كيف يحمي المرء صحته النفسية من الأخبار السيئة

تُسبب مشاهدة الأحداث المؤلمة في الأخبار حالة دائمة من التأهب لدى بعض الأشخاص، وتعزز من دوافعهم للمراقبة إلى أقصى حد، كما تجعل العالم يبدو كمكان مظلم وخطير بالنسبة إليهم، لذلك يوصي خبراء علم النفس بالابتعاد عن هذه الأمور لفترة، خاصة الصور. كما ينصحون بالتواصل مع المقربين ومشاركة المشاعر مع الآخرين مما يتيح لهم التخلص من العبء الذي يشعرون به.
برلين - لا شك أن المواقع الإلكترونية الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي تجعل من المستحيل تقريبا تجنب التدفق المستمر للأحداث السياسية الكبيرة والصور المروعة للحروب.
وفي الحقيقة، تترك كل التوقعات الجيوسياسية المروعة وصور الأشخاص الذين يبكون أمام الجثث في مناطق الحروب آثارا على صحة المرء النفسية.
وخلصت دراسة في عام 2021 إلى أن الاطلاع على أخبار جائحة كورونا لمدة دقيقتين فقط كان كافيا لقتل الشعور بالتفاؤل لدى المرء و”الانخفاض الفوري والكبير في التأثير الإيجابي.”
وتوصي ناثالي كراه، العضو بالرابطة المهنية لعلماء النفس الألمان قائلة “من وجهة نظر الصحة النفسية، يجب أن يبتعد المرء عن هذه الأمور لفترة، خاصة الصور.”
وتقول نورا فالتر الأستاذ في علم النفس بجامعة أف. أو. آم للعلوم التطبيقية للاقتصاد والإدارة إن حقيقة أنه من المرجح أن يتجنب الأشخاص بصورة أكبر الاطلاع على الأنباء السيئة، تعد أمرا تطوريا.
وأضافت “نحن نقوم بالنقر على عناوين أخبار الكوارث للبحث عن معلومات تحمينا من تهديد محتمل.” وذكّرت “ولكن إذا قام المرء بإحاطة نفسه بصورة دائمة بالأنباء السيئة فقط، فسيظهر خطر أنه لن يتمكن بعد الآن من التفكير بصورة إيجابية.”
كما خلصت دراسة في عام 2022 إلى أنه يمكن أن تكون هناك صلة بين الرغبة القهرية للاطلاع على الأخبار والمشاكل الصحية.
وعلى سبيل المثال، فإن الذين يتأثرون بـ”استهلاك الأخبار المثيرة للمشاكل” أي يقومون بتفقد الأخبار بصورة خارجة عن السيطرة، يجدون صعوبة في الانفصال عنها، ويستمرون في التفكير في الأحداث التي قرأوا بشأنها بعد مرور فترة طويلة على وقوعها.
الاطلاع على أخبار جائحة كورونا لمدة دقيقتين فقط كان كافيا لقتل الشعور بالتفاؤل لدى المرء والانخفاض في التأثير الإيجابي
ويقول براين ماكلفلين من جامعة تكساس تيك، وأحد المشاركين في وضع الدراسة التي أعقبت جائحة كورونا” مشاهدة وقوع هذه الأحداث في الأخبار يمكن أن تسبب حالة دائمة من التأهب لدى بعض الأشخاص، وتعزز من دوافعهم للمراقبة إلى أقصى حد، كما تجعل العالم يبدو كمكان مظلم وخطير.”
ولكن كيف يمكن أن يتعامل المرء مع ما يقرأه أو يسمعه أو يشاهده على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل حماية صحته العقلية؟
إن المرء عندما يرى منشورا به صور مروعة، من الشائع أن يقوم بالبحث عن المزيد من المعلومات والمقالات أو المنشورات. وبما أنه يبدو أنه يسعى للتأكد مما رآه، فهو يبحث عمّا يدعم صحة ما رآه من خلال المزيد من الصور والمعلومات. وهذه القراءة اللانهائية للأخبار السلبية على شبكة الإنترنت تعرف بـ”التصفح المهلك”. وتقترح ناتالي كراه ثلاثة حلول؛ الأول هو الابتعاد عن مشاهدة الصور ومقاطع الفيديو. ومن أجل الصحة النفسية للمرء، يتعين ألّا يستمر المرء في البحث عن الصور أو مقاطع الفيديو المزعجة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أنها تسبب ألما نفسيا أكثر من المعلومات المكتوبة.
