العمال الأجانب في لبنان يكتوون بنار الحرب

الحرب تحرق الأخضر واليابس على الأرض ويتضرر منها الأبرياء العاجزون. وفي لبنان يعيش العمال المهاجرون المستقرون هناك حالة من الضياع والرعب بسبب حالة التشرد التي رمتهم فيها الأوضاع فضاعت جوازات سفرهم عند الكفيل وتتعثر حكوماتهم في إجلائهم أو حتى مساعدتهم.
مانيلا/لاغوس/دكا- وصلت سيسي برينسيس إلى لبنان قبل 14 عاما لتعمل معينة منزلية. تزوجت من فلسطيني وأنجبت ولدا، ونجت من سرطان الدم وكانت تبني حياة جديدة، ثم شهدت القنابل تتساقط على بيروت، وهي الآن تريد العودة إلى الفلبين.
وفرّت برينسيس، البالغة من العمر 46 عاما، قبل أسبوعين من منزلها الواقع قرب المطار، وعاشت في الشوارع لعدة أيام قبل أن تنتقل إلى ملجأ مع ابنها البالغ من العمر 10 سنوات. وقالت “أشعر أن نهايتي قريبة. أصبحت في حال أسوأ مما كنت عليه عندما أصبت بالسرطان”.
وأحب محمد المأمون الوظيفة التي حصل عليها في مخبز في بيروت قبل ثلاثة أشهر، لكنه يريد الآن العودة إلى وطنه في بنغلاديش، قائلا، “أحببت العيش هنا… الأجور والبيئة أفضل بكثير. لكنني أفتقد موطني بشدة منذ بدء القصف”.
واشتد الصراع المستمر منذ نحو سنة بين إسرائيل وجماعة حزب الله خلال الأسابيع الأخيرة.
وأصبحت معظم الملاجئ البالغ عددها 900 مأوى في البلاد ممتلئة، وينام كثيرون في العراء أو في حدائق بيروت، من بينهم العديد من العمال الأجانب. وتقول المنظمة الدولية للهجرة، إن لبنان يستضيف أكثر من 177 ألف عامل مهاجر، جلهم من أفريقيا وآسيا.
ويتشكل هؤلاء في الغالب من نساء يعملن في المنازل والضيافة بموجب نظام الكفالة حيث يتحكم أصحاب العمل في الوضع القانوني لأي مهاجر يعمل لديهم.
وتجمع سافينا فيراني، وهي ناشطة مقيمة في أوغندا، التبرعات عبر الإنترنت لتوفير الغذاء والمأوى للمهاجرين الأفارقة، وقالت إن العديد من النساء تشردن حيث فر أرباب عملهن حين انطلقت الهجمات الإسرائيلية.
وأشارت إلى أن أصحاب العمل أخذوا جوازات سفر العاملات في المطار فور وصولهن، ولم يرجعوها لهن مرة أخرى. وليس لهن أي مال، وتخلى عنهن أرباب عملهن بمجرد اندلاع الحرب، ولم يعطوهن وثائقهن.
وأضافت، “ليست لمعظمهن حسابات مصرفية أو وثائق يمكن أن تحدد هويتهن رسميا”. وأكدت أن هذا ما صعّب على أقاربهن في الوطن إرسال الأموال لهن.
وقالت فيراني، إن الأفارقة الذين تقطعت بهم السبل يواجهون التمييز إضافة إلى كل شيء.
وتابعت، “يعامل المهاجرون الأفارقة بصفتهم مواطنين من الدرجة الثانية. ولهذا علاقة كبيرة بالعنصرية. وتحتاج الحكومات لذلك إلى أخذ حماية المواطنين على محمل الجد”.
ويحتضن لبنان أكثر من 11 ألف عامل فلبيني موثق. وأمر الرئيس فرديناند ماركوس الابن الحكومة بالاستعداد لإعادة مواطنيها بأمان وفي الوقت المناسب.
وهذا ما تريده برينسيس، بالقول “من فضلك أيها الرئيس ماركوس، أرسل طائرات إلى هنا من أجلنا، مثل ما فعلته البلدان الأخرى لمواطنيها”.
وتلقت السفارة الفلبينية في بيروت بحلول 8 أكتوبر أكثر من 1700 طلب للعودة إلى الوطن.
وأقامت السفارة ملاجئ مؤقتة للعاملات الفلبينيات، لكن برينسيس قالت، إن الكثير يترددون في التوجه إليها بسبب سياسة تقييد استخدام الهواتف المحمولة في بعض الأحيان وهو ما قد يفقدهم الاتصال بأهاليهم.
ويقول بعض الفلبينيين، إن السفارة كانت بطيئة في تقديم المساعدة.
وقال مارك أنتوني بوندا، الذي تعمل شقيقته في لبنان مساعدة منزلية، “لم تتلق أختي سوى الردود المتكررة من روبوتات الدردشة الحكومية، إلى أن طلبوا منها الذهاب إلى السفارة في بيروت. ويبقى هذا الأمر مستحيلا بالنسبة لها لأن صاحب عملها لم يسمح لها بذلك، وليس جواز سفرها بحوزتها”.
