المسيحيون في شمال لبنان حائرون بين دعم نازحي الجنوب والخشية من استهداف إسرائيلي

مشاعر متضاربة يعيشها المسيحون في شمال لبنان اليوم، تجاه النازحين من مناطق سيطرة حزب الله، فمن جهة يفرض عليهم الوازع الوطني والأخلاقي مد يد المساعدة، ومن جهة ثانية يخشون عقاب إسرائيل.
أيطو (لبنان) - كان داني علوان يرتجف بينما يسحب عمال الإنقاذ أكوام الأنقاض حيث كان مبنى شقيقه قائما ذات يوم.
ودمرت غارة جوية إسرائيلية المبنى السكني المكون من ثلاثة طوابق في بلدة أيطو المسيحية الهادئة قبل يوم من هذا المشهد.
وكان شقيقه إيلي قد أجر شقق المبنى لصديق فر مع أقاربه من مسقط رأسهم في جنوب لبنان جراء القصف الإسرائيلي.
وبدت الأمور هادئة لبضعة أسابيع. لكن المبنى استُهدف بعد دقائق فقط من وصول النازحين ودخولهم إليه. وقُتل في الغارة حوالي عشرون شخصا، نصفهم من النساء والأطفال.
وقالت إسرائيل إنها استهدفت مسؤولا في حزب الله. وهي نفس التبريرات التي ساقتها في ضربات أخرى أسفرت عن قتلى في صفوف المدنيين.
الغارة استهدفت عمق الوجود المسيحي في شمال لبنان، في خطوة غير اعتيادية. وركزت إسرائيل قصفها غالبا على جنوب البلاد وشرقها وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي مناطق ذات أغلبية شيعية حيث يتمتع حزب الله بوجود قوي.
وتثير الضربات في المناطق “الآمنة” التي توجهت إليها العديد من العائلات النازحة مخاوف السكان المحليين. ويشعر الكثيرون أن عليهم الاختيار بين مساعدة المواطنين وحماية أنفسهم.
وقال علوان بينما كانت فرق الإنقاذ تمشط الأنقاض في بلدة أيطو “لم يعد بإمكاننا الترحيب بالناس بعد الآن. الوضع حرج في القرية، وهذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها شيئا كهذا”.
توترات طويلة الأمد
الضربات الإسرائيلية في المناطق"الآمنة" التي توجهت إليها العديد من العائلات النازحة تثير مخاوف السكان المحليين
تقع بلدة أيطو المسيحية في محافظة زغرتا المنقسمة بين قوى مسيحية مؤيدة لحزب الله ومنتقدة له.
وحذر بعض المشرعين المسيحيين الذين ينتقدون حزب الله من المخاطر الأمنية التي يمكن أن تتجلى عند استضافة النازحين، وجلهم من المجتمع الشيعي. وهم قلقون من أن للعديد منهم روابط عائلية واجتماعية مع حزب الله، فبالإضافة إلى جناحه المسلح، هناك عناصر مدنية تابعة للحزب في جميع أنحاء جنوب لبنان وشرقه.
كما يخشى البعض أن يخلق النزوح طويل الأمد تغييرات ديمغرافية ويضعف حصة المسيحيين في نظام طائفي هش لتقاسم السلطة في لبنان.
وللبلد الصغير تاريخ مضطرب من الصراع الطائفي والعنف، خاصة خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 سنة وانتهت في العام 1990.
ويكافح لبنان منذ عقود للتغلب على التوترات والجمود السياسي داخل نظامه السياسي الطائفي. ويبقى البرلمان منقسما بين القوى التي تدعم حزب الله والقوى المعارضة. وليس للبلد رئيس منذ حوالي سنتين.
ولاقى إطلاق حزب الله لصواريخ على شمال إسرائيل منذ أكتوبر الماضي تضامنا مع حليفته الفلسطينية حركة حماس في قطاع غزة مشاعر مختلطة. ويقول المعارضون إن سوء التقدير جلب الدمار واسع النطاق من غزة إلى لبنان.
التحرك للمساعدة
المدن الساحلية الشمالية مثل جبيل والبترون ذات الشواطئ والآثار لم تشعر بألم الصراع المباشر. لكن القلق يتزايد في المناطق المحيطة
صعّد الجيش الإسرائيلي هجماته ضد حزب الله منذ سبتمبر الماضي. وشن عمليات قصف جوي يومية وغزوا بريا. وفر معظم النازحين في لبنان الذين يقدر عددهم بنحو 1.2 مليون شخص خلال الشهر الماضي.
وكانت الاختناقات المرورية التي امتدت لأميال في أواخر سبتمبر بسبب انسداد الشوارع المؤدية إلى بيروت. ولم يحمل جل الفارين سوى الملابس التي كانوا يرتدونها.
ودفع العنف الكثيرين إلى مد يد العون دون اهتمام بالبعد الطائفي.
وقالت ميشيلا صفير، التي كانت آمنة في الشمال، إنها أرادت اتخاذ إجراء بعد رؤية صورة لسائق يسكب الماء من زجاجته في زجاجة فارغة يمسكها سائق آخر.
