أبواب فاس تحفظ التاريخ المعماري للمدينة

فاس الجديد تزخر بمجموعة من الأبواب الرائعة، التي تتميز بزخارف ونقوش فريدة تعكس الإبداع الفني للذاكرة المعمارية المغربية.
الثلاثاء 2024/12/10
هوية المدينة

تعد أبواب فاس القديمة رمزًا لعراقة المدينة وحضارتها الممتدة عبر العصور، حيث تتميز بتنوعها وزخارفها المعمارية الفريدة التي تجسد مهارة المهندسين المغاربة وتأثيرات الفن الإسلامي والأندلسي، وهو ما يعكس تاريخًا طويلًا وعريقًا.

فاس (المغرب) ـ ظلت أسوار وأبواب مدينة فاس القديمة، التي أدرجت ضمن التراث الإنساني العالمي عام 1981 من قبل منظمة اليونسكو، شاهدة على عراقة المدينة وقوتها. وتمثل هذه المعالم رمزًا لدور المدينة في الدفاع عن نفسها ضد الغزاة الذين حاولوا اقتحامها والسيطرة عليها. وقد لعبت الأسوار والأبواب والأبراج دورًا حاسمًا في صد تلك المحاولات على مر العصور.

ويتفق معظم الباحثين والمؤرخين في مجالات التاريخ والتراث على أهمية هذه الأسوار والأبواب الضخمة، التي تتجاوز وظائفها الدفاعية لتصبح معالم جمالية رائعة. فقد أبدع المهندسون المعماريون في زخرفة الجدران والأبواب، وهو ما يعكس تأثرهم بالتراث الإسلامي والحضارة العربية، وفقًا لآراء العديد من المتخصصين في هذا المجال.

تأسست مدينة فاس على يد المولى إدريس الأول قبل أكثر من 12 قرنًا، وهي محاطة بأسوار مرتفعة وأبراج عالية مثل البرج الجنوبي والشمالي، وقد كانت تستخدم في مراقبة تحركات الغزاة عن بعد. إلى جانب ذلك شيدت المدينة مجموعة من الأبواب الضخمة ذات المعمار الجميل، وهي تخلد أحداثًا تاريخية هامة، مثل باب الكيسة وباب الفتوح وباب بوجلود وباب المحروق.

وفي الجوار أسس المرينيون في القرن الثالث عشر مدينة فاس الجديد، التي تفصلها عن المدينة القديمة حديقة جنان السبيل التاريخية، التي أنشأها السلطان العلوي المولى عبدالله في القرن الثامن عشر.

وتزخر فاس الجديد بمجموعة من الأبواب الرائعة، مثل باب الساكمة وباب الماكينة وباب أكدال وباب السمارين وباب الدكاكين، التي تتميز بزخارف ونقوش فريدة تعكس الإبداع الفني للذاكرة المعمارية المغربية.

حح

وشيد الملك الحسن الثاني باب القصر الملكي في فاس الجديد، المعروف بـ”الباب النحاسي”، ليكون رمزًا لجمال الفن الفاسي وتراثه العريق. ويتميز الباب بتفاصيله الزخرفية الدقيقة والمتنوعة، وأشكاله الهندسية المتناظرة، ما يعكس التمازج بين الفن المغربي والزخرفة الأندلسية. تزين أقواس الباب بألوان زاهية تعبر عن براعة الصانع، إضافة إلى الأعمدة الرخامية البيضاء والتكسيات البرونزية المذهبة والتفاصيل المزخرفة على التيجان. ويعلو المدخل الرئيسي قوس أكبر من القوسين الجانبيين، بينما تزين مصاريع الأبواب صفائح من النحاس المنقوشة بأشكال هندسية دقيقة، تتوسطها مطارق نحاسية غاية في الإتقان.

وتحيط بالقصر الملكي أسوار تاريخية تحكي فصولًا من ذاكرة فاس الجديد منذ تأسيسها في القرن الثالث عشر الميلادي على يد المرينيين. هذه الأسوار تزينها أبواب ضخمة تدعمها أبراج متنوعة الأنماط. وتعد هذه الأسوار شاهدًا على أسلوب البناء التقليدي المعروف في المغرب بـ”الطابية”. ولا تزال أسوار وأبواب القصر الملكي مقصدًا للزوار والسياح، الذين يلتقطون الصور ويستمتعون بحكايات تخلد تاريخها وأمجادها.

تم بناء باب السمارين الذي يفصل بين حي الملاح وسوق فاس الجديد عند تأسيس المدينة الجديدة، وهو باب ضخم يتضمن قوسين رئيسيين وكان يُعرف سابقًا باسم “باب عيون صنهاجة”. استمد الباب اسمه الحالي من “سمارين”، وهم الحرفيون الذين يثبتون صفائح الحديد تحت أظلاف البهائم باستخدام المسامير. ويضم الباب برجين هائلين. ولا يزال الباب يحتفظ إلى اليوم بواجهته الخارجية المميزة، حيث يتزين بقوس مزدوج يحتوي على فصوص متعددة تضفي عليه طابعًا زخرفيًا فريدًا.

حح

ويستمد باب الساكمة في فاس الجديد اسمه من آمنة الساكمة، وهي امرأة ورعة دفنت بجواره في عام 1737. ويمكن للزوار ملاحظة الكتابات المنقوشة على مربعات الزليج الخضراء في الواجهة الخارجية للباب، التي تشير إلى مؤسس الباب، إضافة إلى نقوش تضم آيات قرآنية وأبيات شعرية. وعلى الرغم من اختفاء أثر باب الساكمة القديم، إلا أن ذكراه لا تزال حية في ذاكرة أهل فاس الذين أطلقوا اسمه على الباب المجاور له.

أما باب المحروق، الذي شيده الخليفة الموحدي الناصر في بداية القرن الثالث عشر، فكان يعرف سابقًا بـ”باب الشريعة”. تم بناء هذا الباب عندما أعيد تشييد أسوار المدينة، ويعد اليوم مدخلًا رئيسيًا لـ”الطالعة الكبيرة”. ويتميز تصميم الباب بالشكل المستطيل، ويحتوي مدخله على زاوية قائمة. من الداخل يتسم الباب بوجود قبة تعلوه مبنية من الآجر التقليدي. ويبلغ ارتفاع أسواره الخارجية، بالإضافة إلى أسوار برجه، حوالي 12 مترًا، وهي مبنية من خليط التراب والجير المدكوك، مع شرفات هرمية على القمة. وقد خضع باب المحروق لعمليات ترميم واسعة، وهو ما جعله مكانًا مخصصًا للفنون.

ويظل باب بوجلود الأثري مدخلًا بارزًا إلى المدينة العتيقة، وقد بُني سنة 1913، وهو يجذب الأنظار بزخارفه الرقيقة التي تتألف من تصاميم متشابكة على الطراز الأرابيسك، باللون الأزرق على الواجهة الخارجية، والأخضر على الواجهة الداخلية. ويتكون الباب من قوس مركزي وقوسين جانبيين صغيرين.

حخح

18