التحول في العلاقات المتوترة بين إسرائيل والأردن ممكن

العلاقات بين تل أبيب وعمان أظهرت قدرة على الصمود يمكن البناء عليها.
الاثنين 2024/11/18
طريق السلام وتعزيز العلاقات واضح

العلاقات بين إسرائيل والأردن عرفت عبر 3 عقود أعقبت توقيع اتفاقية السلام بينهما مدا وجزرا توج في نهاية المطاف بتحقيق اختراقات ثنائية وتقارب. ورغم توتر العلاقات بسبب الحرب على غزة لا يزال إمكان التحول إلى علاقة مستقرة قائما.

عمان - مرت ثلاثون سنة على توقيع إسرائيل والأردن معاهدة السلام في السادس والعشرين من أكتوبر 1994. لكن بدلاً من الاحتفالات -وبصرف النظر عن بعض المؤتمرات التي عقدتها مراكز الأبحاث الإسرائيلية- اتسمت هذه الذكرى إلى حد كبير بخيبة الأمل وحتى اليأس.

ويزعم البعض أن العلاقات بين البلدين في أدنى مستوياتها، رغم أن هذا قيل من قبل، وتبدو آفاق المستقبل قاتمة، مع استمرار الحرب في غزة وظهور السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر بعدا من أي وقت مضى.

ويرى الزميل البارز للشؤون الإسرائيلية في معهد الشرق الأوسط نمرود جورين في تقرير نشره المعهد أنه مع ذلك أثبتت العلاقات بين إسرائيل والأردن قدرتها على الصمود، حتى في مواجهة الأزمة الحالية، وتستمر الدولتان في تعزيز المصالح المشتركة الحيوية، وإن كان ذلك بشكل متواضع ومحدود.

والأهمية الإستراتيجية للعلاقات بين إسرائيل والأردن تمنح كلا البلدين والمنطقة ككل، إلى جانب النجاحات السابقة في التوصل إلى اختراقات ثنائية والتقارب، أمل أن تتحسن العلاقات مرة أخرى. ويشير جورين إلى أنه ينبغي للولايات المتحدة، التي لعبت دوراً رئيسياً في تطوير العلاقات بين إسرائيل والأردن، أن تعيد إعطاء الأولوية لهذه العلاقات مرة أخرى وأن تبذل كل ما في وسعها للمساعدة في إصلاح العلاقات.

أيام مفعمة بالأمل

قبل ثلاثة عقود من الزمن اجتمع زعماء إسرائيليون وأردنيون وأميركيون -وهم مفعمون بالتفاؤل والأمل- في صحراء العربة، وطرحوا رؤية مقنعة لإسرائيل والأردن والمنطقة الأوسع نطاقاً. وكانت هذه الرؤية تتلخص في السلام والتعاون والأمن والازدهار.

وقد أبرز العاهل الأردني آنذاك الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والرئيس الأميركي بيل كلينتون في خطاباتهم الاحتفالية كيف أن السلام بين إسرائيل والأردن لن يخدم مصالحهم الوطنية فحسب، بل إنه سيؤثر أيضاً بشكل إيجابي على الحياة اليومية للمواطنين العاديين.

وقد عزز الدفء والصداقة التي أظهرها هؤلاء القادة تجاه بعضهم البعض الروح المعنوية، وزاد التوقعات، وخلق شعوراً بأن اللحظة كانت لحظة تحول تاريخي حقيقي. وأكد الملك حسين ذلك قائلاً “هذه هي هديتنا لشعوبنا والأجيال القادمة، والتي ستبشر بالتغيير في نوعية حياة الناس. (…) وسوف تكون حقيقية، عندما نفتح قلوبنا وعقولنا لبعضنا البعض".

وقال رابين "يا صاحب الجلالة، السلام بين الدول هو السلام بين الشعوب. إنه تعبير عن الثقة والتقدير.. لقد تعلمت أن أعرف وأعجب بالهدوء والقوة المبتسمة التي تحمي بها أمتك والشجاعة التي تقود بها شعبك". وبدوره أكد كلينتون أن "السلام لا يأتي كاملاً. إنه يتطلب الزراعة والصبر والرعاية. (…) أقول لأفراد شعبيْ إسرائيل والأردن، الآن يجب أن تجعلوا هذا السلام حقيقيًا. (…) افتحوا حدودكم، افتحوا قلوبكم. السلام أكثر من مجرد حجة على الورق، إنه شعور، إنه نشاط، إنه تفانٍ.”

