كوب 29 يجسد لحظة الحقيقة لاتفاق باريس بشأن المناخ

العالم على أعتاب الدمار بسبب التغير المناخي.
الثلاثاء 2024/11/12
هل يكون كوب 29 على قدر التطلعات

انطلقت فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 29)، في باكو عاصمة أذربيجان، وسط التطلع إلى إحراز تقدم حول جملة من الأهداف الرئيسية التي حددها المؤتمر وفي مقدمتها مسألة التمويل، وإن كان الكثير من المسؤولين لا يخفون شكوكهم حيال الإنجازات التي قد تتحقق.

باكو – انطلقت الاثنين فعاليات الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 29) في أذربيجان، وسط خطابات حماسية، لكن العبرة تبقى بخواتيمه.

ويعد كوب 29 بمثابة لحظة حاسمة بالنسبة إلى اتفاق باريس الذي جرى التوصل إليه في عام 2015 ونص على ضرورة التزام الدول بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، من أجل خفض درجة الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

ولكن منذ ذلك الحين أكدت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على أن التأثيرات الأشد كارثية لتغير المناخ لا يمكن تجنبها إلا إذا نجحت الدول والأطراف المعنية في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن.

وفي كوب 29 سيتم قياس التقدم الذي تحرزه البلدان في معالجة تغير المناخ مقابل هدف الوصول إلى 1.5 درجة مئوية. ومن المهم ملاحظة أنه حتى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية سوف يؤدي إلى نزوح جماعي، وإلحاق الضرر بسبل العيش، وخسائر في الأرواح، وستكون البلدان منخفضة الدخل هي الأشد تضررًا. أما في الوقت الراهن، فالعالم يسير نحو زيادة قدرها 2.6 إلى 3.1 درجة مئوية هذا القرن.

مختار باباييف: نحن على طريق الخراب. الأمر لا يتعلق بمشكلات مستقبلية
مختار باباييف: نحن على طريق الخراب. الأمر لا يتعلق بمشكلات مستقبلية

ويأتي المؤتمر الذي يشارك فيه العشرات من رؤساء الدول والحكومات، بعد تحذيرات جديدة من أن عام 2024 سيكون الأكثر حرّا على الإطلاق، ما يزيد من ضرورة النقاشات. وتخيم عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على مؤتمر باكو مع مخاوف من أن يؤدي خروج واشنطن المرجّح من اتفاق باريس للمناخ إلى تراجع الطموح حول طاولة المفاوضات.

وذكر الرئيس الأذري للمؤتمر مختار باباييف خلال كلمته الافتتاحية أن المؤتمر يشكّل “لحظة الحقيقة” لاتفاق باريس. وقال باباييف “نحن على طريق الخراب. الأمر لا يتعلق بمشكلات مستقبلية. فتغير المناخ موجود. علينا الآن أن نظهر أننا مستعدون لتحقيق الأهداف التي وضعناها لأنفسنا. هذه ليست مهمة سهلة.”

واستطرد قائلا “سواء رأيتهم أم لا، فإن الناس يعانون في الظل. إنهم يموتون في الظلام. وهم بحاجة إلى أكثر من التعاطف، وأكثر من الدعوات والأوراق الرسمية. إنهم يصرخون مطالبين بالقيادة والعمل. إن كوب 29 هو اللحظة التي لا يمكن تفويتها لرسم مسار جديد للمضي قدما من أجل الجميع.”

بدوره قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سيمون ستيل إن تمويل الدول الغنية للعمل المناخي ليس “عملا خيريا” وهو “في مصلحة الجميع”، داعيا إلى “إظهار أن التعاون العالمي لم يتوقف.”

وشدد رالف ريغنفانو، المبعوث الخاص لفانواتو لتغير المناخ والبيئة، “لا يمكننا تحمّل (تبعات) خروج زخم التحرّك العالمي بشأن تغير المناخ عن مساره.” وأضاف “إنها مشكلة مشتركة لن تحل نفسها من دون تعاون دولي، وسنواصل عرض هذه القضية على الرئيس المقبل لواحدة من أكبر الدول المسببة للتلوث في العالم.”

ويحضر المؤتمر عدد قليل فقط من زعماء مجموعة العشرين التي تمثل بلدانها ما يقرب من 80 في المئة من الانبعاثات العالمية.

ويقول خبراء إن مشكلة التمويل والجهات الممولة والجهات المستفيدة تشكل الخلاف الرئيسي بين المفاوضين. وينبغي أن يزيد المفاوضون الهدف المحدد بـ100 مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية على الاستعداد لمواجهة تزايد التبعات المناخية وإزالة الوقود الأحفوري من اقتصاداتها.

