السينمائي المشاغب يكتب مشهده الأخير في مصر

دمشق- ودعت الأوساط الفنية والثقافية في مصر والوطن العربي الناقد السينمائي السوري الكبير، وكاتب السيناريو، والمسرحيّ، وأحد أهمّ نقّاد الدراما التلفزيونية، الدكتور رفيق الصبان، الذي يقيم في القاهرة منذ عام 1970، وذلك ليلة (السبت 17 أغسطس/ آب) عن عمر يناهز 79 عاماً. بعد نصف قرن مع الفن إدارة وكتابة ونقداً قضى معظمها في مصر ونال شهرته فيها.
الدكتور الصبان الذي يحمل الدكتوراه في الحقوق العامة من جامعة السوربون، وقع في هوى الفنون عبر خشبة المسرح أوّلاً، فأخرج سلسلة من الأعمال الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة؛ بينها شكسبير: "ليلة الملوك"، و"تاجر البندقية"، و"يوليوس قيصر"؛ ماريفو: "الاعترافات الكاذبة"، و"لعبة الحبّ والمصادفة"؛ وموليير: "طرطوف"؛ وألبير كامو: "العادلون"؛ وناظم حكمت: "حكاية حبّ". بعدها استولت السينما على جلّ اهتمامه، لجهة السيناريو تحديداً، فكتب أكثر من 25 فيلماً سينمائياً أهمها (زائر الفجر) 1972 و(الأخوة الأعداء) و(قطة على نار) و(ليلة ساخنة)، وآخرها فيلم (الباحثات عن الحرية) مع المخرجة إيناس الدغيدي. كما كتب حوالي 16 عملاً درامياً.
خلاصات نصف قرن
وقع في هوى الفنون عبر خشبة المسرح
عن كتابه الأخير "السينما كما رأيتها"، 2012، يقول الناقد السوري الدكتور صبحي حديدي: "في هذا الكتاب يستجمع (د. الصبان) خلاصات نصف قرن من مشاهدة سينمات العالم، وتحليل خصائصها المحلية المختلفة، وربطها بحصيلة إجمالية لتأثيرات الفنّ السابع في الذائقة الجمالية الإنسانية، خاصة في قدرة السينما على التنوّع والاختلاف، وتلوّن مدارسها بأساليب فردية وأخرى كونية، وطرائق عيش ونماذج وجود، بين أقصى توترات الحياة البشرية المعاصرة، في المأساة مثل الملهاة.
وكان الراحل يعمل أستاذًا لمادة السيناريو في معهد السينما في القاهرة، وهو حاصل على وسام الفنون والآداب الفرنسي من درجة فارس. "العرب" تابعت ردود فعل الوسط السينمائي من منتجين ومخرجين ونقاد سينمائيين عرب، حول رحيله فكانت هذه الشهادات.
هيثم حقي: مثقف وخبير
المنتج والمخرج السينمائي هيثم حقي، قال: "رحل المخرج المسرحي وكاتب السيناريو والناقد (السوري المصري) الدكتور رفيق الصبان. كان الصبان -عدا عن مشاركته الإبداعية- واحداً من كبار المثقفين والخبراء في الفن السينمائي والمسرحي، تعاونّا معاً في مسلسل (المرايا) الذي أخرجته مع الصديق العزيز فيصل الياسري عام 1983، وكتبه الدكتور الصبان ومثّل فيه دور المؤلف أيضاً. وكان لقاؤنا الفني الهام في مسلسل (الدغري) الذي أخرجته وكتب السيناريو له الدكتور رفيق.
سمير ذكري: مواقف بطولية
بدوره قال المخرج السينمائي سمير ذكري عن رحيل صاحب (الأخوة الأعداء): "يذكر للإنسان حسناته: كنت في مهرجان القاهرة أشارك بفيلمي (تراب الغرباء) عن شيخنا الخالد عبد الرحمن الكواكبي، وجاء من الأخوة المصريين من يقول لي إن جوقة الوفد السوري إلى المهرجان المرسلين من قبل المدير العام مروان حداد تقول للإعلاميين المصريين: هاجموا فيلم (تراب الغرباء) وادعموا فيلم عبد اللطيف عبد الحميد الذي كان كذلك مشاركاً بفيلمه (نسيم الروح) ندعوكم إلى مهرجان دمشق!… والناقد طارق الشناوي لم يقصر في انتهاز الفرصة، أما الأستاذ رفيق الصبان فلقد وقف للحال ومنذ أول رؤية له لفيلمي وقف معه بقوة وهو يردد: "إنه فيلم عربي كبير فكيف لا ندعمه؟!".
أحمد رشوان: مساند للإبداع
من جهته قال المخرج المصري أحمد رشوان عن رحيل صاحب (قطة على نار): "في فيلمي الأول (بصرة)، ساندني د. رفيق بحماسته المعهودة منذ أن شارك السيناريو في "مسابقة السيناريو" بمهرجان الإسكندرية عام 2003، وفاز وقتها بالجائزة الثانية وكان يحمل عنوان (100 ٪ حي)، وقتها كتب الدكتور رفيق تقريرا لممدوح الليثي، طالباً منه إنتاج الفيلم من خلال مدينة الإنتاج الإعلامي، ولكن هذا لم يحدث بالطبع! لكن مساندته للفيلم استمرت حتى تحقق العمل وكان العرض الأول للفيلم في مصر في مهرجان القاهرة في كانون أول (ديسمبر) 2008، وقام د. رفيق بإدارة الندوة… مواقفه لا تنسى".
محمد عبيدو: يوم حزين
الكاتب والناقد السينمائي السوري محمد عبيدو قال: "برحيل الناقد رفيق الصبان ومن بعده بعدة ساعات رحيل المخرج الكبير توفيق صالح، الذي قدم بتفرد أعمالا فارقة في لغة السينما العربية ومضمونها… يكون هذا اليوم يوما حزينا في تاريخ السينما المصرية والعربية. الوسط الفني والثقافي فقدا رجلاً قدم الكثير للفن في مصر والعالم العربي ناقداً ومؤلفاً وأستاذاً أكاديمياً وعاشقاً لفن السينما. من بدء مسيرته عن طريق المسرح السوري، حيثُ أخرج عددا من الأعمال المسرحية في سوريا، وانتقاله بعدها إلى مصر ليكتب فيلم (زائر الفجر) عام 1972، لتبدأ عندها مسيرته السينمائية الطويلة التي امتدت لحوالي 25 فيلماً.
|
بشار إبراهيم: منهج خاص
وأخيراً يقول الناقد السينمائي الفلسطيني بشار إبراهيم لـ"العرب": "بعد تجربته المثيرة في المسرح السوري، قرّر رفيق الصبان الرحيل إلى مصر، التي كانت مهوى أفئدة الباحثين عن مكان تحت شمس النجومية والشهرة. ومن المسرح إلى السينما كانت انتقالته، التي حوّلته خلال قرابة خمسين سنة من العمل أحد أشهر النقاد الفنيين، وكتاب السيناريو، فضلاً عن مساهماته في مجالات التدريب والتعليم والتدريس، والحضور في العديد من المهرجانات السينمائية. في السينما، اختطّ رفيق الصبان لنفسه منهجاً خاصاً، لا يختلف عما كان يريده من قبل في المسرح.