"التحرش الأكاديمي" انتهاك أخلاقي وقانوني يهدد بيئة التعليم في العراق

الظاهرة تتسبب في حرمان الكثير من الفتيات من إكمال دراستهن بسبب منع الأهالي.
الأحد 2024/11/03
تداعيات خطيرة على منظومة التعليم

يشعر الكثير من العراقيين بالقلق بعد انتشار العديد من الحالات التي تم فيها ضبط تجاوزات وانتهاكات داخل الجامعات العراقية خلال الأشهر الماضية تتعلق بتحرش أساتذة بالطالبات وابتزازهن، وهو ما ينعكس سلبا على بيئة التعليم.

بغداد – بين فترة وأخرى تضج مواقع التواصل الاجتماعي في العراق بحوادث الابتزاز الجنسي للطالبات في الجامعات، وتثير موجة غضب واسعة ومخاوف من انتشارها بشكل خفي، وما تتركه من تداعيات خطيرة على منظومة التعليم في البلاد والتي كانت في العقود الماضية من أفضل منظومات التعليم في المنطقة.

وباتت ظاهرة تحرش الأساتذة والمدرسين بطالباتهم تشكل خطراً كبيراً على مسار العملية التعليمية في البلاد، وهي في ذات الوقت تعتبر من أشد الانتهاكات الأخلاقية والقانونية التي تهدد بيئة التعليم التي تصنف من البيئات الآمنة، حيث يقول مختصون إن التحرش لا يقتصر تأثيره في المؤسسات التعليمية على الضحايا فحسب، بل يمتد ليطال العملية التعليمية بأكملها، لأنه يخلق جواً من الخوف وعدم الأمان يهدد التركيز والدافعية لدى الطلاب، ويؤثر سلباً على أدائهم الأكاديمي.

ويؤكد أكاديميون عراقيون أن حالات الابتزاز الجنسي للطالبات باتت منتشرة على نطاق واسع في الجامعات، كما أن هذه الظاهرة لا تقتصر على مؤسسات وزارة التعليم، بل أصبحت تشمل مختلف مؤسسات الدولة حيث سجلت حالات ابتزاز لنساء وفتيات في مؤسسات حكومية مقابل إنجاز معاملاتهن.

المرصد العراقي لحقوق الإنسان: حالات التحرش الجنسي واللفظي آخذة في التزايد في المنشآت الحكومية والخاصة

وقال الأستاذ في جامعة ذي قار علي عبدالله إن “بعض السلوكيات الغريبة عن المجتمع العراقي باتت تطفو على السطح وتأخذ حيزاً كبيرا من حياة المجتمع بشكل عام، والمجتمع الأكاديمي بشكل خاص”.

وأضاف عبدالله في تصريح لوكالة شفق نيوز إن “هذه السلوكيات يمكن تسميتها بما أصبح يعرف بـ’ظاهرة التحرش الأكاديمي’، وهي ظاهرة ليست جديدة بل إن الجديد فيها هو اتساعها وتداولها بشكل علني على وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك جملة من الأسباب التي يمكن عدها رئيسية في ذلك أبرزها الجانب العلمي، فالكثير من طالبات الكليات ذوات مستوى متدنٍّ علميا ما يجعلهن عرضة للمساومة لا أخلاقيا من ضعاف النفوس، إضافة إلى السبب الاقتصادي الصرف فربما أن الكثير من طالبات الكليات لا يحصلن على مصروف كاف مما يدفع بعضهن إلى طريق منحرف”.

وتابع إن “السبب الثالث يتمثل بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وشيوع الصور والفيديوهات وغيرها من الوسائل التي تدفع بالشباب إلى محاكاة أبطال الأفلام والمسلسلات وما توفره الكليات من أجواء فيها من الحرية والتغيير ما يكفي لاتّباع مثل هذه الأساليب غير الصحيحة”، لافتا إلى أنه “من جانب أخر يمكن القول إن الجامعات والكليات بدأت تمتلئ بالأساتذة غير المؤهلين علميا وأخلاقيا ليكونوا في هذه المرتبة المقدسة وليكونوا آباء تربويين حقيقيين، وهكذا تسير الأمور من سيء إلى أسوأ في المستقبل إن بقيت الأمور على حالها”.

ومؤخرا فتحت جامعة الإمام جعفر الصادق تحقيقاً بحق مدير قسم القانون؛ بسبب قيامه بابتزاز طالبة مقابل منحها درجات.