خيبة أمل

سيمون ستيل: تمويل الدول الغنية للعمل المناخي ليس عملا خيريا
سيمون ستيل: تمويل الدول الغنية للعمل المناخي ليس عملا خيريا

قال جون بودستا مبعوث الولايات المتحدة للمناخ إن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي مخيب للآمال بالنسبة إلى دعاة حماية المناخ، لكن العمل على التصدي للاحتباس الحراري العالمي سيستمر في الولايات المتحدة.

وأضاف في القمة المنعقدة في باكو “من منظورنا نحن كساعين لحماية المناخ، فإن نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي كانت خيبة أمل مريرة.” وكان ترامب الذي يشكك في وجود ظاهرة تغير المناخ قد تعهّد بسحب الولايات المتحدة من اتفاق باريس.

وتضغط الدول النامية من أجل الحصول على تريليونات الدولارات، وتصر على أن الأموال يجب أن تكون بمعظمها منحا وليست قروضا. وهي تحذّر من أنها دون هذه الأموال التي ينبغي للبلدان تقديمها بحلول مطلع العام المقبل، سيكون عليها أن تكافح من أجل تقديم تحديثات طموحة لأهدافها المناخية.

لكن المجموعة الصغيرة من الدول المتقدمة التي تقدّم مساهماتها حاليا، تريد أن ترى توسعا لمجموعة المانحين لتشمل دولا غنية أخرى وكبرى الدول المسببة للانبعاثات بما فيها الصين ودول الخليج.

لكن هذه المناقشات بين دول العالم ستجري في سياق جيوسياسي مضطرب، في ظل الصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، والحروب التجارية بين الغرب والصين، وعلى خلفية التقشف في ميزانيات العديد من البلدان المتقدمة، بالإضافة إلى فوز ترامب بالرئاسة.

وحذّر مسؤول صيني الأحد خلال جلسة مغلقة من أن المحادثات يجب ألا تهدف إلى “إعادة التفاوض” على الاتفاقات القائمة. من جهته حضّ ليانغ بي، وهو مسؤول في وزارة البيئة الصينية، المفاوضين على معالجة “أزمة المناخ بشكل جماعي وبناء.”

يستحق العناء

خحخ

تأتي المحادثات تزامنا مع إطلاق تحذيرات جديدة من أن العالم بعيد عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف اتفاق باريس. ومع احترار وصل إلى 1.3 درجة مئوية تقريبا، بدأ العالم يشهد سلسلة من الظواهر المناخية المتطرفة هذا العام الذي يُرجَّح أن يكون العام الأكثر حرّا على الإطلاق. ومن بين هذه الظواهر المناخية الفيضانات وموجات الحر والجفاف.

وأطلقت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة مجددا أعلى مستوى إنذار  وتحذير من مغبة سرعة تغير المناخ، خلال افتتاح المؤتمر. وأشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى مدى إلحاح هذه المهمة لدى تقديم تقريرها عن درجات الحرارة العالمية لعام 2024.

وأفادت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في مؤتمر باكو بأن متوسط درجة الحرارة العالمية سجل رقما قياسيا بلغ 1.54 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل العصر الصناعي بين عامي 1850 و1900. وعبر باحثو المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن عدم ثقتهم في حدوث تغييرات كبيرة بحلول نهاية العام. وفي وقت سابق من العام الحالي حذّرت الأمم المتحدة من أن العالم سيشهد ارتفاع درجة حرارة الأرض 3.1 درجة مئوية هذا القرن بناء على الإجراءات الحالية.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك “يعلم الجميع أن هذه المفاوضات لن تكون سهلة. لكن الأمر يستحق العناء: فكل عُشر درجة من الاحترار يتم تجنبه يعني أزمات أقل ومعاناة أقل ونزوحا أقل.”

ومن المتوقع أن يشارك أكثر من 51 ألف شخص في المحادثات التي تستمر من 11 إلى 22 نوفمبر. وللعام الثاني على التوالي ستستضيف دولة تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري المحادثات بعدما استضافت الإمارات كوب 28 العام الماضي.

ومؤتمر الأطراف التاسع والعشرون هو أهم اجتماع في العالم بشأن تغير المناخ؛ وتقوده الأمم المتحدة، إذ تعني كلمة كوب “مؤتمر الأطراف”، أي الدول التي صدقت على معاهدة تسمى “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ”. وتم التوقيع على هذه الوثيقة في عام 1992 من قبل ما يقرب من 200 دولة.

6