جدل في تونس بعد قرار ملاحقة منصات"المحتوى الهابط"

نشطاء يرون في قرار وزارة العدل مدخلا لممارسة المزيد من التضييق على النشر، فيما يؤكد رئيس جمعية مقاومة الجريمة الإلكترونية أن ما هو مجرم في الواقع الحقيقي يجرم في الافتراضي.
الاثنين 2024/10/28
غايات ربحية من دون مراعاة القيم المجتمعية

تونس - أثار إعطاء وزيرة العدل التونسية ليلى جفال الإذن للنيابة العمومية قانونيا بملاحقة صناع المحتوى على منصتي تيك توك وإنستغرام جدلا واسعا خلال نهاية الأسبوع الماضي في البلاد.

وكانت وزارة العدل قد ردّت هذا القرار إلى "انتشار ظاهرة تعمد بعض الأفراد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وخاصة إنستغرام وتيك توك لعرض محتويات معلوماتية تتعارض مع الآداب العامة أو استعمال عبارات أو الظهور بوضعيات مخلة بالأخلاق الحميدة أو منافية للقيم المجتمعية، من شأنها التأثير على سلوكيات الشباب الذين يتفاعلون مع المنصات الإلكترونية المذكورة".

ووفق بيان أصدرته الوزارة السبت، فقد "أذنت الوزيرة للنيابة العمومية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للتصدي لهذه الممارسات، وفتح أبحاث جزائية ضد كل من يتعمّد إنتاج، أو عرض أو نشر بيانات معلوماتية أو بث صور أو مقاطع فيديو تحتوي على مضامين تمس من القيم الأخلاقية".

ورأى البعض في قرار الوزارة مدخلا لممارسة المزيد من التضييق على النشر عبر منصات الاجتماعي تحت غطاء الحفاظ على الأخلاق الحميدة وقيم المجتمع.

وأعادوا التذكير بالمرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد في سبتمبر 2022 بهدف تنظيم النشر في الفضاء الإلكتروني ومقاومة الشائعات والاعتداء على الحياة الشخصية للأفراد، لكنه تحوّل إلى قضية جدلية وسط تصاعد أصوات برلمانية وجمعياتية تطالب بتعديل المرسوم وترى أنه يهدد حرية التعبير خصوصا وأن أربعة صحافيين يقبعون في السجن جراء الاعتماد على أحكامه.

وفي المقابل رأى البعض الآخر أن المسألة لا تتعدى ضبط الطفرة في المنشورات "غير الأخلاقية" التي ينشرها بعض صناع المحتوى عبر "تيك توك" و"إنستغرام" لغايات ربحية من دون مراعاة القيم المجتمعية.

ويتبنى هذا الرأي رئيس الجمعية التونسية لمقاومة الجريمة الإلكترونية، المحامي مهدي اللواتي، الذي يرى أن استفحال هذه المضامين يدعو إلى تدخل الدولة من خلال الأجهزة القضائية حتى "لا تستفحل ظاهرة النشر المخل بالآداب العامة من أجل تحقيق مكاسب مالية من خلال رفع نسب المشاهدة".

وشدد اللواتي في تصريح لإذاعة محلية اليوم الاثنين على أهمية دور الدولة في هذا الإطار، مشيرا إلى أن ما هو مجرّم في العالم الحقيقي مجرّم أيضا في العالم الافتراضي.

وأضاف ''عندما تتصفح مواقع مثل 'تيك توك' تلاحظ أنها تحولت إلى أوكار بغاء بطريقة علنية، وهذه تتطلب عقوبة جزائية''، وفق تعبيره.

وتساءل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ما إذا كانت هذه القرارات ستشمل صور الإنستغرام "الجريئة" خاصة منها ما يتعلق بوضعيات السباحة (ملابس السباحة) ووضعيات إشهار بعض المواد التجميلية التي يظهر فيها الجسد شبه عاريا.

كما تساءلوا ما إذا كان سيتم ملاحقة صانعي المحتوى على منشورات قديمة أم أنه يشمل فقط الحديثة فقط أي بعد صدور القرار.

وفي هذا السياق، أكد القاضي والأستاذ الجامعي فريد بن جحا أنه بإمكان النيابة العمومية تتبع محتويات تم نشرها سابقا.

وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن الجريمة الإلكترونية لا مكان يحددها، وبإمكان النيابة العمومية أن تعاين الجرائم المرتكبة من قبل التونسيين المقيمين داخل تونس، بواسطة ''شرطة الانترنت'' يتم إثرها استدعاء المعنيين وإحالتهم على أنظار النيابة التي تثير الدعوة بخصوصهم.

وبالنسبة للتونسيين المقيمين خارج الوطن، قال بن جحا '' كل تونسي يرتكب جريمة خارج التراب التونسي فإن الدولة التونسية قادرة على محاكمته في تونس اعتمادا على مبدأ الجنسية وقادرة على إثارة التتبعات ضده وتوجيه طلب للدولة التي يقيم بها لتسليمه "

وأضاف ''الدولة التونسية قادرة على إصدار بطاقات جلب دولية في حق من يرتكب جريمة ويحمل الجنسية التونسية وهو ما تم تنظيمه في مجلة الإجراءات الجزائية".

والأسبوع الماضي أثارت طبيبة تونسية قامت ببث مباشر من غرفة عمليات جراحية على منصة "تيك توك" سخطا وجدلا كبيرين على مواقع التواصل الاجتماعي.

واستنكر التونسيون اعتداء الطبيبة على حرمة المرأة التي كانت بصدد الولادة وضربها كل القوانين بعرض الحائط التي تمنعها من هذا الفعل.

كما طالبوا بمحاسبة هذه الطبيبة من قبل عمادة الأطباء ووزارة الصحة لما اقترفته من تجاوزات في حق مريضتها بشكل خاص وفي حق مهنة الطب بشكل عام.

ومن جهتها أكدت عمادة الأطباء التونسيين أنها بصدد التحقيق والتثبت من الفيديو وأخذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة هذه الطبيبة.

وتتصدر تونس المرتبة الرابعة في قائمة الدول العشر الأكثر استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي في أفريقيا بنسبة 68 في المئة، بعد المغرب ومصر.

ويصل نسبة المستخدمين التونسيين على منصات التواصل الاجتماعي إلى 64 في المئة على فيسبوك، 44 في المئة على "ماسنجر"، 25 في المئة على "إنستغرام"، 14 في المئة على "لينكد إن"، 11 في المئة على "سناب شات"، و3 في المئة على "إكس". ووفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة "ميديانت" المتخصصة في التسويق الرقمي لعام .2022

وتعد منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً "تيك توك" و"إنستغرام" من المنصات الأكثر رواجا بين الشباب في الوقت الحالي، في ظل تراجع حضور فيسبوك الذي بقي لفترة طويلة الشبكة الاجتماعي الأكثر انتشارا بين التونسيين.