الجامعات والكليات بدأت تمتلئ بالأساتذة غير المؤهلين علميا وأخلاقيا لهذه المكانة أو ليكونوا آباء تربويين حقيقيين
الجامعات والكليات بدأت تمتلئ بالأساتذة غير المؤهلين علميا وأخلاقيا لهذه المكانة أو ليكونوا آباء تربويين حقيقيين

وانتشرت محادثة على موقع فيسبوك، تضمنت قيام مدير قسم القانون بابتزاز طالبة وعلى إثر ذلك، فتحت الجامعة تحقيقاً بحقه، وأكدت في بيان رسمي، أنها “ستتخذ أقصى الإجراءات العقابية بحق أيّ فرد يثبت تورطه في هذه القضية، حرصًا منها على حفظ سمعة الجامعة وصون حقوق طلبتها، ولضمان بيئة تعليمية قائمة على القيم والمبادئ التي تسعى الجامعة دائمًا لترسيخها”.

وتم ضبط تجاوزات وانتهاكات داخل الجامعات العراقية خلال الأشهر الماضية، وهو ما أثار تساؤلات عن حقيقة ما يحصل وآليات المواجهة. وفي مايو الماضي، اعتقلت قوة أمنية رئيس قسم علوم الحاسوب في جامعة سومر بمحافظة ذي قار بتهمة ابتزاز الطالبات جنسياً.

وأوضحت المصادر حينها، بحسب وسائل إعلام محلية، أن “الاعتقال جاء بعد اتهامه بمساومة وابتزاز عدد من الطالبات داخل الجامعة بقضايا جنسية مقابل النجاح”، مشيرة إلى أن “المتهم أحيل للتحقيق، لغرض اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه”.

وفي الشهر ذاته، أصدرت محكمة استئناف البصرة حكماً يقضي بسجن عميد كلية الحاسوب في جامعة البصرة لمدة 15 سنة، استنادا لأحكام المادة 393 من قانون العقوبات واستدلالا بأحكام المادة 132/1 منه.

وبحسب مصادر من داخل الجامعة كان العميد يعد الطالبات بالدرجات التحصيلية مقابل أمور غير أخلاقية، وأنه بدأ في ابتزاز الطالبات بمقاطع الفيديو، وتطور الأمر للحصول على المال وابتزازهن، واغتصابهن داخل الحرم الجامعي.

ويلقي البعض باللوم على الطالبات أنفسهن ويقولون إنه يجب أن تكون هناك رقابة شديدة على الطالبات أو على الأستاذ الجامعي ومتابعة مستمرة، وتكون هناك تقنينات أخرى وفقاً لتدريس المادة، والتشديد على متابعات الطالبات، لأن الملاحظ حاليا هو انفلات بكل شيء، الزي والماكياج وغيرها من الأمور، فهذه الأمور عندما يكون لها حدود معينة تحدّ من هذه الحالات التي تعتبر تجاوزا على الذات والمجتمع والعكس، والأستاذ الجامعي ربما ينزلق لهذه الأمور بسبب إغراءات معينة، فيجب أن تكون هناك متابعة، ويجب إدخال الأساتذة دورات معينة وخاصة من حديثي التدريس، وهناك حكمة تقول “من أمن العقاب أساء الأدب”، ويجب تطبيق هذه القاعدة ضد الكل وبلا استثناء في مثل هكذا حالات، لذا يجب على الأستاذ الجامعي الالتزام بالحدود وعدم إعطاء مجال لأيّ شخص آخر.

مكافحة الابتزاز ضرورة
مكافحة الابتزاز ضرورة

وقالت الباحثة الاجتماعية منى العامري إن “ضبط وقائع التحرش وفي أكثر من جامعة، يكشف ما يحدث خلف الكواليس، وإن بعض الأساتذة تخلوا عن قيمهم الدينية والاجتماعية، لذلك أصبحوا ينظرون إلى الطالبات على أنهن فرائس لاصطيادهن”.

ودعت العامري في حديث لوسائل إعلام محلية “الحكومة العراقية لاتخاذ أقسى العقوبات بحق المتورطين بتلك الممارسات التي أثّرت على سمعة التعليم في العراق، كما أنها تتسبب في إحجام الكثيرين عن منع بناتهم من إكمال دراستهن، بسبب وجود هذه الأفعال”.

وأثارت تلك الوقائع جدلا واسعا وغضباً داخل الأوساط السياسية والشعبية، حيث انتقد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي السلوك الذي يقوم به بعض الأساتذة في العراق، مؤكدين أن تجّار المال والسياسيين وراء انتشار مثل هكذا أفعال مخلة بالآداب، مطالبين بمعاقبة المتورطين بتلك الممارسات، وعدم قبولهم بأيّ مؤسسة أكاديمية أخرى مهما كانت المبررات والدوافع.

وكشف تقرير للمرصد العراقي لحقوق الإنسان في وقت سابق عن حالات تحرش مرعبة في مستشفيات وجامعات ووسائل إعلام عراقية تُساوَم من خلالها النساء بـالجنس مقابل العلاج والدراسة والعمل، وسط مطالبات من نشطاء لمعالجة الأمر وسن قوانين رادعة.

