العراق يخاطب منظمات دولية وسط مخاوف من ضربة إسرائيلية مرتقبة

بغداد - يجد العراق نفسه في خضم تصعيد، قد يؤدي إلى فتح جبهة جديدة للحرب في المنطقة، وذلك بعد رسالة وجهتها إسرائيل إلى مجلس الأمن والتي اتهمت فيها لأول مرة وبشكل مباشر 6 فصائل عراقية مسلحة بشن هجمات على الدولة العبرية.
وفي هذا الإطار، أعلنت وزارة الخارجية العراقية السبت، أنها وجّهت رسائل رسمية إلى كل من مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ردا على تهديدات إسرائيل بالاعتداء على العراق.
ويرى الخبير في الشأن السياسي محمد علي الحكيم أن "العراق يتحرك سريعا نحو المجتمع الدولي من خلال ارسال رسائل عديدة خشية من وجود ضربة إسرائيلية حتمية ومرتقبة على العراق خلال المرحلة المقبلة، وهذا الأمر وصل بشكل رسمي للجهات الحكومية العراقية عبر أطراف دولية مؤثرة في المنطقة والعالم".
وأضاف في تصريح لموقع "بغداد اليوم" أن "العراق لا يملك خيارات ردع عسكرية لمنع أي عدوان إسرائيلي عليه خلال المرحلة المقبلة، ولهذا هو تحرك سياسيا ودبلوماسيا نحو المجتمع الدولي، للحصول على دعم دولي وتحشيد دولي يمكن أن يمنع إسرائيل من شن أي ضربات عدوانية على العراق، خاصة وأن هناك خشية من تكون ضربات الكيان الصهيوني ضد منشآت حيوية واقتصادية مهمة داخل العراق"
وبحسب بيان للخارجية، فقد أكدت في رسائلها أن "العراق يُعدّ ركيزة للاستقرار في محيطه الإقليمي والدولي، ومن بين الدول الأكثر التزاماً بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
وأشارت الرسائل العراقية إلى أن "رسالة إسرائيل إلى مجلس الأمن تمثل جزءاً من سياسة ممنهجة لخلق مزاعم وذرائع بهدف توسيع رقعة الصراع في المنطقة".
وشددت الوزارة على أن "لجوء العراق إلى مجلس الأمن يأتي انطلاقاً من حرصه على أداء المجلس لدوره في حفظ السلم والامن الدوليين، وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لوقف العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان، وإلزام الكيان الإسرائيلي بوقف العنف المستمر في المنطقة والكف عن إطلاق التهديدات".
وأوضحت الوزارة أن "العراق كان حريصا على ضبط النفس فيما يتعلق باستخدام أجوائه لاستهداف إحدى دول الجوار"، مؤكدةً أهمية تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية، التي تشكل انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي".
وأكدت الرسائل أيضا أن "العراق يدعو إلى تضافر الجهود الدولية لإيقاف التصعيد الإسرائيلي في المنطقة وضمان احترام القوانين والمواثيق الدولية، بما يسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".
وقد طلب العراق تعميم الرسالة على الدول الأعضاء وإيداعها كوثيقة رسمية لدى المنظمات المعنية.
وتثير تحركات الفصائل المسلحة قلق المسؤولين العراقيين، الذين يعجزون عن إيقاف أنشطتها، إذ تعلن بشكل شبه يومي عن مهاجمة أهداف في تل أبيب بالطائرات المسيرة.
ووسط هذه المخاوف العراقية تقدمت بغداد بطلب لعقد جلسة طارئة لمجلس الجامعة العربية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية.
وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، رفع في 18 نوفمبر الجاري، رسالة إلى مجلس الأمن الدولي طالب فيها باتخاذ إجراءات فورية بشأن نشاط الفصائل العراقية، التي تستخدم أراضيها لمهاجمة إسرائيل، وحمل فيها الحكومة العراقية مسؤولة كل ما يحدث على أراضيها وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها كما هو منصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، لحماية نفسها ومواطنيها.
وخلال الفترة الماضية، استهدفت فصائل ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" أهدافا إسرائيلية أبرزها ميناء إيلات والجولان، بالعديد من الصواريخ والطائرات المسيرة، وتبنت هذه العمليات بشكل علني، مهددة برفع مستوى عملياتها في حال استهدفتها إسرائيل، وشمول المصالح الأمريكية أيضا بالرد.