وأضافت “يصبح أول شيء يمكنك التفكير فيه هو كيف يمكنني المساعدة على الفور؟”،
وتتطوع الآن بإعداد وجبات الطعام في مركز فني نسائي أصبح مطبخا مجتمعيا ومركزا لتسليم التبرعات (البطانيات والملابس والإمدادات) في العقيبة، وهي بلدة ساحلية شمال بيروت.
وتزورهن بانتظام النساء النازحات اللاتي وجدن مأوى في الأحياء المحيطة، بينما يساعد بعض المشاركين في مبادرات أخرى في توصيل الوجبات الساخنة إلى الملاجئ وقت العشاء.
وقالت صفير “نتلقى الكثير من الأسئلة مثل: عندما تذهب لتقديم المساعدة، هل هناك عضو من حزب الله ينتظرك عند الباب؟”. وأشارت إلى رد فعل سلبي في المجتمع من أشخاص ينظرون إلى النازحين على أنهم أعضاء في حزب الله أومؤيدوه.
وتابعت “يسألنا بعض الناس… لماذا تساعدونهم؟ إنهم لا يستحقون ذلك. يحدث كل هذا بسببهم”.
القلق ينتشر بعيدا عن الحدود
البعض يخشى أن يخلق النزوح طويل الأمد تغييرات ديمغرافية ويضعف حصة المسيحيين في نظام طائفي هش لتقاسم السلطة في لبنان
لم تشعر المدن الساحلية الشمالية مثل جبيل والبترون ذات الشواطئ والآثار بألم الصراع المباشر. لكن القلق يتزايد في المناطق المحيطة.
وضربت طائرة مسيرة إسرائيلية سيارة على أحد الطرق الساحلية (أوتوستراد جونية، الطريق السريع الحيوي الذي يربط مناطق الشمال بالعاصمة بيروت) في وقت سابق من هذا الشهر. وأسفر الهجوم عن مقتل رجل وزوجته.
وأقلقت مثل هذه الضربات الإسرائيلية النادرة والمتزايدة السكان في الشمال. ويتساءل كثيرون عما إذا يجب أن يخاطروا بأمنهم من خلال استضافة النازحين، أو التضحية بمبادئهم وإبعادهم.
وفرّت زينب ريحان شمالا مع عائلتها وأقاربها من محافظة النبطية الجنوبية عندما لم يتمكن أفراد الأسرة من تحمل الغارات الجوية التي تقترب من منازلهم. لكنهم واجهوا أسعار إيجار متضخمة في محاولة واضحة لإبعادهم.
وقالت ريحان إن البعض ربما كان يتصرف بدافع التحيز الشخصي، وتتوقع أن جلهم كانوا خائفين.
وأوضحت “كانوا خائفين من أن يؤجروا مكانهم لشخص يتبين أنه مستهدف. لكن هذا أصبح واقعنا الحالي. فماذا يمكننا أن نفعل؟”.
واجب المساعدة

قال أحد سكان إحدى البلدات الشمالية القريبة من الساحل إن الحكومة المحلية لا تريد استقبال النازحين. لكن العديد من السكان ضغطوا على البلدية لتغيير موقفها.
وأشار إلى التعاطف المشترك والشعور بالواجب لمساعدة الآخرين رغم المخاطر الأمنية. وتحدث إلى وكالة أسوشيتد برس بشرط عدم الكشف عن هويته خشية تأجيج التوتر بين السكان.
ويزور السكان بانتظام العشرات من العائلات النازحة التي تحتمي في مدرستين متواضعتين في قرية عبرين الجبلية. وضربت غارة إسرائيلية خلال الشهر الحالي قرية على بعد مسافة قصيرة بالسيارة. لكن ذلك لم يمنع بعض السكان من توظيف النازحين. ويعمل البعض مثلا في بساتين الزيتون خلال موسم الحصاد.
وانضمت بعض نساء العقيبة النازحات من المناطق المجاورة إلى صفير وغيرها من المتطوعين في المطبخ. ويشاركن في تقطيع الخضار وطهي الأرز وتعبئة الوجبات في حاويات بلاستيكية، قبل تناول القهوة معا على الشرفة.
وقالت فلافيا بشارة، التي أسست المركز، أثناء استراحة من تقطيع البصل والبطاطس، “لا يعني كوننا في منطقة لا يوجد بها صراع مباشر أو حرب مباشرة أننا لسنا قلقين بشأن بيروت أو الجنوب. تناولنا جميعا الزيتون وزيت الزيتون القادم من الجنوب، وكنا نزوره للحصول على الفواكه والخضراوات”.
وانتهت بشارة والعديد من النساء من تعبئة العشرات من الوجبات، وقدمت مجموعة من النساء لالتقاط الملابس الشتوية المناسبة لأطفالهن. وقالت إنها لا تتأثر بالانتقادات أو الأسئلة التي تتلقاها من بعض جيرانها.
وأضافت “دائما ما يوجد قلق”. وأصبحت تُسمع مؤخرا ضربات على بعد مسافة قصيرة بالسيارة. وأكدت انتشار الخوف “من أن ما يحدث هناك يمكن أن يحدث هنا في أي لحظة”.