تصاعد التوتر الجيوسياسي في المنطقة يضاعف المخاطر على الاقتصاد الموريتاني

نواكشوط - يفرض تصاعد التوتر الجيوسياسي في المنطقة، والتأخر الحاصل في بدء استغلال مشروع حقل الغاز “أحميم الكبير”، المزيد من الضغوط على الاقتصاد الموريتاني.
وحذر رئيس بعثة صندوق النقد الدولي فيليكس فيشر في مؤتمر صحفي عقد مساء الأربعاء، في نواكشوط مع وزير الاقتصاد والمالية ومحافظ البنك المركزي الموريتانيين من أن آفاق النمو الاقتصادي في موريتانيا معرضة للمخاطر على المدى المتوسط.
وقال إن الاقتصاد الموريتاني “يتوقع أن يشهد في 2024 معدل نمو قدره 4.6 في المئة في انعكاس لمستوى تباطؤ القطاع الاستخراجي”.
وأوضح فيشر في ختام مهمة مشاورات لصندوق النقد الدولي استمرت من 3 وحتى 16 أكتوبر الجاري، أن من المتوقع أن “يسلك النمو الاقتصادي في 2025 نفس الاتجاه بمعدل 4.2 في المئة، في انعكاس لتباطؤ القطاع المعدني”.
وأضاف أن “النمو الاقتصادي غير الاستخراجي، حيث خلق فرص العمل، والذي يعتبر أحيانا أحسن من النمو العام، يحتمل أن يصل معدله إلى 5.7 في المئة عام 2024، و4.7 في المئة في 2025”.
واعتبر رئيس البعثة أن أحد المخاطر الرئيسية التي تواجه الاقتصاد الموريتاني هو التوترات في المنطقة، فضلا عن تعثر مشروع حقل “أحميم الكبير”.
الاقتصاد الموريتاني يتوقع أن يشهد في 2024 معدل نمو قدره 4.6 في المئة في انعكاس لمستوى تباطؤ القطاع الاستخراجي
وتواجه موريتانيا تحديات كبيرة على حدودها مع مالي، في ظل عمليات عسكرية تجري على الطرف الآخر لملاحقة المقاتلين الأزواد، وخلال الأشهر الماضية وقعت العديد من حوادث التوغل داخل الأراضي الموريتانية من قبل الجيش المالي المدعوم بعناصر من فاغنر الروسية، الأمر الذي خلف توترا بين نواكشوط وباماكو.
ويقول مراقبون إن التوتر بين الجانبين قد يعيق خطط الحكومة الموريتانية في تحقيق نمو اقتصادي، لافتين أيضا إلى تعثر بعض مشاريع الطاقة التي كان يراهن عليها الموريتانيون ومن بينها حقل “السلحفاة” أو “أحميم الكبير”.
ووقعت موريتانيا والسنغال قبل نحو ستة أعوام على قرار يقضي باستثمار حقل الغاز المكتشف على حدودهما البحرية المشتركة، والذي تقدر احتياطاته بنحو 25 تريليون متر مكعب.
وكانت شركتا “كوسموس” وبريتش بتروليوم “بي بي” الموقعتان على عقد استغلال الحقل رجحتا أن يبدأ الإنتاج في الحقل بشكل فعلي نهاية العام 2021، الأمر الذي أحيا آمال الموريتانيين في تحقيق نقلة نوعية على المستوى الاقتصادي، وبالتالي تحسن الوضع الاجتماعي، في بلد أنهكته الصراعات والتجاذبات والفساد.
لكن هذه الآمال سرعان ما خبت بعد أن سجل المشروع تأخرا عن موعد الإنتاج لأكثر من سنتين، وتضاعفت تكاليف تطويره، وهناك من بات يقلل من جدواه الاقتصادية وفوائده التنموية، خصوصا في موريتانيا حيث صرح وزير اقتصادها أكثر من مرة بأن عائدات بلده من حقل السلحفاة/أحميم الكبير “لن تنعكس مبكرا على الاقتصاد الموريتاني”.
