الغش يدمر مؤشرات جودة التعليم في مصر

الارتفاع الكبير في معدلات الرسوب في كليات الطب يهدد سمعة الشهادات المصرية في دول الخليج وأوروبا.
الاثنين 2024/12/02
جهود حكومية غير فعّالة

القاهرة- يوجد أكثر من 25 مليون طالب في جميع مراحل التعليم في مصر، وهو الأكبر في المنطقة العربية. لكن مصر تسجل نتائج منخفضة في مؤشرات جودة التعليم عربيا وعالميا.

ويرى الكاتب محمود حسن في تقرير نشره موقع مونيتور الشرق الأوسط أن ذلك يرجع إلى انتشار الغش وتسريب الامتحانات ونقص المعلمين المتزايد وعشوائية سياسات التعليم المستمرة.

ويعد الارتفاع الكبير في معدلات الرسوب في كليات الطب في جامعات مصر أحد التداعيات الكارثية لتدهور مستوى التعليم في البلاد، ويهدد سمعة الشهادات المصرية في دول الخليج والدول الأوروبية.

ورغم إجراءات الحكومة لاحتواء الموقف، إلا أنه ينذر بكارثة قد تزيد من مستوى الأمية في السنوات القادمة، خاصة مع تزايد نسبة الأطفال الذين يعانون من فقر التعلم، حيث لا يستطيعون القراءة أو الكتابة أو فهم نص قصير.

ودق ناقوس الخطر بكلية الطب بجامعة أسيوط بالجنوب، والتي شهدت نسبة رسوب بلغت 60 في المئة، حيث رسب 720 طالبًا من إجمالي 1207 طلاب بها في امتحانات العام الدراسي 2023. وفي جامعة سوهاج، رسب أيضًا 346 طالبًا من إجمالي 600 طالب في السنة الأولى بكلية الطب (60.91 في المئة)، وفقًا لعميد كلية الطب الدكتور مجدي أمين.

وكانت كلية الطب بجامعة جنوب الوادي أسوأ حالًا، حيث رسب 72 في المئة من طلابها. وكانت نسبة الرسوب في كلية طب الأسنان بنفس الجامعة أعلى من ذلك، حيث بلغت 80 في المئة، وفقًا لصحف مصرية. كما شهدت كليات العلوم الأخرى مثل العلاج الطبيعي والهندسة، رسوبًا في العام الدراسي الأول.

هع

وهو ما يجعل الرسوب في السنة الجامعية الأولى ظاهرة في كليات العلوم بالجامعات والمعاهد المصرية التي تضم نحو أربعة ملايين طالب. ودفعت هذه النتائج الصادمة النائبة سميرة الجزار إلى مطالبة وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالتحقيق في ارتفاع معدلات الرسوب في كليات الطب.

وجاءت الإجابات من عمداء الكليات المعنية، وكان الأشد صدمة منها ما قاله عميد كلية الطب بجامعة جنوب الوادي الدكتور علي عبدالرحمن غول، حيث كشف أن 90 في المئة من الطلاب الراسبين تخرجوا من مدارس معينة في محافظة قنا، وأن غالبية الطلاب الراسبين البالغ عددهم 368 طالبًا رسبوا في جميع فصولهم وليس فقط في فصول معينة.

وكشف غول أن 80 طالبًا مسجلين في كلية الطب من مدرسة ثانوية معينة لم يسمها، نجح منها طالب واحد فقط. وفي محاولة لإنقاذ سمعتها، أرجع رئيس جامعة جنوب الوادي، يوسف الغرباوي، نتائج اختبارات السنة الأولى بكلية الطب إلى ما يعرف بالغش الجماعي في بعض امتحانات الثانوية العامة.

وأرجع عميد كلية الطب بجامعة أسيوط، علاء عطية، ارتفاع نسبة الرسوب في كليته إلى ضعف المستوى التعليمي للطلاب. وقال عطية إن هؤلاء الطلاب في السنة الأولى من الدفعة الثانوية التي تم التشكيك في نتائجها وقيل إنها غير دقيقة، مع مزاعم عن تسريب الامتحانات.

