هل تنتصر البكتيريا في المعركة من أجل تعقيم المستشفيات

مشكلة الإصابة ببكتيريا لديها مناعة ضد المضادات الحيوية تتفاقم لدى الأطفال حديثي الولادة.
الأربعاء 2024/11/27
البكتيريا بصدد اكتساب مناعة ضد المضادات الحيوية

تعد مقاومة المضادات الحيوية من أكبر المخاطر التي تهدد الصحة العالمية. وتؤكد الدراسات أن مشكلة الإصابة ببكتيريا لديها مناعة ضد المضادات الحيوية تتفاقم بصفة خاصة لدى الأطفال حديثي الولادة، نظرا لأن النظام المناعي لديهم لا يكون مكتمل النضج. وتزيد المخاطر التي يتعرض لها الأطفال جراء هذه المشكلة الصحية بصفة خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط.

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - يتكون لدى بعض أنواع البكتيريا والميكروبات أحيانا شكل من أشكال المقاومة أو المناعة ضد المضادات الحيوية أو الأدوية التي تستخدم لعلاجها، وتعرف هذه المناعة باسم “مقاومة مضادات الميكروبات”. وعادة ما تستخدم المضادات الحيوية لعلاج أمراض مثل الالتهاب الرئوي وعدوى المسالك البولية والإنتان أي تعفن الدم، وغير ذلك من الأمراض التي تصيب مختلف أعضاء الجسم. وتتفاقم مشكلة الإصابة بميكروبات أو بكتيريا لديها مناعة ضد المضادات الحيوية بصفة خاصة لدى الأطفال حديثي الولادة، نظرا لأن النظام المناعي لديهم لا يكون مكتمل النضج ولا يعمل بنفس الكفاءة على غرار البالغين. وقد توصلت دراسات علمية إلى أن المخاطر التي يتعرض لها الأطفال جراء هذه المشكلة الصحية تزيد بصفة خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، حيث تتزايد احتمالات الإصابة بمعدلات تتراوح ما بين ثلاثة وعشرين ضعفا في هذه الدول مقارنة بدول العالم المتقدمة.

وبحسب دراسة أوردها الموقع الإلكتروني “كنفرسايشن” المتخصص في الأبحاث العلمية، وصل عدد المواليد الذين فارقوا الحياة خلال الشهر الأول من حياتهم في عام 2020 بسبب مشكلة تعفن الدم 2.4 مليون طفل، وحدثت معظم هذه الوفيات في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. وتعود هذه المشكلة إلى رد فعل مفرط من الجهاز المناعي حيال عدوى ما في مكان معين في الجسم.

المخاطر التي يتعرض لها الأطفال جراء هذه المشكلة الصحية تزيد بصفة خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط

وأجرى فريق علمي من معهد إينيوس أكسفورد المتخصص في أبحاث مضادات الميكروبات دراسة للتعرف على أنواع البكتيريا التي اكتسبت مناعة ضد المضادات الحيوية ومضادات الميكروبات في عشر مستشفيات في ست دول ذات معدلات دخل تتراوح ما بين منخفضة ومتوسطة، وهي بنغلاديش وإثيوبيا ونيجيريا وباكستان ورواندا وجنوب أفريقيا. وفي إطار الدراسة تم إجراء 6290 مسحة في وحدات الرعاية المركزة وعنابر الولادة في هذه المستشفيات. وقام أعضاء الفريق بسحب العينات من الأسطح بالقرب من الأحواض ومقابض الصنابير والأسطح القريبة من أماكن الصرف، ومن وحدات الرعاية الخاصة بحديثي الولادة وقطع الأثاث والأسطح في عنابر المرضى والأجهزة الطبية المتحركة والمعدات الطبية.

وتبين من الدراسة أن العديد من الأسطح التي تم سحب مسحات منها مستوطنة بأنواع من البكتيريا تحمل جينات مقاومة للمضادات الحيوية، وتم رصد أكبر كمية من هذه البكتيريا قرب بالوعات الصرف في أحواض المستشفيات. واتضح أن هذه الجينات يمكنها نقل المقاومة لنوع من المضادات الحيوية يعرف باسم “الكاربابينيمات” الذي يستخدمه الأطباء كملاذ أخير لعلاج العدوى التي لا تنجح الأدوية الأخرى في علاجها. وخلال الدراسة، تم اكتشاف 18 فصيلة مختلفة من البكتيريا تحمل جينات مقاومة للمضادات الحيوية المذكورة خلال المسحات التي تم سحبها من أسطح المستشفيات، ومن بينها بكتيريا يمكنها التسبب في أمراض الالتهاب الرئوي وعدوى المسالك البولية وأمراض الدم. وفي أحد المستشفيات، تم اكتشاف نوع من البكتيريا على أسطح المستشفى يمكنه إصابة الأطفال حديثي الولادة بتعفن الدم، وهو ما يعني أن البكتيريا على الأسطح يمكنها أن تنتقل إلى حديثي الولادة، غير أن الفريق البحثي أكد ضرورة إجراء المزيد من الدراسات للتيقن من هذه النتيجة.

