معسكرات اعتقال عناصر داعش في سوريا عرضة للخطر

دمشق - تمثل سوريا في حقبة ما بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد فرصة لجهاديي تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف الذين قد يحاولون استغلال أيّ حالة من الفوضى لاستعادة أراض وتحرير مقاتلي التنظيم المسجونين في المنطقة الكردية في شمال شرق البلاد. ولا شك أن عدم اليقين والحروب وفراغ السلطة هي ما ينشده عناصر التنظيم الذين يتحركون ضمن خلايا صغيرة في صحراء شرق البلاد وسيسعون لاستغلال المرحلة الانتقالية الصعبة بعد 13 عاما من الحرب.
ويحذر المدير العلمي لمركز “سوفان” في نيويورك كولن كلارك، من أن “الفوضى والانفلات ستكون حتما نعمة لتنظيم الدولة الإسلامية الذي ينتظر مثل هذه الفرصة ليعيد بناء شبكاته ببطء ولكن بثبات في جميع أنحاء البلاد.” وأدّى الهجوم الخاطف الذي تقوده جماعة هيئة تحرير الشام المتمردة إلى خلق فراغات في السلطة في أجزاء كبيرة من سوريا، حيث تتنافس العديد من الجهات الفاعلة على النفوذ في المساحات التي لا تخضع بالفعل لحكم.
وتقول ديفورا مارغولين، وهي زميلة بارزة في برنامج بلومنشتاين – روزنبلوم في معهد واشنطن، إنه بينما تتجه معظم الأنظار الآن إلى دمشق وأنقاض نظام الأسد، فإن اهتمام الولايات المتحدة وحلفائها مطلوب بشكل عاجل في الشمال الشرقي، حيث تظل معسكرات الاعتقال والسجون التي تحتجز الآلاف من الرجال والنساء والأطفال المنتمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) معرضة للخطر بشكل كبير.
ومنذ عام 2019، عندما خسر داعش آخر جزء من سيطرته الإقليمية وتدخلت تركيا عسكريًا في الشمال، ظلت بيئة العمليات في سوريا والجهات الفاعلة المعنية متسقة في الغالب حتى هذا الأسبوع. ومن الواضح أن هذا الاستقرار كان معلقاً بخيط رفيع. والآن بعد أن تم قطعه، فإن التغييرات الجذرية تجعل الأمن في مختلف أنحاء البلاد معرضاً للخطر.
ويشمل ذلك المنطقة الشمالية الشرقية حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية والقوات المتحالفة معها على أكثر من ستة وعشرين معسكرا وسجنا تحتجز ما يقرب من 50 ألف فرد تابع لداعش (41 ألفًا في المعسكرات، و9 آلاف في السجون).
ولسنوات، شجع تنظيم الدولة الإسلامية أنصاره على مهاجمة هذه المرافق وإطلاق سراح المعتقلين، الذين تعتبرهم الجماعة حيويين لنشر أيديولوجيتها، وتحسين نجاحها العملياتي، وتسهيل عودتها. وفي الوقت نفسه، هناك الخطر الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية على واحدة من نقاط الضعف في الحرب ضد الإرهاب وهي المخيمات المكتظة وغير المؤمّنة في المنطقة الكردية، حيث يقبع عشرات الآلاف من عناصر تنظيم الدولة مع نسائهم وأطفالهم.
وفي يناير 2022، هاجم التنظيم سجن غويران في الحسكة (شمال شرقي البلاد)، حيث يتم احتجاز الآلاف من الجهاديين. ويعتقد يورام شفايتسر أن التنظيم لا يمكنه سوى وضع مخيم الهول العملاق نصب عينيه، “إما من خلال مهاجمته أو من خلال مساعدة المحتجزين هناك على الهروب.”
وواجه الأكراد في السنوات الأخيرة “صعوبة في الحفاظ على النظام داخل المخيم،” كما يشير الباحث الإسرائيلي، الذي يعتقد أنهم لن يتمكنوا من تأمينه لفترة أطول، خاصة إذا تعرضوا لهجوم من قبل الجيش التركي الذي يعتبر القوات الكردية “إرهابية”.
وفي نهاية المطاف، سيتوقف الأمر جزئيا على ما إذا كانت هناك رغبة لدى الولايات المتحدة أم لا في الاحتفاظ ببضعة آلاف من الجنود الأميركيين المنتشرين في سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ومنع أنقرة من مهاجمة الأكراد في سوريا. وإذا كان من غير الممكن التنبؤ بخطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، فإن الحرب ضد التنظيم “هي جزء من إرث” ولايته الأولى، وفق كولن كلارك.
وأضاف “لا أعتقد أنه سيرغب في التراجع عن هذا الإرث من خلال سحب قواته وإعطاء الضوء الأخضر للأتراك.” وإلا فإن “تنظيم الدولة الإسلامية سيكون هو المستفيد الأول.” وعلى الرغم من الضغوط الدولية طويلة الأمد لتخفيف هذا الخطر من خلال إعادة هؤلاء الأفراد إلى بلدانهم الأصلية، إلا أن التقدم لا يزال بطيئا بشكل خطير بعد خمس سنوات من انهيار “خلافة” داعش.
◙ حتى مع تحول الاهتمام العالمي بشكل مفهوم نحو أسئلة الانتقال الرئيسية في دمشق، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يفقد التركيز على القتال ضد داعش
وقالت لورانس بيندنر، المؤسسة المشاركة في منصة لتحليل التطرف عبر الإنترنت، إن التنظيم الذي أعلن إقامة خلافة تمتد بين العراق وسوريا في الفترة 2014 – 2019، يرى أن “هدف الفصائل المسلحة في سوريا هو إنشاء دولة مدنية وديمقراطية، وهذا الشيء بعيد جدًا عن مشروعه المتمثل في دولة تقوم على الشريعة.”
وأضافت بيندنر “إنه يعتبر نفسه البديل الوحيد الذي يمكنه فرض التعاليم الدينية والوقوف في وجه المصالح الأجنبية،” مشيرة إلى أن دعوات الفصائل إلى “التعايش السلمي مع الأقليات الدينية تتعارض مع رؤية التنظيم المتطرفة.”
وحتى مع تحول الاهتمام العالمي بشكل مفهوم نحو أسئلة الانتقال الرئيسية في دمشق، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يفقد التركيز على القتال ضد داعش، وهو جزء أساسي منه ضمان أمن السجون ومعسكرات الاحتجاز في الشمال الشرقي. وتظل هذه المرافق عرضة لهجمات داعش الكبرى مثل عملية الهروب من سجن الصناعة في عام 2022.
ولذلك، يتعين على الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى أن تفعل ما هو مطلوب لتعزيز الدفاعات الخارجية لهذه المرافق وأمن المعتقلين داخلها، وهذا يعني التأكد من أن قوات سوريا الديمقراطية لديها الموارد التي تحتاجها لمواصلة هذه المهمة.
إن خطر الهروب آخذ في الارتفاع، وأيّ عملاء أو مؤيدين لتنظيم الدولة الإسلامية يهربون قد ينتهي بهم الأمر بالعودة إلى بلدانهم الأصلية خارج عملية الإعادة الرسمية، وبالتالي يشكلون مخاطر أمنية محتملة في الداخل.
وكانت العديد من البلدان مترددة في إعادة مواطنيها، لكن تذكيرها بالمخاطر المتزايدة المترتبة على التقاعس عن العمل قد يحفزها على اتخاذ الخطوات اللازمة.