صواريخ إسرائيل الباليستية المحمولة جوا تجلب أنظار العالم

استخدمت إسرائيل في الصراع الدائر منذ أكتوبر العام 2023، وعلى جبهات متعددة، العديد من الأسلحة المتطورة التي جلبت أنظار العالم إليها، ولعل أبرز تلك الأسلحة الصواريخ الباليستية المحمولة جوا، والتي تم استخدامها الشهر الماضي في الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية.
القدس – يثير استخدام إسرائيل الفعال لصواريخ باليستية تطلق من الجو في ضرباتها الجوية على إيران الاهتمام في مناطق أخرى من العالم بحيازة مثل هذا السلاح الذي تتجنبه غالبية القوى الكبرى مفضلة استخدام صواريخ كروز والقنابل الانزلاقية.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الضربات الجوية التي نفذها في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي دمرت مصانع صواريخ إيرانية ودفاعات جوية في ثلاث موجات من الغارات. وكشف باحثون استنادا إلى صور الأقمار الاصطناعية أن الأهداف تضمنت مباني كانت تستخدم من قبل في برنامج إيران النووي.
ويقول جاستن برونك، الخبير في القوة الجوية وتقنياتها في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، إن طهران تدافع عن مثل تلك المواقع بمجموعة “واسعة” من أنظمة الدفاع الجوي. وتشكل صواريخ كروز أهدافا أسهل لأنظمة الدفاع الجوي الكثيفة المتكاملة مقارنة بالصواريخ الباليستية. لكن في العادة تطلق الصواريخ الباليستية من نقاط إطلاق معروفة ولا يمكن لأغلبها تغيير مساره أثناء التحليق.
ويقول خبراء إن الصواريخ الباليستية عالية السرعة بالغة الدقة التي تطلق من الجو، مثل الصاروخ رامبدج الذي تنتجه شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، تتغلب على مشكلات تواجه الصواريخ الباليستية التي تطلق من الأرض وصواريخ كروز التي تطلق من الجو، وهي أسلحة تستخدم أجنحة صغيرة لتحلق لمسافات بعيدة مع الحفاظ على ارتفاعها.
الميزة الأساسية للصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو مقارنة بصواريخ كروز التي تطلق من الجو هي سرعة اختراق الدفاعات
واستخدمت إسرائيل خلال الصراع الذي تخوضه على جبهات متعددة منذ أكتوبر من العام الماضي عددا من الأسلحة المتطورة، التي جلبت اهتمام العالم مثل قنابل “سبايس” الدقيقة.
وقنابل “سبايس” هي قنابل “جو – أرض” موجهة ذكية، تتميز باستخدامها تقنيات متطورة للتوجيه والضرب بدقة عالية، صنعتها شركة رافائيل الإسرائيلية المختصة في أنظمة الدفاع المتقدمة، تتضمن ثلاثة أنواع (سبايس 1000 وسبايس 2000 وسبايس 250) ويشير الرقم ضمن اسم القنبلة إلى وزنها بالرطل. وجاءت تسميتها اختصارا لعبارة جمعت صفاتها باللغة الإنجليزية (ذكية، دقيقة الإصابة، وفعالة من حيث التكلفة).
وأظهرت إسرائيل امتلاكها لترسانة ضخمة من الأسلحة الفعالة والمتطورة، ومن بينها الصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو، وقد نجحت بفضل هذه الأسلحة في تسجيل ضربات قاصمة لإيران ومحورها، وسط اعتقاد المحللين بأن إسرائيل لم تكشف إلا على النزر القليل.
ويقول جيفري لويس، وهو مدير برنامج منع انتشار الأسلحة في شرق آسيا في مركز جيمس مارتن لدراسات الحد من انتشار الأسلحة في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في كاليفورنيا، “الميزة الأساسية للصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو مقارنة بصواريخ كروز التي تطلق من الجو هي سرعة اختراق الدفاعات… أما العيب – وهو الدقة – فيبدو أنه عولج إلى حد كبير”.
أما الصواريخ الباليستية التي تطلق من الأرض والتي استخدمتها إيران لمهاجمة إسرائيل مرتين هذا العام، والتي تستعملها أيضا أوكرانيا وروسيا منذ بدء الغزو الروسي في 2022، فهي شائعة في ترسانة العديد من الدول مثلها مثل صواريخ كروز. وتضيف مسألة حمل الصواريخ الباليستية جوا مرونة لنقاط الانطلاق مما يساعد من يخططون للضربات الجوية.
