء للسوريين.

الولايات المتحدة تخشى من أن يستغل تنظيم الدولة الإسلامية الوضع "لإعادة ترسيخ نفسه" في سوريا

وأما غونول تول، مديرة برنامج تركيا في “معهد الشرق الأوسط”، فتقول من جهتها إنّ “احتمال عودة اللاجئين السوريين سيعزز التأييد” للرئيس رجب طيب أردوغان في الرأي العام التركي.

وترى الخبيرة التركية أنّ على صعيد السياسة الخارجية، فإنّ سقوط الأسد سيعيد خلط الأوراق بين أنقرة وموسكو التي كانت حليفة أساسية لدمشق إلى جانب طهران.

وتوضح تول أنّ “تركيا ستتمتّع بتوازن أفضل للقوى في علاقاتها مع روسيا”، مشيرة إلى أنّ الحرب في سوريا جعلت أنقرة “ضعيفة” أمام موسكو، إذ كانت تخشى حتى الأمس القريب من أن يؤدّي القصف الجوي الروسي على شمال غرب سوريا إلى تدفّق أعداد إضافية من اللاجئين السوريين إلى حدودها.

وبدوره، يقول سونر كاغابتاي، الخبير في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، إنّه بعد سقوط الأسد فإنّ “نفوذ تركيا في دمشق سيزداد على حساب إيران وروسيا.”

لكنه يعتبر أن التحدّي أمام تركيا اليوم يكمن في مساعدة هيئة تحرير الشام التي قادت الفصائل المعارضة في الهجوم الذي أطاح بالأسد، على “كسب اعتراف دولي” و”التخلّص من روسيا وإيران”.

ويحذّر الخبير من أنّ “الأمر لن ينجح إذا ما تصرّفت تركيا كما لو أنها الحاكم الجديد لسوريا”.

وإلى جانب أصحاب النفوذ الرئيسيين، تركز الولايات المتحدة على خطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وتخشى الولايات المتحدة من أن يستغل تنظيم الدولة الإسلامية الوضع “لإعادة ترسيخ نفسه” في سوريا، حيث سيطر على مساحات واسعة من الأراضي بين العامين 2014 و2018.

ومع تصميمها على منع تحقق هذا السيناريو، أعلنت القيادة العسكرية الوسطى الأميركية التي تشمل الشرق الأوسط (سنتكوم) أن طائرات تابعة لها نفذت “عشرات الضربات” في وسط سوريا الأحد، مستهدفة “أكثر من 75 هدفا” للتنظيم.

6