وقال المرصد إن “حالات التحرش الجنسي واللفظي آخذة في التزايد في الكثير من المنشآت الحكومية والخاصة وفق شهادات لضحايا وشهود عيان”. ويمثل ابتزاز الطالبات والعاملات والتحرش بالمرأة بشكل عام انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان على اعتبار أن حقوق المرأة مصانة وفق القانون والدستور العراقيين ووفق الاتفاقيات الدولية. وبحسب خبراء القانون فإن هناك عقوبات رادعة يواجه بها القانون هذه الأفعال اللاأخلاقية في بيئة التعليم.

وذكر بعض خبراء القانون ومنهم أحمد العبادي ومحمد علي عبدالحسين لوكالة شفق نيوز إن “ظاهرة التحرش لدى المدرسين أو أساتذة الجامعات يعاقب عليها قانون العقوبات وفق المادة (400) في حالة ارتكاب الأستاذ الجامعي فعلا مخلاً بالحياء باتجاه طالب أو طالبة وعقوبتها مدة لا تزيد عن سنة واحدة، وكذلك هناك المادة 402 في حالة قيام الأستاذ الجامعي أو المدرس بأمور مخلة بالآداب العامة بعقوبة مدة لمدة لا تزيد على 3 أشهر، إضافة إلى أن محاكم الجنايات باتت تطبق أحكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل 160 لسنة 1983 في مثل هكذا أفعال تسيء للعملية التعليمية والتربوية”.

وبين الخبيران أن “القانون لم يقتصر فقط على العقوبة الجزائية في هذه الجرائم، وإنما استتبعها بعقوبات إدارية كسحب اليد من الوظيفة أثناء التحقيق مع صاحب الفعل ألجرمي، والعزل من الوظيفة في حال ثبوت الجريمة وتمت المصادقة على قرار العقوبة”.

وشهدت الساحة التعليمية في الجامعات العراقية العام الحالي تسجيل 3 حالات تحرش بالطالبات الجامعيات وابتزازهن بشرفهن، في ما أصدر القضاء العراقي عقوبات جنائية رادعة بحق اثنين من مرتكبيها، كما يتواصل التحقيق بالقضية الثالثة.

ورغم غياب إحصائيات حقيقية عن عدد حالات التحرش الجنسي في العراق، فإن الناشطة النسوية بشرى العبيدي تضع العراق في صدارة الدول التي تنتشر فيها هذه الظاهرة.

وأرجعت ذلك لعدة أسباب أبرزها “عدم وجود تشريعات قانونية تجرّم التحرش الجنسي، وعقوبات حالية غير رادعة بحق المتورطين تصل إلى السجن لمدة 6 أشهر وغرامة مالية لا تتجاوز 2 مليون دينار عراقي، وغالباً ما تذهب العقوبة إلى الغرامة المالية فقط ويفلت الجاني من العقاب”.

جو من الخوف
جو من الخوف

وبدوره، حث المرصد العراقي لحقوق الإنسان السلطات على تشديد المتابعة وتفعيل الإجراءات القانونية بحق المتحرشين، لتضمن عدم إفلات الجناة من العقاب أولاً، وحفظ سرية هوية الضحية التي تبلغ عمّا تتعرض له ثانياً.

وفي محاولة للسيطرة على ظاهرة التحرش والابتزاز الجنسي المنتشرة في العراق، أطلق جهاز الأمن الوطني حملة بعنوان “إحنا بظهركم”، التي قال إنها تهدف إلى “تشجيع النساء على الإبلاغ عند تعرضهن للاعتداء، مع ضمان حماية الخصوصية”. وخصصت السلطات رقم الهاتف (131) للتواصل والإبلاغ عن أيّ حالة يسعى من خلالها البعض إلى الإيقاع بالفتيات وابتزازهن.

وحول التحرش الجنسي، أوضحت المديرة العامة لدائرة تمكين المرأة العراقية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء يسرى كريم، في تصريح لقناة “رووداو” الكردية أنه “من أهم المحاور التي تتابعها دائرة تمكين المرأة وضع قواعد سلوك خلال المرحلة القادمة، بالتعاون مع الوزارات والمؤسسات الأخرى”.

وأشارت إلى أن هناك “ضوابط وقوانين تلزم المؤسسات بالتزام السلوك المهني”، وأن هذه الضوابط “كانت السبب في منع وقوع حالات التحرش في المؤسسات الحكومية”. وفي ما يتعلق بإجراءات الحكومة لتوفير الحماية والدعم للمرأة، أشارت إلى أن هناك “دوائر متخصصة في وزارة الداخلية، تقدم الدعم للنساء والفتيات العاملات في القطاع الخاص، في حال تعرضهن لأيّ عملية ابتزاز أو تحرش جنسي”.

15