عالم غارق في الحروب.. ولكن من هم المنتصرون

الربح من نصيب مصنعي الأسلحة والخدمات العسكرية.
الخميس 2024/12/05
مصائب قوم عند قوم فوائد

في ظل الصراعات العسكرية المحمومة التي تعصف بالعالم لا يبدو هناك منتصر بين الأطراف المتحاربة سوى شركات صناعة الأسلحة والخدمات العسكرية التي تراكم ثروات طائلة وتستفيد من دوامة الفوضى.

واشنطن - يجادل محللون أنه لن يكون الروس أو الأميركيون أو الإسرائيليون الفائزين النهائيين عند انتهاء الصراعات العسكرية المدمرة في أوكرانيا وغزة. ولكن الربح سيكون من نصيب مصنعي الأسلحة في العالم الموصوفين بـ”تجار الموت”.

ويرى ضاليف دين في تقرير نشرته خدمة إنتر برس أن هؤلاء سيكونون الفائزين في سلسلة الصراعات والحروب الأهلية في سوريا وميانمار ولبنان واليمن والسودان وأفغانستان أيضا.

ويبرز أحدث تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن إيرادات مبيعات الأسلحة والخدمات العسكرية التي حققتها أكبر 100 شركة في هذه الصناعة بلغت 632 مليار دولار خلال 2023، حيث شكّل المبلغ زيادة قدرها 4.2 في المئة مقارنة بسنة 2022.

وحددت البيانات الجديدة الصادرة في 2 ديسمبر الجاري أن ارتفاع عائدات الأسلحة سُجّل في جميع المناطق. وبرزت ارتفاعات حادة بين الشركات التي تتخذ من روسيا والشرق الأوسط مقرا لها.

إطعام كل الجياع في العالم بحلول 2030 لا يتجاوز 40 في المئة من إيرادات أكبر شركتين في تجارة الأسلحة

وكان صغار المنتجين أكثر كفاءة في الاستجابة للطلب الجديد الناتج عن الحروب في غزة وأوكرانيا، والتوترات المتزايدة في شرق آسيا وبرامج إعادة التسلح في مناطق أخرى.

وذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام خلال 2023 أن العديد من منتجي الأسلحة رفعوا إنتاجهم استجابة للطلب المتزايد. وحقق إجمالي إيرادات الأسلحة لأفضل 100 شركة انتعاشا بعد تدهور خلال سنة 2022.

وحققت حوالي ثلاثة أرباع الشركات زيادات في إيراداتها من الأسلحة على أساس سنوي، حيث كانت جل هذه الشركات التي ارتفعت إيراداتها في النصف الثاني من قائمة أفضل 100 شركة.

وكان لورينزو سكارازاتو، الباحث في برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة التابع لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، قد توقع أن تشهد سنة 2024 استمرار الارتفاع الملحوظ في عائدات الأسلحة المسجل خلال 2023.

وقال إن “عائدات الأسلحة لأكبر 100 منتج للأسلحة لا تعكس كليا حجم الطلب بعد. وأطلقت العديد من الشركات حملات توظيف مما يشير إلى تفاؤلها بشأن المبيعات المستقبلية.”

وأكد الدكتور سايمون آدامز، رئيس مركز ضحايا التعذيب ومديره التنفيذي، تصاعد عدد الأشخاص النازحين في العالم بسبب الاضطهاد والنزاعات والفظائع بأكثر من ثلاثة أضعاف في العقد الماضي. وحدد أنه تجاوز 120 مليونا.

أكثر الذين استفادوا من ارتفاع البؤس البشري كانوا مجرمي الحرب والجلادين ومنتهكي حقوق الإنسان في العالم

وقال إن أكثر الذين استفادوا من ارتفاع البؤس البشري كانوا مجرمي الحرب والجلادين ومنتهكي حقوق الإنسان في العالم.

وأضاف “لكنهم ما كانوا يستطيعون مواصلة أنشطتهم دون مصنعي الأسلحة الذين يسلحونهم ويمكنونهم. وكان صانعو الأسلحة هم الذين استفادوا بشكل مباشر، وأكثر من غيرهم.. يرى تجار الأسلحة فرصة تجارية جديدة وهوامش ربح متزايدة حيثما نشهد معاناة المدنيين والمباني المقصوفة والموت والدمار في العالم. ويرتبط ربحهم بإراقة الدماء.”

ونشرت صحيفة “ذا نيشن” في عدد يوليو مقالا حمل عنوان “التربح من الحرب”. وحدد فيه ديفيد فاين وتيريزا أريولا أكبر خمس شركات أميركية تزدهر في صناعة الحرب، وهي لوكهيد مارتن، ونورثروبغرومان، ورايثيون، وبوينغ، وجنرال دايناميكس.

وكان الرئيس الأميركي الأسبق دوايت أيزنهاور قد حذر الأميركيين سنة 1961 من قوة “المجمع الصناعي العسكري” في الولايات المتحدة.