والحل الثاني من وجهة نظر كراه هو التواصل مع المقربين. فهذا يتيح للمرء التخلص من العبء الذي يشعر به وأن يشارك مشاعره ويتعلم كيف يتعامل الآخرون مع الأمور المروعة في الأخبار.
والحل الثالث هو التساؤل بشأن دوافع الأشخاص الذين يبثون المحتوى. فإذا كان المرء يتبع مجموعات معينة على قنوات التواصل الاجتماعي، عليه أن يسأل نفسه دائما لمصلحة من يتم تداول هذه الصور. وهل هي قضية يريد تأييدها؟ إذا كانت الإجابة لا، لا يتعين أن يقوم بمشاركتها.
كل التوقعات الجيوسياسية المروعة وصور الأشخاص الذين يبكون أمام الجثث في مناطق الحروب تترك آثارا على صحة المرء النفسية
وهذا لا يعني أن يتوقف المرء تماما عن الاطلاع على الأخبار والمعلومات، ففي نهاية المطاف، هي مهمة للمساعدة في تشكيل الرأي.
وفي بعض الأحيان تكون مواقف الأشخاص عنيدة. كيف يمكن للمرء التعامل مع هذا الأمر إذا وقع داخل أسرته أو دائرته المقربة أو أصدقائه أو زملائه في العمل؟ وهذا أمر شائع منذ ذروة جائحة كورونا، فالبعض أيد الحصول على اللقاحات، في حين رفضها آخرون. ولكن هناك حركة مختلفة الآن، حيث تجمعنا تفضيلات واهتمامات مع أشخاص آخرين قبل أن نشكل مواقف بشأن الحروب الدائرة حاليا.
وهنا تقترح كراه أيضا ثلاثة حلول؛ الأول، إذا لم يستطع المرء التوصل لاتفاق بشأن الخلافات السياسية، سواء كانت الحرب في أوكرانيا أو الشرق الأوسط أو كليهما، يمكن أن يلتزم بالموضوعات الأقل انقساما، طالما كان الشخص الآخر قادرا على القيام بذلك أيضا.
وثانيا، يمكن أن يؤدي الفحص النقدي لمواقف المرء إلى التقارب. فالكثير من الخلافات في الرأي تصل إلى طريق مسدود ليس بسبب الجوهر ولكن بسبب التردد في الاعتراف بالأخطاء.
والحل الثالث هو إدراك ما إذا كانت الأمور غير ذات صلة هي ما تعزز الخلاف. فيمكن أن يكون المرء واقعا تحت ضغط كبير في الأسرة أو العمل، وينفس عن غضبه من خلال التمسك بموقفه تجاه هذه الحرب أو ذلك الأمر- بصرامة عندما يتم طرح القضية.
وفي حال تطورت المواقف المتضاربة بشأن السياسة إلى مشاحنات محمومة، ما هي الطريقة المثلى لتهدئة الوضع؟
لا توجد قاعدة ذهبية لهذا الأمر. فإذا تم الإخفاق أكثر من مرة في التوصل إلى أرضية مشتركة، يمكن الاتفاق على أن الطرفين لن يتفقا تجاه هذا الأمر ويطرحاه جانبا. ويمكن أن يقول المرء “لقد سيطرت علينا مشاعرنا. فلنسحب كل الإهانات التي أطلقناها.”
وعلى المرء أن يدرك أن إطلاقه صفة غبي على شخص ببساطة بسبب اختلاف الآراء يعد تصرفا غير ناضج.