فرق إطفاء من السكان الأصليين تقاتل لإطفاء النيران المستعرة في الغابات البرازيلية

ريو دي جانيرو (البرازيل) - تتلبد السماء بسحب الدخان الكثيفة، فوق الرقعة التي لا تبدو لها نهاية من منطقة بانتانال، أكبر أراضي مستنقعات آسيوية في العالم.
ويقول لارثيو فيرنانديز وسط استراحة قصيرة، “أفكر في الكثير من الحيوانات التي تعاني في الوادي، وبشكل خاص في أطفال القرية الذين لحقهم الضرر من جراء الدخان”.
ويكسو اللون الأسود المتراكم من الأدخنة وجه فيرنانديز، وهو رجل إطفاء من السكان الأصليين، ويغمر اللون الأحمر عينيه من شدة الإجهاد، ويضيف “علينا أن ندافع عن بيئتنا وإلا من سيفعل ذلك ؟”.
وفيرنانديز عضو في واحدة من قوات الطوارئ المحلية الكثيرة، التي تعمل في القرى المجاورة في منطقة كاديوي التي يسكنها السكان الأصليون، وتكافح هذه القوات النيران في ولاية ماتو جروسو دو سول.
وتشير بيانات جامعة ريودي جانيرو الفيدرالية، إلى أن نحو 63 في المئة من سكان منطقة كاديوي، تأثروا من جراء حرائق الغابات حتى الآن خلال العام الحالي.
وهذه الحرائق لا تنبعث منها فقط كميات هائلة من غاز الكربون، ولكنها تهدد بشكل متزايد البيئة الطبيعية لمجموعات السكان الأصليين.
الحرائق لا تنبعث منها فقط كميات هائلة من غاز الكربون، ولكنها تهدد بشكل متزايد البيئة الطبيعية لمجموعات السكان الأصليين
ويرتشف فيرنانديز القطرات الأخيرة من كوب الماء، قبل أن يستأنف عمله الشاق في مواجهة النيران، ويحمل هو وزملاؤه على ظهورهم مواد وأدوات لإخماد الحرائق، ويتبعون الخط المحفور بألسنة اللهب وسط المناظر الطبيعية التي ضربها الجفاف. ولا تبدو للعيان أية طيور أو حيوانات، واكتشفوا مؤخرا رفات محترقة لاثنتين من السلاحف البرية.
والوحدة التي يعمل بها فيرنانديز تواصل عملها على مدار 24 ساعة، قبل أن تلتقطهم طائرة هليكوبتر وتعود بهم إلى قريتهم.
وحصل الفريق مؤخرا على طائرة مسيرة ساعدتهم على رصد الحرائق الجديدة، حتى يتمكنوا من إخمادها قبل أن تنتشر إلى أماكن جديدة. كما تزودهم المسيرة بالمعلومات اللازمة لتأمينهم.
ويقول هيدغر ناسيمونتو من مؤسسة العدالة البيئية، وهي منظمة أهلية تعمل على الحفاظ على البيئة، “من الصعب السير وسط منطقة البانتانال، حيث أن الأشجار المتساقطة تسد المسارات، وبمساعدة الطائرة المسيرة يمكنهم رؤية الأماكن التي تنتشر فيها النيران، والتعرف على كيفية الوصول إليها”.
ومنذ سبتمبر الماضي كان ناسيمونتو يدرب خدمات الطوارئ المحلية على كيفية استخدام الطائرة المسيرة.
وتعد البانتانال إحدى أكثر المناطق تمتعا بالتنوع البيولوجي على كوكب الأرض، وتأوي الكثير من الكائنات الحية النادرة ومن بينها أنواع من الفهود والحيوانات والطيور.
وهذه الأراضي السبخة التي تمتد من البرازيل إلى بوليفيا وباراغواي المجاورتين تتكون من نظام دقيق من الأنهار والبحيرات، وتعد فردوسا طبيعيا ومنطقة سياحية فريدة من نوعها.
ومرت المنطقة خلال العام الحالي بموسم شديد القسوة من حرائق الغابات، وتشير بيانات معهد أبحاث الفضاء البرازيلي، إلى اندلاع نحو 2700 حريق في شهر سبتمبر الماضي وحده، مقارنة بنحو 373 حريقا اندلعت في نفس الشهر من العام الماضي.

وزاد عدد الحرائق المسجلة خلال الفترة من يناير الماضي إلى نهاية سبتمبر بنسبة 1427 في المئة، مقارنة بنفس الفترة من عام 2023، وبالمقارنة نجد أن عدد الحرائق في إقليم الأمازون زاد بنسبة 80 في المئة، وزاد بنسبة 86 في المئة في منطقة سيرادو وهي منطقة سبخة تنمو فيها حشائش السافانا شرقي البرازيل.
وتقول وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا إن الحرائق نجمت عن الأنشطة الإنسانية إلى حد كبير.
والنشاط الاقتصادي الرئيسي في المنطقة يقوم على تربية الماشية، ويقوم المربون بشكل متوارث بإحراق مناطق الغابات لإتاحة مزيد من مساحات المراعي، وفي حالة خروج هذه المراعي عن السيطرة، يمكن أن تتحول إلى حرائق غابات واسعة النطاق.
ويزداد الوضع سوءا من جراء موجة الجفاف الشديدة التي ضربت المنطقة هذا العام، ويقول الخبراء إن هذه الموجة مرتبطة بالتغير المناخي.
وبخلاف منطقة البانتانال يلاحظ أن جميع مناطق أميركا الجنوبية تأثرت بحرائق الغابات خلال العام الحالي، ومن بينها اختص إقليم الأمازون بأشد ضربات الحرائق منذ عشرين عاما.
وينتشر الدخان في جميع أنحاء قارة أميركا الجنوبية، وتم مؤخرا تسجيل أسوأ معدل لتلوث الهواء في العالم في مدينة ساو باولو البرازيلية بسبب الحرائق.
كما تنتشر الحرائق في دول أخرى مثل بوليفيا والأكوادور وبيرو والأرجنتين، وأعلنت حكومة بوليفيا حالة الطوارئ على المستوى الوطني لإتاحة المزيد من الموارد لمكافحة الحرائق.
وفي الأكوادور قطع الرئيس دانيال نوبا زيارته لنيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعاد إلى بلاده لمتابعة جهود إخماد حرائق الغابات.