وقالت صحيفة معاريف الإسرائيلية، الإثنين الماضي، إن إسرائيل رصدت 65 هجوما عليها بمسيرات قادمة من العراق منذ بداية تشرين الثاني نوفمبر الحالي، وأنها تستعد للتعامل مع التهديد الناشئ بعد الارتفاع الحاد في عدد الهجمات من ست هجمات بطائرات مسيرة في أغسطس الماضي، إلى 31 هجوما في سبتمبر الماضي، ثم 90 هجوما في أكتوبر الماضي.
ولوّح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنامين نتنياهو، بخارطة العراق في كلمته الأخيرة بمجلس الأمن الدولي، واضعا إياها ضمن الدول التي يجب استهدافها إلى جانب إيران ولبنان.
في الأثناء، كشفت وسائل إعلام عراقية عن مصدر حكومي مطلع على الأمر عن مطالب أميركية للحكومة العراقية بضرورة منع الفصائل المسلحة من استخدام أراضيها لضرب أهداف إسرائيلية، تجنبا لأي فعل عسكري إسرائيلي.
وأشار المصدر، إلى أن واشنطن أبلغت بغداد، بجدية التهديد الإسرائيلي، بسبب استخدام الأراضي العراقية من قبل الفصائل، وأنها استنفدت كل وسائل الضغط على إسرائيل لمنع ضرب العراق.
وكانت صحيفة معاريف الإسرائيلية، قد كشفت عن تصعيد قادم نحو العراق، قد يبدأ بضرب البنية التحتية والمنشآت، ثم الانتقال إلى عمليات اغتيال مركزة تطال شخصيات في الفصائل المسلحة، مشيرة إلى أن إيران قد تزيد من استخدام وكلائها في العراق ردا على عمليات الجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة.
وأشارت معاريف إلى مخاوف من أن إيران قد قامت بالفعل بتهريب صواريخ بالستية قصيرة المدى إلى العراق كرد على الضربات الإسرائيلية في إيران، وذلك بعد أنباء مسربة في وسائل إعلام عالمية حول قيام إيران بالرد من الأراضي العراقية.
وكان وزير الخارجية، فؤاد حسين، قد أكد بأن العراق يواصل تحركاته السياسية والدبلوماسية لمنع استغلال أرضه وأجوائه في التصعيد بين إسرائيل وإيران.
وأوضح في لقاء متلفز أن المصلحة العليا للعراق تستوجب من جميع الأطراف في الداخل إبعاده عن أجواء التصعيد، وهناك وعود تلقاها السوداني من قادة الفصائل العراقية بعدم التصعيد، نافيا "وجود أي تحركات بخصوص ضربة إيرانية لإسرائيل من داخل العراق"، كما تحدث حسين، عن ضغط كبير تمارسه واشنطن لمنع إسرائيل من ضرب العراق، لكن هذا الدعم الأميركي لن يستمر اذا لم تكن هناك حالة هدوء في الداخل العراقي.
وتقدم العراق في أكتوبر الماضي، بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل بسبب انتهاكها المجال الجوي العراقي لضرب مواقع داخل إيران، بعد أن اتهمت الأخيرة تل أبيب باستهدافها من الأجواء العراقية.
وتسود حالة من الشد والجذب بين الأوساط الرسمية العراقية والفصائل المسلحة العراقية حول صراعات الشرق الأوسط، إذ تدفع الحكومة إلى إبعاد أراضي العراق عن الحرب المتصاعدة في المنطقة، فيما تصعّد الفصائل من هجماتها المباشرة على إسرائيل.
وسبق أن أكد رئيس الوراء محمد شياع السوداني، في 24 أكتوبر الماضي، على أن قرار الحرب والسلم بيد السلطات الرسمية في البلاد، وحذر جهات وأطرافا من الخروج عن السياقات الدستورية، وأكد أن هذا القرار "تقرره الدولة بمؤسساتها الدستورية، وكل من يخرج عن ذلك سيكون بمواجهة الدولة التي تستند إلى قوة الدستور والقانون في تنفيذ واجباتها ومهامّها".
ومع تصاعد الأزمات في لبنان وغزة، تحذر أصوات داخل العراق من أن هجوم إسرائيل على الفصائل قد يشعل مواجهة واسعة تشمل استهداف المصالح الأميركية في العراق والمنطقة.
وبينما تسعى الحكومة العراقية لتجنب الانجرار إلى مواجهة مباشرة، فإن بغداد تعي تماما أن أي تصعيد سيجعل من العراق ساحة جديدة لصراعات القوى الإقليمية والدولية.