ولم يأت الاختراق في العلاقات الإسرائيلية – الأردنية من فراغ. لقد كان نتيجة لعقود من العلاقات الثنائية المنفصلة التي أثبتت فاعليتها وتطورت تدريجيًا، وبناء الثقة، وإقامة علاقات شخصية بين الزعماء، وتمكين البلدين من متابعة المصالح المشتركة. لكن جعل هذه العلاقات علنية ورسمية يتطلب تغييرًا أوسع نطاقًا يتجاوز العلاقات الثنائية.

◙ الاختراق في العلاقات الإسرائيلية – الأردنية لم يأت من فراغ
◙ الاختراق في العلاقات الإسرائيلية – الأردنية لم يأت من فراغ

ولم يكن الأمر إلا بعد أن اعترفت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببعضهما البعض وأطلقتا عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية. وبتوقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، شعر الأردن بالراحة لاتخاذ هذه الخطوة. وكانت تلك فترة شهدت انفتاح دول عربية وإسلامية أخرى على إسرائيل، ما خلق سياقا إقليميا إيجابيا وداعما للخطوة الأردنية.

وقد اكتسبت العلاقات بين البلدين زخماً إيجابياً سريعاً في أعقاب توقيع معاهدة السلام في عام 1994. فقد تم تصور أفكار لمشاريع ضخمة، مثل مشروع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، ووضعها على الورق (رغم أن جميعها تقريباً باءت بالفشل في نهاية المطاف). كما أظهر فتح خيارات سياحية جديدة للإسرائيليين (وخاصة البتراء) وأماكن عمل جديدة للأردنيين (في أعقاب افتتاح شركة دلتا الإسرائيلية للنسيج) الفوائد الملموسة للعلاقات.

وعندما قام الملك حسين بزيارته التاريخية إلى تل أبيب في يناير 1996، كانت المدينة في مزاج احتفالي غير مسبوق، ممزوج بالحزن المبكر على رابين -شريك الملك حسين وصديقه- الذي اغتيل قبل شهرين فقط.

وعندما ظهرت المصاعب، مثل مقتل فتيات المدارس الإسرائيليات على يد جندي أردني أثناء زيارة قام بها الملك حسين إلى “جزيرة السلام” في نهرايم (التي نُقلت من إسرائيل إلى الأردن في عام 1994)، أعرب الملك حسين عن أقصى درجات الإنسانية والتواضع عندما زار الأسر الإسرائيلية المفجوعة واعتذر.

وفي نظر الإسرائيليين، كانت للأردن وملكه صورة إيجابية للغاية، على عكس المواقف السائدة تجاه زعماء عرب آخرين. وقد تعزز هذا في أكتوبر 1998، عندما سافر الملك حسين المريض من المستشفى لحضور قمة واي ريفر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، من أجل مساعدة جهود الرئيس كلينتون للتوصل إلى اتفاق مؤقت بين الزعيمين.

تدهور العلاقات

لم تكن الأمور في تلك المرحلة وردية على الجبهة الثنائية؛ حيث أدى اغتيال رابين في نوفمبر 1995 وفوز نتنياهو في الانتخابات في مايو 1996 إلى تحول كبير في الديناميكيات وأسهم في تدهور العلاقات. فقد شن نتنياهو حملة ضد اتفاقيات أوسلو، وكان يُنظَر إليه في الأردن على أنه يتخلى عن مسار السلام الإسرائيلي – الفلسطيني، الذي كان حيوياً لازدهار العلاقات الإسرائيلية – الأردنية. كما أشارت تصرفات نتنياهو الأولية إلى تجاهل لمصالح الأردن وحساسياته.

وكان أبرزها افتتاح نفق مثير للجدل بالقرب من الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس في أكتوبر 1996، ما أثار اشتباكات إسرائيلية – فلسطينية وإدانات أردنية، ومحاولة الاغتيال الإسرائيلية الفاشلة ضد زعيم حماس خالد مشعل على الأراضي الأردنية في عام 1997، والتي أثارت غضباً أردنيا عارما.