وكانت تقديرات سابقة أصدرها وزير التربية والتعليم المصري الأسبق طارق شوقي، أشارت إلى أن نسبة الغش في امتحانات التعليم ما قبل الجامعي بلغت 85 في المئة، بحسب صحيفة بوابة الأهرام.

وخلال السنوات القليلة الماضية، فشلت السلطات المصرية في وقف مجموعات الغش المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو وقف تسريب الامتحانات، التي أصبحت طقسًا سنويًا في الامتحانات في البلاد.

وعندما منعت وزارة التربية والتعليم الهواتف الذكية من دخول قاعات الامتحانات، لجأ الطلاب إلى استخدام سماعات لاسلكية للغش. ويمكن تثبيت هذه السماعات الصغيرة داخل الأذن الخارجية، أو داخل الأقلام أو النظارات، حتى يتمكن الطلاب من إرسال أسئلة الامتحان وتلقي إجاباتهم. وبعض هذه الأجهزة الإلكترونية مزودة بكاميرات يمكنها إرسال نسخ من الامتحانات وتسريبها.

وفي المدارس الريفية، يتم استخدام طرق أكثر بدائية: حيث يكتب المعلمون إجابات أسئلة الاختبار على السبورة، أو يعطون الإجابات شفهيًا لبعض الأسئلة. وبهذه الطريقة يظهرون التساهل مع الطلاب ويسمحون لهم بالتعاون فيما بينهم أثناء الامتحانات النهائية، بحسب شهود عيان.

وقال أحد المعلمين المصريين، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن المعلمين غالبًا ما يتركون الطلاب في قاعات الامتحان بمفردهم. وقد يجيب بعض المعلمين على بعض أسئلة الامتحان في نهاية الوقت المخصص للامتحان؛ وقد يصل الأمر إلى أن يضيف بعض المعلمين إجابات بالقلم الرصاص عند تصحيح أوراق الإجابة للتأكد من حصول الطلاب على درجات النجاح.

خه

ورغم العقوبات الصارمة على الغش، والتي أقرها قانون عام 2020 الذي ينص على “الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على سبع سنوات وغرامة، لكل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج بأي وسيلة أسئلة أو إجابات الامتحانات، أو أي أدوات تقييم في المراحل التعليمية المختلفة، مصرية كانت أو أجنبية، بقصد الغش أو تعطيل النظام العام للامتحانات”، فإن مصر تحتل مرتبة منخفضة دوليًا من حيث جودة التعليم.

وفي عام 2022، احتلت مصر المرتبة 79 عالميًا وفقًا لمؤشر المعرفة العالمي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. كما احتلت المركز 104 عالميًا، وفقًا لتصنيف معهد ليجاتوم البريطاني لعام 2021، واحتلت المركز 93 من بين 141 دولة في أحدث تقييم لجودة التعليم ضمن مؤشر التنافسية العالمي عام 2019.

ويرى الخبير التربوي محمد سلامة أن السماح بتغيب الطلاب، واستمرار نقص نحو نصف مليون معلم، وانخفاض أجور أعضاء هيئة التدريس، وتدهور حالة المرافق التعليمية، وإقبال الناس على الدروس الخصوصية، وتوسع قطاع التعليم الخاص، كل ذلك تبناه النظام لتخفيف عبء موازنة ضخمة لم يعد قادرا على تحملها في بلد مثقل بديون خارجية تزيد على 160 مليار دولار.

وبحسب تقرير البنك الدولي لعام 2022، فإن خفض الإنفاق على التعليم ونقص المعلمين واكتظاظ الفصول الدراسية هي الأسباب وراء تراجع جودة التعليم في مصر.

وتخصص مصر 294 مليار جنيه مصري (حوالي 6 مليارات دولار) لقطاع التعليم، وهو ما يمثل 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا أقل من ثلث المتطلبات الدستورية التي تدعو إلى تخصيص 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق الحكومي على التعليم والتعليم الجامعي.

6