لكن وضع برينسيس مختلف. وتحمل وثائقها لكن جواز سفرها منتهي الصلاحية وتحتاج إلى تصريح خروج من السلطات اللبنانية باعتبارها عاملة أجنبية.
وأرادت البقاء بالقرب من السفارة على أمل إعادتها إلى الوطن، قالت “أخبرتني السفارة أنها لا تستطيع الرد على طلباتنا دفعة واحدة. خاصة وأن الحكومة هنا كانت بطيئة في معالجتها”.
ويوجد حوالي 26 ألف كيني من بين العديد من العمال الأفارقة في لبنان. وقدم الكثير منهم نتيجة لاتفاق بين غرفة التجارة الكينية والشركات اللبنانية.وطلبت كينيا من مواطنيها التسجيل لدى السفارة في الكويت للإجلاء المجاني.
وقال موساليا مودافادي، أمين مجلس الوزراء الأول وأمين مجلس الوزراء للشؤون الخارجية والمغتربين، إن نحو 1500 شخص سجلوا أسماءهم بالفعل.
وحذرت الحكومة المواطنين من المحتالين الذين يقدمون عمليات إجلاء وهمية مقابل رسوم باهظة.
وقالت وزارة الكينية في بيان “نود تنبيه جميع الكينيين الموجودين حاليا في لبنان بشأن تقارير عن محتالين يستغلون الأفراد الضعفاء. يتقاضى هؤلاء الأفراد رسوما بشكل غير قانوني مقابل خدمات الإجلاء”.
ويتواجد في لبنان حوالي 150 ألف بنغالي، يعملون في محطات الوقود ومحلات السوبر ماركت والمرائب وكعمال نظافة.
ويقدم المسؤولون في سفارة بنغلاديش في بيروت الرعاية الطبية والمشورة، كما يجمعون المعلومات عن أولئك الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.
وقال محمد توحيد حسين، المستشار الخارجي للحكومة المؤقتة في دكا، إن بنغلاديش طلبت من المنظمة الدولية للهجرة ترتيب رحلة مستأجرة لإجلاء البنغاليين.
وقال صديق الرحمان الذي عمل مشرفا في مصنع لبناني لمدة 10 سنوات، إن العديد من البنغاليين خسروا وظائفهم ومنازلهم منذ انطلاق سلسلة الغارات الجوية، وأصبحوا يعيشون في الملاجئ التي يوفرها المجتمع والسفارة.
وقال شاهين “يدعم الذين يستطيعون منا مد يد العون مواطنينا، إما بمنحهم المال أو شراء الطعام لهم أو توفير المأوى لهم، لكن قلبي يغرق يوما بعد يوم. لا أتمنى سوى العودة إلى وطن”.
وتعمل فيراني مع الناشطة اللبنانية ضياء الحاج شاهين للوصول إلى العاملات المهاجرات المستضعفات.
وقالت، إنها أمنت مبنى خاصا لبضعة أشهر لإيواء 147 امرأة سيراليونية وثلاثة أطفال كانوا ينامون خارج سفارتهم في بيروت.
◄ يتشكل المهاجرون في الغالب من نساء يعملن في المنازل والضيافة بموجب نظام الكفالة حيث يتحكم أصحاب العمل في الوضع القانوني لأي مهاجر يعمل لديهم
وتعاونت مع فريق مكون من أربعة أشخاص. واستأجرت معهم خمس شقق لمجموعة أخرى من 58 أفريقيا، جلهم من سيراليون، كما اتصلت بحكومتهم للحصول على الوثائق التي يحتاجونها للعودة إلى ديارهم.
وأكدت، أن” المهاجرين في لبنان مهمشون ومهملون. يمكنك أن تتخيل ما يحدث خلال الحرب والأزمة الإنسانية لهؤلاء. إننا بحاجة إلى الدعم. نعمل على تأمين المستندات للنساء، لكننا قلقون من أننا لن نتمكن من تأمين الرحلات الجوية. نأمل أن ترسل الحكومة طائرة”.
وقال تيموثي موسى كابا، وزير خارجية سيراليون، إن غياب اتفاق توظيف تجاري مع لبنان يصعب إجلاء العمال بسرعة. لكن الإدارة تعمل مع المنظمة الدولية للهجرة وقادة الجالية السيراليونية في لبنان لتجميع المواطنين في مكان آمن في انتظار إتمام مراحل عملية إعادتهم إلى الوطن.
وليست مغادرة لبنان خيارا سهلا للجميع، ففي جنوب لبنان، قالت المساعدة المنزلية الفلبينية ريتشل باغسيكان إنها لم تستطع النوم بسبب الغارات الجوية والطائرات المسيرة.
وهي تعيش في لبنان منذ تسع سنوات وتقدمت بطلب للعودة إلى بلادها، لكن مشاعر المرأة البالغة من العمر 32 عاما متضاربة بشأن العودة إلى وطنها.
ووضّحت “لا تزال فرص العمل في لبنان أفضل مما هي عليه في الفلبين رغم الأزمة الاقتصادية والحرب. ليس العمل مضمونا في بلدي، مما قد يدفعني إلى السعي إلى شغل وظيفة في الخارج مرة أخرى”.