وقال عوزي روبين، كبير الباحثين في معهد القدس للإستراتيجية والأمن وأحد مهندسي الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية، “الميزة هي أنه نظرا لإطلاقها من الجو فإنها يمكن أن تأتي من أي اتجاه، مما يعقد مهمة التصدي لها”.
لكن يمكن للدفاعات الجوية التصدي لهذه الصواريخ. ففي أوكرانيا، تمكنت صواريخ باتريوت بي.أي.سي – 3 التي تنتجها شركة لوكهيد مارتن من اعتراض الصواريخ كينجال الروسية مرارا.
ونشرت دول كثيرة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، الصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو خلال الحرب الباردة. ومن المعروف أن إسرائيل وروسيا والصين فقط هي التي تنشر هذه الأسلحة الآن.
وأجرت الولايات المتحدة تجربة لصاروخ باليستي فرط صوتي يطلق من الجو من طراز أي.جي.أم – 183 من إنتاج لوكهيد مارتن، لكن لم يتم تخصيص أي تمويل له في ميزانية السنة المالية 2025. ونظرا لأنها تمتلك ترسانة كبيرة من صواريخ كروز وأنواع أخرى من الأسلحة الهجومية بعيدة المدى، لا تبدي واشنطن اهتماما يذكر بالصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو.
وقال مسؤول في سلاح الجو الأميركي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو لا تستخدم في عمليات القوات الجوية. وذكر محلل أميركي كبير معني بتقنيات الدفاع، طلب عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية الأمر، إن الصاروخ أس.أم – 6 الذي تصنعه شركة ريثيون تم اختباره أيضا كسلاح مضاد للسفن يتم إطلاقه من الجو.
خبراء عسكريون يرجحون أن إسرائيل بحوزتها أنواع معينة من الأسلحة ولا تظهرها للجمهور
والصاروخ أس.أم – 6 هو صاروخ دفاع جوي تم تعديل مهامه لاستخدامه كصاروخ جو – جو وسطح – سطح. وأضاف المحلل أن الاختبارات أظهرت أن الصاروخ قادر على ضرب هدف صغير على الأرض يمثل مركز الكتلة في مدمرة. وليس من المعلن أن الصاروخ أس.أم – 6 يستخدم كصاروخ جو – أرض.
وقال مسؤول تنفيذي في قطاع الدفاع، شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، إن الصواريخ الباليستية التي تطلق من الجو تجمع في الأساس بين قدرات التوجيه والرؤوس الحربية ومحركات الصواريخ، وبالتالي فإن الكثير من البلدان التي تمتلك أسلحة دقيقة التوجيه لديها بالفعل القدرة على ملاحقتها. وأضاف “هذه طريقة ذكية لتحويل مجموعة مشتركة من التقنيات والمكونات إلى سلاح جديد مثير للاهتمام بقدرات أكبر بكثير، وبالتالي خيارات أكثر، بسعر معقول”.
وبحسب فابيان هينز، الخبير في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، وهو مؤسسة فكرية دفاعية مقرها لندن، فإن لدى إسرائيل برنامج تطوير وإنتاج كبير وواسع للأسلحة المحمولة جوا، وفي حين أنها تشتري أسلحة جوية من الولايات المتحدة، لكنها أيضا تطور أنظمتها الخاصة.
ويقول هينز إن الإسرائيليين يطورون جميع أنواع الأسلحة المحمولة جوا، من القنابل الصغيرة والخفيفة للطائرات بدون طيار، إلى القنابل الموجهة الثقيلة للطائرات، ووصولا إلى صواريخ كروز والصواريخ الباليستية المحمولة جوا. ويضيف في تصريحات صحفية “الشيء المهم هو أنهم استخدموا العديد من هذه الأسلحة في ضربات مختلفة في حملتهم في غزة ولبنان، وخاصة في سوريا في السنوات القليلة الماضية.
ويلفت الخبير الإستراتيجي إلى أنه ورغم رؤية العالم للعديد من تلك الاستخدامات مؤخرا إلا أن إسرائيل من المرجح أن تكون بحوزتها أنواع معينة من الأسلحة و”لا تظهرها للجمهور”.
وكانت إسرائيل امتلكت القدرة على شن هجمات بعيدة المدى من الطائرات منذ أوائل تسعينات القرن الماضي، وعندما وصلت طائرات الفانتوم إليها، بحسب تقرير نشرته صحيفة “جيروزليم بوست”، في أبريل 2024.