وكانت شركة “بي بي” البريطانية، المالكة لنسبة 56 في المئة من المشروع، قد أعلنت عن تأخير في بدء الإنتاج في الموقع عدة مرات، مما تسبب في ارتفاع التكاليف الذي أثار استياء المسؤولين الموريتانيين والسنغاليين.
موريتانيا تواجه تحديات كبيرة على حدودها مع مالي، في ظل عمليات عسكرية تجري على الطرف الآخر لملاحقة المقاتلين الأزواد
وليس من الواضح بعد متى ستنطلق عملية الإنتاج في الحقل، وسط حديث عن خلافات بين موريتانيا والشركة البريطانية.
ولم يتطرق وزير الاقتصاد الموريتاني خلال المؤتمر الصحفي مع رئيس بعثة الصندوق إلى مسألة تشغيل حقل السلحفاة، واكتفى بالتنويه بالدعم الفني والمالي الذي يقدمه صندوق النقد الدولي لموريتانيا لمواكبة ورشات الإصلاح التي تقوم بها الحكومة على المستوى المالي والاقتصادي للدفع بالتنمية.
وأوضح الوزير أن خيارات الحكومة الاقتصادية تهدف أساسا إلى تعبئة الموارد العمومية الضرورية للاستثمار، وخلق فرص العمل عن طريق هذه الاستثمارات، وكذلك تغيير وضعية معيشة المواطن الموريتاني من خلال تقليص معدلات الفقر بالأخص لأولئك الأشخاص الأكثر فقرا وهشاشة.
وأضاف أن هذا الهدف لن يتحقق إلا من خلال حوكمة اقتصادية متكاملة، ونجاعة السياسات الاقتصادية من خلال التقليل من التبعية في السوق الاقتصادية، وتنويع موارد الاقتصاد، وخلق فرص عمل للمواطنين.
وخلص وزير الاقتصاد والمالية إلى أن سياسة المديونية الموريتانية سياسة ناجعة، معتبرا مستويات المديونية لدى البلاد جد مقبولة، مشيرا إلى أن خطر الاستدانة بالنسبة إلى موريتانيا هو في مستويات متوسطة إلى منخفضة، باعتبار أن حاصل الدين على الناتج المحلي الخام بالكاد يصل إلى 40 في المئة وهي نسبة مطمئنة جداً؛ والحكومة تعمل على تدعيم هذه النتائج بنفس الوتيرة.
من جهته أكد محافظ البنك المركزي الموريتاني أن المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الوطني أبانت عن آفاق اقتصادية واعدة؛ حيث تجاوزت نسبة النمو 6.5 في المئة سنة 2023 بفضل تحسن أداء القطاعات غير الاستخراجية (الزراعة والتنمية الحيوانية والصيد البحري..) وأيضاً الآثار الحسنة للتسيير.
وأضاف أن هناك توجها دؤوبا في مجال تطوير النظام المصرفي في موريتانيا، بما يشمل تعزيز كفاءة الأسواق المالية والشمول المالي، مما يساهم في توفير فرص أوسع للوصول إلى الخدمات المالية؛ حيث أسهمت الإصلاحات الهائلة على مستوى السياسات النقدية؛ إلى زيادة سعر الصرف بنسبة 2 في المئة، كما تم في ذات الصدد تحقيق إنجازات على صعيد الشمول المالي، وعصرنة سوق الصرف البينية ما بين البنوك، كما أن كفاءة السوق وتحسنها في نمو مضطرد.
وشدد المحافظ على أن السلطات الموريتانية أبرمت برنامج إصلاحات مع صندوق النقد الدولي من أجل تعزيز وتدعيم الإصلاحات الاقتصادية في البلاد؛ وليس عن أزمات؛ إذ أن نتائج سياسة الإصلاح كانت إيجابية ومشجعة باعتراف بعثة صندوق النقد الدولي؛ كما أن الآفاق الاقتصادية واعدة على المديين القصير والمتوسط؛ والمديونية العامة منخفضة.