روسيا تسير نحو "مكانة" الراعي الرسمي لمحور المقاومة

زيادة التعاون بين روسيا والجهات الفاعلة الرئيسية في الشرق الأوسط تعكس مساعي موسكو للعب دور مناكف للولايات المتحدة والغرب في المنطقة. ومن خلال التعاون الدبلوماسي والعسكري تسعى موسكو للعب دور الراعي الرسمي لمحور المقاومة.
القدس - أعلنت إسرائيل في 19 نوفمبر أنها عثرت على مخبأ كبير للأسلحة الروسية بحوزة حزب الله في جنوب لبنان. وتشير التقارير إلى أن العديد من الأسلحة كانت في البداية مملوكة للجيش السوري، الذي تزوده موسكو نفسها بالأسلحة منذ سنوات. ويشير هذا إلى تعاون متزايد بين روسيا والميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبينما تعدّ روسيا انتهازية في الشرق الأوسط، إلا أنها لا تملك أي مخطط للسلام الشامل في المنطقة. ولا تسعى لتحقيقه مع مواصلتها تصوير نفسها كبديل للولايات المتحدة.
وجاء في تقرير نشرته مؤسسة جيمس تاون أن روسيا تطمح إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي عبر صفقات ثنائية مع الجهات الفاعلة الرئيسية في الشرق الأوسط. وتتعزز هذه الارتباطات بفضل العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية الوثيقة التي تحمل قيمة خاصة في عصر التنافس الروسي الغربي منذ غزو أوكرانيا في فبراير 2022. ولجأت روسيا إلى الشرق الأوسط وآسيا ككل لتخفيف ضغوط العقوبات، حيث بحثت عن طرق تجارية بديلة ومصادر للاستثمارات الأجنبية.
وتشمل العلاقات المعززة علاقات روسيا مع إيران في إطار العواقب الدولية لحرب أوكرانيا. لكن ما يخفى عن التركيز إلى حد كبير هو كيفية سماح هذا الحلف لموسكو بتعميق العلاقات مع ما يسمى بـ”محور المقاومة” الذي تشكله شبكة الميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط التي تدعمها طهران. وزادت روسيا من دبلوماسيتها، وفي بعض الحالات، تعاونها العسكري على مدى العامين الماضيين مع هذه الجماعات الممتدة من الحوثيين إلى حزب الله إلى حماس.
وتواصل روسيا مشاركتها النشطة في توسيع العلاقات الأمنية والعسكرية مع الحوثيين. وشمل نهجها الحالي توفير الأسلحة لهم. وتشير التقارير الإعلامية إلى أن ضباط المخابرات الروسية شوهدوا في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، وإلى أن موسكو فكرت في إرسال دعم عسكري كبير إلى هذه الميليشيا المدعومة من إيران. كما تزايدت وتيرة الاتصالات السياسية بين الطرفين، حيث عقد الحوثيون والمسؤولون الروس اجتماعات منتظمة.
وتعتبر روسيا حماس حاكما شرعيا في غزة التي تشن عليها إسرائيل حملة عسكرية واسعة النطاق. واستضافت موسكو في فبراير الماضي مؤتمرا فلسطينيا داخليا شارك فيه مسؤولون من حماس إلى جانب مسؤولين من فتح والجهاد الإسلامي. كما امتنعت روسيا عن انتقاد هجوم حماس على إسرائيل وانتقدت تل أبيب إلى حد ما خلال العام الماضي.
◙ روسيا زادت تعاونها الدبلوماسي والعسكري مع الجماعات الممتدة من الحوثيين إلى حزب الله فحركة حماس
وتدرك موسكو حدود قوتها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وخاصة في الشؤون الفلسطينية الداخلية. لكن ردها يتمحور حول كيفية النظر إليها على المستوى الدولي، وتقديم نفسها بصفتها قوة موثوقة، والأهم من ذلك كله، قوة موالية للعرب إلى حد كبير في الشرق الأوسط.
وهذا ما يتناسب مع إستراتيجية موسكو الشاملة المتمثلة في التوجه نحو آسيا والشرق الأوسط، وخاصة تأسيس العلاقات الوثيقة مع الدول العربية. ويتعلق هذا الموقف بالرسائل التي تشير إلى فشل الولايات المتحدة في تولي دور اللاعب المسؤول في الشرق الأوسط. وحزب الله هو لاعب مهمّ آخر داخل محور المقاومة الإيراني الذي حافظت روسيا على اتصال وثيق معه. وانتقدت روسيا الحملة الإسرائيلية المصممة لاستهداف كبار قادة الجماعة.
وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعربت عن قلقها من أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية إلى تعقيد الوضع الإقليمي عندما قُتل القيادي العسكري في حزب الله فؤاد شكر خلال يوليو. كما تحدثت موسكو علنا عن مرونة حزب الله في مواجهة الهجوم الإسرائيلي. وتحمل المشاركة بين روسيا وحزب الله جانبا أمنيا وعسكريا. وتعاون حزب الله مع القوات الروسية خلال الحرب الأهلية في سوريا. ولعب الطرفان دورا فعالا في مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد على الاحتفاظ بالسلطة منذ 2015.
وإضافة إلى إشارة إسرائيل في 19 نوفمبر إلى عثورها على مخابئ كبيرة من الأسلحة الروسية التي كانت بحوزة حزب الله، أشارت بعض وسائل الإعلام في وقت سابق (وإن كان من غير المرجح) أن حزب الله أرسل مقاتلين إلى أوكرانيا لدعم الجهد الحربي الروسي. وترى موسكو في هذه الاتصالات وسيلة ضغط قوية على الولايات المتحدة وحتى دول المنطقة مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
ويمنح التعاون الوثيق بين موسكو والحوثيين أداة ضغط قوية لروسيا على الرياض إذا اختارت السعودية موقفا أكثر تأييدا للولايات المتحدة. ويعدّ هذا مهما لأن الدول العربية تترقب ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفارغ الصبر، متوقعة المزيد من العلاقات التفاعلية مع واشنطن. ويمكّن الحوثيون موسكو من الضغط على الغرب وتشتيت انتباهه عن الحرب في أوكرانيا.
وتمكّن العلاقات الوثيقة مع حماس وحزب الله روسيا من إنذار إسرائيل من أنها ستكون مستعدة لزيادة التعاون مع الميليشيات إذا غيرت الدولة العبرية نهجها بشأن أوكرانيا أو هاجمت البرنامج النووي الإيراني. وانبثق هذا النهج نتيجة لتباطؤ العلاقات بين موسكو وتل أبيب منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وخاصة إثر الأعمال العدائية في غزة.
وتشكل روسيا قوة انتهازية في الشرق الأوسط. وهي تستفيد من فشل الولايات المتحدة في إنهاء الحرب في غزة وتحقيق التطبيع بين إسرائيل والسعودية. وتدرك موسكو حدود ما يمكن أن تفعله في المنطقة. ولكن موقعها في الشرق الأوسط توسع خلال العامين الماضيين بسبب العلاقات الوثيقة التي تجمعها مع محور المقاومة الإيراني.