و ازداد عدم ثقة الأردن في نتنياهو بشكل مطرد منذ ظهوره لأول مرة في التسعينات. ففي عام 2015 ورد أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني رفض التحدث مع نتنياهو، بعد أن وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي اتهامات للأردن. وبلغت التوترات ذروتها في عام 2017، عندما رحب نتنياهو بحرارة علنًا بحارس أمن إسرائيلي أطلق النار على أردنيين وقتلهما أثناء إحباط حادث طعن في السفارة الإسرائيلية في عمان.

واستمر الافتقار إلى التواصل بين القادة الإسرائيليين والأردنيين لسنوات، مع تزايد التوترات بسبب جهود نتنياهو اللاحقة -وغير الناجحة- في عامي 2019 و2020 لضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وكان الأردن هو الذي قاد الجهود الدبلوماسية الدولية ضد نتنياهو وأجندته في ذلك الوقت.

وبالنسبة إلى نتنياهو وحلفائه على اليمين الإسرائيلي، كلما طورت إسرائيل علاقاتها مع دول الخليج -قبل اتفاقيات أبراهام وحتى بعد ذلك- بدا الأردن أقل أهمية. ويمكن لإسرائيل الآن  أن تتاجر وتتعامل مباشرة مع الخليج، متجاوزة الأردن تمامًا.

وبدأ أعضاء اليمين الإسرائيلي يزعمون أن إسرائيل كانت تعطي الأردن أكثر مما كانت تحصل عليه في المقابل. وقد اقترنت هذه الادعاءات بحجة اليمين المتطرف القائلة بأن “الأردن هو فلسطين”، والتي كانت دائمًا مصدر قلق عميق في الأردن. وكانت الرسالة التي سمعت في عمان هي أن إسرائيل فقدت الاهتمام بالعلاقات السلمية. وجاء هذا حتى في الوقت الذي كانت فيه المؤسسات الدبلوماسية والأمنية الإسرائيلية، فضلاً عن السياسيين المعتدلين، تقدم قضية معاكسة، وتسلط الضوء على الأهمية الإستراتيجية للأردن بالنسبة إلى إسرائيل.

وأدى صعود اليمين المتطرف في السياسة الإسرائيلية إلى تزايد المخاوف الوجودية لدى الأردن من أن تسعى إسرائيل إلى تغيير الوضع الراهن في القدس، وضم الضفة الغربية، ونقل الفلسطينيين إلى الأردن.

وعندما شكل نتنياهو الحكومة الأكثر يمينية على الإطلاق في إسرائيل في ديسمبر 2022، والتي منحت سلطة غير مسبوقة للوزيرين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، انتقد الأردن الإجراءات الإسرائيلية. وأدان المسؤولون الأردنيون الاستفزازات الإسرائيلية حول المسجد الأقصى، وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، والضم بحكم الأمر الواقع، والأعمال العسكرية ضد الفلسطينيين، وأكثر من ذلك.

وقد اشتدت انتقادات عمان بشكل كبير في أعقاب الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر 2023 -الذي لم يدنه الأردن علناً وبوضوح- وخلال الحرب في غزة التي أعقبت ذلك.

واستمرت العلاقات في التدهور، حيث ألقت إسرائيل قدراً كبيراً من اللوم على الخطاب القاسي الذي استخدمه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي. وفي الماضي كانت الرسائل العامة التي يوجهها المسؤولون الأردنيون تؤكد على أهمية الحفاظ على علاقات إيجابية بين إسرائيل والأردن -بالنسبة إلى الأردنيين والفلسطينيين على حد السواء. أما اليوم فقد أصبحت الرسائل الرسمية أكثر توافقاً مع الموقف السلبي الذي يتبناه الرأي العام الأردني تجاه إسرائيل، ما يثير المخاوف من أن هذا قد يتفاقم ويؤدي إلى عدم الاستقرار، بل وحتى إلى وقوع هجمات.

عناصر التحسين

تتطلب استعادة العلاقات بين إسرائيل والأردن وتحقيق إمكاناتها اتخاذ خطوات لإحراز تقدم نحو السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. والواقع أن الارتباط بين القضيتين، والذي كان واضحاً في الفترة التي سبقت توقيع معاهدة السلام قبل ثلاثين عاماً، لا يزال قائماً حتى اليوم. وهذا ما يعترف به أيضاً الدبلوماسيون الإسرائيليون، الذين تختلف وجهات نظرهم عن سرد نتنياهو الذي يفصل بين تحسين العلاقات الإسرائيلية – العربية والقضية الفلسطينية.