العالم في أمس الحاجة إلى تغيير طريقة وصف المضادات الحيوية واستعمالها

وذكر الباحثون ماريا نيتو روسادو وكيثي تومسون وكيرستس ساندس وتيموثي والش المتخصصون في مجال أبحاث المضادات الحيوية والميكروبية بجامعة أوكسفورد في مقال أورده موقع “كنفرسايشن” أن الجينات المقاومة للمضادات الحيوية كثيرا ما توجد على الأجزاء المتحركة من الحمض النووي، والتي يمكن أن تنتقل من بكتيريا إلى أخرى، وتعرف هذه الظاهرة باسم الانتقال الأفقي للجينات. وتنتقل هذه العناصر المتحركة من بكتيريا إلى أخرى مجاورة لها، وهو ما يساعد في انتقال الجين المقاوم للمضادات الحيوية، بمعنى أن القدرة على مقاومة المضادات الحيوية يمكن أن تنتقل بسرعة عبر البكتيريا على نفس السطح داخل المستشفى أو عبر أسطح مختلفة، مما يزيد من صعوبة التحكم في التلوث ويشكل خطورة على المرضى. وتسلط هذه الدراسة الضوء على إمكانية انتقال القدرة على مقاومة المضادات الحيوية بين أنواع البكتيريا المختلفة في نفس المستشفى، مما يزيد من احتمالات إصابة المرضى بالعدوى ويقلل من خيارات العلاج أمامهم نظرا لقدرة هذه البكتيريا على مقاومة المضادات الحيوية.

وبحسب الفريق البحثي، تمثل البكتيريا القادرة على مقاومة المضادات الحيوية عبئا على العالم بأسره، حيث بلغت تكلفة الوفيات الناجمة عن الالتهاب الرئوي وتعفن الدم في الولايات المتحدة وحدها 8 مليارات دولار في عام 2006، مما يؤكد ضرورة إجراء مراجعة شاملة لضوابط الوقاية وإجراءات تعقيم المؤسسات الصحية لاسيما في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وحدد الفريق سلسلة من الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحد من احتمالات العدوى بمثل هذه الأنواع من البكتيريا. ويقول الباحثون إنه لا بد من توافر مياه الشرب النظيفة، واللقاحات للحد من العدوى والحاجة إلى استخدام المضادات الحيوية من الأساس، مع ضرورة توفير أنظمة لإدارة النفايات وإعادة تدويرها، ووضع برامج مخصصة لكل منشأة صحية على حدة تتضمن آليات التنظيف والتعقيم للأسطح في هذه المنشآت.

حتى في حال استحداث أدوية جديدة فإن مقاومة المضادات الحيوية ستظل تمثل تهديدا كبيرا ما لم تتغيّر سلوكيات استعمال تلك الأدوية

وأكد الباحثون أن نقص الاعتمادات المالية بالمستشفيات في الدول ذات الموارد المحدودة يمثل تحديا رئيسيا لهذه الخطط، مع ضرورة توجيه المؤسسات المالية والحكومات نحو الاستثمار من أجل تنفيذ مثل هذه النوعية من البرامج الوقائية.

وتعد مقاومة المضادات الحيوية من أكبر المخاطر التي تحيق اليوم بالصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية، وفق منظمة الصحة العالمية.

وقالت المنظمة إنه يمكن أن تُلحِق مقاومة المضادات الحيوية الضرر بأي شخص بصرف النظر عن السن وبلد الإقامة.

وتحدث مقاومة المضادات الحيوية بشكل طبيعي، ولكن وتيرة عمليتها تتسرع بفعل إساءة استعمالها عند إعطائها للإنسان والحيوان.

وبات علاج عدوى الالتهابات متزايدة العدد، من قبيل الالتهاب الرئوي والسل والسيلان، أصعب بعد أن أصبحت المضادات الحيوية التي درجت العادة على استعمالها لعلاجها أقل نجاعة.

وأضافت المنظمة أن مقاومة المضادات الحيوية تؤدي إلى تمديد فترة الرقود في المستشفى وارتفاع التكاليف الطبية وزيادة معدل الوفيات.

والمضادات الحيوية هي أدوية تستعمل للوقاية من عدوى الالتهابات البكتيرية وعلاجها، وتحدث مقاومة المضادات الحيوية عندما تغير البكتيريا نفسها استجابة لاستعمال تلك الأدوية.

وتبدي البكتيريا وليس الإنسان أو الحيوان، مقاومة للمضادات الحيوية وقد تسبّب للإنسان والحيوان عدوى التهابات يكون علاجها أصعب من تلك التي تسببها نظيرتها غير المقاومة للمضادات.

والعالم في أمس الحاجة إلى تغيير طريقة وصف المضادات الحيوية واستعمالها، وحتى في حال استحداث أدوية جديدة فإن مقاومة المضادات الحيوية ستظل تمثل تهديدا كبيرا ما لم تتغيّر سلوكيات استعمال تلك الأدوية، وهو تغيير يجب أن ينطوي أيضا على اتخاذ إجراءات تحدّ من انتشار عدوى الالتهابات بفضل التطعيم وغسل اليدين وممارسة الجنس على نحو آمن والاعتناء جيدا بنظافة الأغذية.

16