السودان على مشارف مرحلة كارثية من العنف العرقي

العنف العرقي ينذر بأن يسير السودان على درب الإبادة الجماعية على غرار الإبادة التي حدثت في رواندا.
الاثنين 2024/11/25
سيناريو رواندا يخيم على السودان

الخرطوم - تذكي الحرب الدائرة في السودان جذوة التوترات العرقية في البلاد، ويمكن أن تتحول المعركة المستعرة بين فصيلين عسكريين إلى حرب بين القبائل. وترى مجموعة من دعاة السلام السودانيين أن حرب السودان المستعرة منذ 18 شهرا وأكثر ربما تنزلق إلى صراع عرقي يجتاح الدولة بأكملها.

وقالت مجموعة المناصرة من أجل السلام في السودان في بيان عام “صعَّد الجانبان حديثهما عن الحرب تصعيدا خطيرا، فاشتدت حدة الخطاب المشحون بلهجة عرقية الذي يحشد المجتمعات بدواع عرقية وإقليمية." وحذرت من تزايد الولاء القبلي والاستياء في مناطق رئيسية من البلاد، ولاسيما في سهل البطانة وشرق السودان وفي إقليمي دارفور وكردفان وولاية نهر النيل والولاية الشمالية.

وهاجم كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية المجتمعات في المناطق التي يسيطر عليها الآخر: دارفور وكردفان والجزيرة في حالة الجيش، وشرق الجزيرة في حالة الدعم السريع. وأسفرت الهجمات عن مقتل مدنيين وزيادة التهجير وتدمير البنية التحتية. وجاء في تقرير نشره منبر الدفاع الأفريقي أن الهجمات المستمرة تدفع القادة المحليين إلى أن ينادوا باستهداف المجتمعات الموالية للجيش السوداني والدعم السريع بدافع الانتقام.

وقالت المجموعة “ينذر هذا التصعيد المثير للقلق بتحويل الصراع إلى مرحلة كارثية من الانحياز القبلي والإقليمي، وهذا يهدد بارتكاب مجازر واسعة النطاق ومأساة إنسانية هائلة.” وفي أبريل 2023، حوّل الجيش والدعم السريع السودان إلى منطقة حرب حين خاض قائداهما، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الزعيم الفعلي للبلاد، ومحمد حمدان دقلو، الشهير بحميدتي، قائد الدعم السريع، معركة للسيطرة على البلاد.

وما لبثت قوات الدعم السريع أن اجتاحت جنوب السودان من دارفور غربا إلى سنار شرقا، وأحكم الجيش قبضته على المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، فانقسم السودان شطرين. واستعاد الدعم السريع مناطق رئيسية في الأشهر الأخيرة، منها أجزاء من أم درمان في منطقة العاصمة، وسيطر على ولاية شمال دارفور، وذلك بفضل تحالفه مع اثنين من الفصائل المتمركزة في دارفور (حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان).

◙ الحرب أدت إلى تفاقم التشرذم العرقي الذي ابتُلي به السودان وتحولت إلى حروب صغيرة متعددة تحالفت فيها الميليشيات المسلحة

وصعود القوات المشتركة السودانية من غير العرب لتكون قوة مضادة لقوات الدعم السريع من العرب إنما يدل على الانقسامات العرقية في إقليم دارفور، وفي السودان بأسره. فالسودان عبارة عن مزيج من 500 طائفة عرقية، كالعرب وهم أغلب سكانه، وطوائف غير عربية مثل النوبة في الجنوب، والفور والمساليت والزغاوة المتجذرة في دارفور.

وأدت الحرب إلى تفاقم التشرذم العرقي الذي ابتُلي به السودان أكثر من 50 سنة، وتحولت إلى حروب صغيرة متعددة تحالفت فيها الميليشيات المسلحة إما مع الجيش أو مع الدعم السريع. وقال مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها في تقرير صادر عن السودان مؤخرا “حملت المجتمعات التي كانت تعيش في سلام السلاح للدفاع عن نفسها من الدعم السريع، فانقلبت أحوالها عن الماضي.”

وحذرت المجموعة من أن العنف العرقي ينذر بأن يسير السودان على درب الإبادة الجماعية على غرار الإبادة التي حدثت في رواندا منذ 30 سنة. وقالت في بيان “لا بد من محاسبة الفصائل المتحاربة والمحرضين على جرائم الإبادة الجماعية الواضحة كالشمس في كبد السماء، فالسودان على شفير الهاوية.”

يعيش في السودان 49 مليون مواطن، ينتمون إلى 19 قبيلة ونحو 600 عشيرة، ويرى المراقبون أن البلاد باتت على شفا صراع بين القبائل في ظل استمرار الحرب بين الجيش والدعم السريع. وإذا وقع ذلك، فليس بعيدا أن يلتهم صراع السودان جارته تشاد، فلديها روابط قبلية مشتركة على طول حدودها مع دارفور.

ومثال ذلك أن قبيلة الزغاوة تعيش على طول الحدود بين تشاد والسودان، وكذلك قبيلة الرزيقات التي ينتمي الكثير من مقاتلي الدعم السريع إليها. ويرى الدكتور ريمادجي هويناثي، الخبير في معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا، أنه إذا نشب صراع قبلي في شمال دارفور، فمن الممكن أن يفزع إليه مقاتلون من تشاد.

وقال هويناثي “لا ريب أن الزغاوة من القرى النائية في تشاد، وهم يعيشون على طول الحدود ومدججون بالسلاح، يمكن أن يتورطوا في الصراع (في شمال دارفور).” ويرى الدكتور حمدي حسن أنه يتعين على قيادة السودان أن تعالج الفوارق العرقية والثروات التاريخية في السودان لبناء رؤية مشتركة للمستقبل، وذلك لتقليص خطر الصراع القبلي المستفحل.

ويقول حسن، وهو أستاذ في جامعة زايد في الإمارات، في مقاله على موقع “كونفرسيشن”، “يتطلب إحلال السلام في السودان التركيز على مخاوف الفئات السكانية المهمشة في مناطق الصراع والمناطق المحرومة، ويتطلب معالجة الأسباب الجذرية للعنف المسلح.” ويحذر دعاة السلام في السودان من أنه إذا تركت دون رادع، فإن دورة العنف الحالية يمكن أن تصبح أسوأ من انتفاضة دارفور التي بدأت قبل 20 عاما وخلفت 300 ألف قتيل وشردت 2.5 مليون.

7