ويشكل الافتقار إلى التعاون والتفاعل المدني بين الإسرائيليين العاديين والأردنيين فشلاً ذريعا، ومن الممكن أن تعمل مثل هذه التفاعلات كحاجز غير رسمي لمنع تدهور العلاقات الرسمية. ومن الممكن أيضا تغيير هذه الديناميكية، ولكن القيام بذلك يتطلب تطورات إيجابية ومهمة في عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية.

وفي الوقت الحاضر يشكل الحفاظ على المستوى الحالي للعلاقات تحدياً كبيراً. وكان قرار الأردن بوقف مبادرة ثلاثية للمياه مقابل الكهرباء مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة بسبب الحرب في غزة مثالاً واضحا على ذلك. وأصبح التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة ضرورة لمنع المزيد من التدهور في العلاقات الإسرائيلية – الأردنية وتمكين التحول إلى الإيجابية. وحتى أثناء الحرب في غزة، وعلى الرغم من التوترات العامة، استمر التعاون الثنائي.

ولم ينقطع تصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى الأردن، وتم تجديد اتفاقية المياه بين البلدين، واستمر التنسيق الأمني، وسمحت إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية الأردنية إلى غزة، بل وشارك الأردن في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمنع الهجمات الإيرانية على إسرائيل.

◙ الأهمية الإستراتيجية والنجاحات السابقة في التوصل إلى اختراقات ثنائية، تبثان أمل أن تتحسن العلاقات مرة أخرى

وعند السعي إلى تحسين العلاقات، يجب أن نضع في الاعتبار التقارب الإسرائيلي – الأردني الذي حدث بين عامي 2020 و2022. وبدأ ذلك في مايو 2020، عندما كان نتنياهو لا يزال رئيسًا للوزراء، بعد تعيين رئيس أركان قوات الدفاع الإسرائيلية السابق غابي أشكنازي وزيرا للخارجية.

ومنذ اليوم الأول في منصبه أبرز أشكنازي -وهو معتدل سياسياً وشخصية موثوقة في الأردن- أهمية تحسين العلاقات مع الأردن. وخلال فترة ولايته، حتى منتصف عام 2021، عقد سلسلة من ثلاثة اجتماعات مع نظيره الصفدي، ما أدى إلى تحسين الأجواء واستئناف الحوار ومهّد الطريق لمسؤولين حكوميين آخرين لتعزيز العلاقات.

وعندما أطيح بنتنياهو في منتصف عام 2021، اكتسب التقارب زخما. فقد زار رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وخليفته يائير لابيد والرئيس الإسرائيلي المنتخب حديثا إسحاق هرتسوغ عمان واجتمعوا بالملك عبدالله. وتم التوصل إلى اتفاقيات بشأن المياه والتجارة في الضفة الغربية، وتحسن التنسيق، وتم الإعلان عن التقدم في العلاقات عمداً للمساعدة على تحسين المواقف.

وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت لم تكن تحرز تقدما نحو حل الدولتين، إلا أن القيادة الإسرائيلية الموثوقة والبراغماتية وحسنة النية كانت كافية لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح. وهذا درس مهم يجب وضعه في الاعتبار مع مراعاة أي تغيير قيادي مستقبلي في إسرائيل. فالعلاقات غير محكوم عليها بالفشل، حتى لو لم يتحقق السلام الإسرائيلي – الفلسطيني بعد، ومن المهم أن يسمع الجمهور الرسائل الموجهة نحو المستقبل والتي تؤكد على كيفية تحسن العلاقات بمجرد أن تتخذ إسرائيل خطوات نحو حل الدولتين.

وحتى يحدث التغيير السياسي أو تستأنف محادثات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، ينبغي تعزيز قنوات الحوار بين الإسرائيليين والأردنيين، بما في ذلك مبادرات المسار الثاني التي تقودها منظمات المجتمع المدني.

وغالباً ما تتألف مثل هذه الحوارات من قدامى المحاربين في مفاوضات السلام السابقة، وينبغي أن تكون أكثر تنوعاً وشمولاً. ويمكن استخدام المنظمات الإقليمية التي تكون إسرائيل والأردن عضوين فيها، مثل الاتحاد من أجل المتوسط ومنتدى غاز شرق المتوسط، كمنصات للمشاركة البناءة بين المسؤولين، ويمكن تعلم الدروس من عمليات التقارب الثنائي التدريجي التي حدثت في المنطقة على مدى السنوات القليلة الماضية.

6