وذكر مشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون، حسب المقال، أن “المجمع الصناعي العسكري غرس دمارا غير مفهوم على مستوى العالم، وأبقى الولايات المتحدة عالقة في حروب لا نهاية لها منذ 2001، فقتلت حوالي 4.5 مليون شخص، وجرحت عدة ملايين آخرين، وشردت 38 مليونا على الأقل.”

وقال الدكتور إم في رامانا، الأستاذ ورئيس قسم نزع السلاح والأمن العالمي ومدير برنامج الدراسات العليا في جامعة كولومبيا البريطانية بفانكوفر، إن أحدث الإحصاءات التي نشرها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام تظهر أن الصناعات العسكرية والاستثمار في إنتاج وسائل قتل الناس وتشويههم تزدهر اقتصاديا حتى عندما يصبح دورها في إدامة ذبح السكان المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في بلدان متعددة أكثر وضوحا يوما بعد يوم.

إجمالي عائدات الأسلحة لأكبر 27 شركة مقرها في أوروبا (باستثناء روسيا) بلغ 133 مليار دولار في 2023

وصرّح “تتصدر الولايات المتحدة هذه القائمة المخزية، فهي تقف وراء حوالي نصف جميع الأسلحة المباعة. وتحمل أكبر خمس شركات تجارة أسلحة الجنسية الأميركية. وهي تمثل معا حوالي ثلث إجمالي المبيعات.”

واعتبر هذا الوضع مأساويا بسبب الخسائر البشرية التي تسببها هذه الأسلحة حول العالم (بدءا من غزة ولبنان وصولا إلى أوكرانيا)، ولقدرة هذه الأموال على تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة عالميا.

وقال الدكتور رامانا إن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة سيحتاج 40 مليار دولار سنويا “لإطعام كل الجياع في العالم والقضاء على الجوع في العالم بحلول 2030.”

وأكد أن هذا لا يتجاوز 40 في المئة من إيرادات أكبر شركتين في تجارة الأسلحة. وتصبح بهذا كل البيانات التي يصدرها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام سنويا دلالة محزنة على أولويات الحكومات والمؤسسات القوية التي تتحكم في قرارات الإنفاق.

وحدد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الشركات الـ41 في قائمة أفضل 100 شركة مقرها الولايات المتحدة سجلت إيرادات أسلحة بلغت 317 مليار دولار، أي نصف إجمالي إيرادات الأسلحة لأعلى 100 شركة و2.5 في المئة أكثر من الأرقام المسجلة خلال 2022. ومنذ 2018، يقع مقر أكبر خمس شركات من أفضل 100 شركة في الولايات المتحدة.

وارتفعت عائدات 30 شركة من بين 41 شركة أميركية من الأسلحة في 2023. وكانت لوكهيد مارتن وآر تي إكس، أكبر منتجي الأسلحة في العالم، من بين من سجلوا انخفاضا.

وقال الدكتور نان تيان، مدير برنامج الإنفاق العسكري وإنتاج الأسلحة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن “الشركات الكبرى مثل لوكهيد مارتن وإر تي إكس، التي تصنع مجموعة واسعة من منتجات الأسلحة، غالبا ما تعتمد سلاسل تصدير معقدة متعددة المستويات. وعرّضها هذا لتحديات سلسلة التصدير في 2023. وكان هذا قائما خاصة في قطاعي الطيران والصواريخ.”

Thumbnail

وفي نفس الوقت، بلغ إجمالي عائدات الأسلحة لأكبر 27 شركة مقرها في أوروبا (باستثناء روسيا) 133 مليار دولار في 2023. وكان هذا أكثر بنسبة 0.2 في المئة فقط مما سُجّل خلال 2022. وشكّلت هذه أصغر زيادة في أيّ منطقة في العالم.

وتكون الصورة أكثر دقة خلف رقم النمو المنخفض. وكانت شركات الأسلحة الأوروبية التي تنتج أنظمة أسلحة معقدة تعمل غالبا على عقود قديمة خلال 2023. ولا تعكس إيراداتها لهذا العام بالتالي تدفق الطلبات.

وقال سكارازاتو إن “لأنظمة الأسلحة المعقدة فترات تنفيذ أطول. وتبقى الشركات التي تنتجها بطبيعتها أبطأ في الاستجابة للتغيرات في الطلب. ويفسر هذا سبب انخفاض عائداتها من الأسلحة نسبيا في 2023 رغم زيادة الطلبات الجديدة.”

وشهد عدد من المنتجين الأوروبيين الآخرين خلال الفترة نفسها نموا كبيرا في عائدات الأسلحة، وكان مدفوعا بالطلب المرتبط بالحرب في أوكرانيا، خاصة على الذخيرة والمدفعية والدفاع الجوي والأنظمة البرية.

وتمكنت الشركات في ألمانيا والسويد وأوكرانيا وبولندا والنرويج وتشيكيا من الاستفادة من هذا الطلب. وزادت شركة راينميتال الألمانية من الطاقة الإنتاجية للذخيرة من عيار 155 ملم وعززت إيراداتها بتسليم دبابات ليوبارد والطلبات الجديدة، بما يشمل برامج التبادل المرتبطة بالحرب (التي تزود الدول بموجبها أوكرانيا بالسلع العسكرية وتتلقى بدائل من الحلفاء).

7