ما الذي تريده إسرائيل من الغزو البري للبنان

عقب أيام قليلة من مقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله في ضربة مدمرة على ضاحية بيروت الجنوبية، شرع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ عملية عسكرية برية تستهدف مواقع تابعة لحزب الله في جنوب لبنان، أحد معاقل الحزب.
بيروت - بعد أسبوع من القصف المكثف على أهداف لحزب الله اللبناني، أعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء الماضي أنه بدأ عملية برية “محدودة” ضد الجماعة المدعومة من إيران في جنوب لبنان أوقعت مئات القتلى، الأمر الذي أثار تحذيرات دولية من التصعيد وصولا إلى الحرب الشاملة وتساؤلات عن أهداف العملية البرية.
وغزت إسرائيل جنوب لبنان، فيما وصفته بعملية برية “محدودة ومحلية ومستهدفة” ضد حزب الله، حيث عبرت القوات الإسرائيلية في الأول من أكتوبر الحدود لأول مرة منذ حرب إسرائيل والحزب اللبناني التي استمرت 34 يومًا في عام 2006.
وحزب الله هو جماعة مسلحة وحزب سياسي يسيطر على جزء كبير من جنوب لبنان، تعتبره الولايات المتحدة منظمة إرهابية، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أدرج جناحه المسلح فقط في القائمة السوداء.
ما هو هدف إسرائيل؟
قال الجيش الإسرائيلي إن هدفه هو تدمير أهداف حزب الله على طول الحدود. وذكر أن فرقة من الجيش، يبلغ عددها عادة أكثر من 10 آلاف جندي، متورطة.
وجعلت إسرائيل الشهر الماضي عودة حوالي 60 ألفا من سكان شمال إسرائيل الذين نزحوا بسبب هجمات حزب الله هدفًا رئيسيًا للحرب. وتبادلت إسرائيل وحزب الله الضربات عبر الحدود بشكل مستمر منذ غزو إسرائيل لقطاع غزة في أكتوبر 2023.
وقال مايكل هورويتز، رئيس الاستخبارات في شركة الاستشارات الدولية “لو بيك” ومقرها البحرين، إن إسرائيل تحاول تفكيك البنية التحتية لحزب الله على طول الحدود، بما في ذلك الأنفاق ومراكز المراقبة.
وأضاف هورويتز “بهذا المعنى، فإن الأمر “محدود”، لأن الهدف ليس هزيمة حزب الله، الأمر الذي يتطلب غزوًا أوسع بكثير لمعظم لبنان”. لكن من غير الواضح ما إذا كان غزو إسرائيل سيكون محدود النطاق.
وأشار المسؤولون الأميركيون إلى أن إسرائيل وصفت غزوها لجنوب لبنان عام 1982 بأنه هجوم “محدود”، والذي تحول إلى احتلال دام 18 عامًا. كما أمرت إسرائيل المجتمعات في جنوب لبنان بإخلاء شمال نهر الأولي، على بعد حوالي 60 كيلومترًا من الحدود، مما أثار مخاوف من هجوم أكبر.
وقال هورويتز إن إسرائيل تخاطر “بالانجراف إلى عمق أكبر” إذا حاولت إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان. لكنه قال إن القادة الإسرائيليين ربما يريدون تجنب الانجرار إلى حرب طويلة الأمد.
عودة حوالي 60 ألفا من سكان شمال إسرائيل الذين نزحوا بسبب هجمات حزب الله هدف رئيسي للغزو البري
وأضاف “في الوقت نفسه، إذا انسحبت القوات الإسرائيلية، فمن المرجح أن يعود حزب الله ويشن هجمات جديدة ضد إسرائيل، وهو ما سيكون محرجا للحكومة الإسرائيلية”
وعانى حزب الله من انتكاسات كبيرة في الأشهر الأخيرة. فقد قامت إسرائيل باغتيال معظم قياداته، وحيّدت جزءاً كبيراً من ترسانته العسكرية، وعطلت اتصالاته.
وبينما ضعف حزب الله، قال الخبراء إنه لا ينبغي استبعاد الجماعة، نظراً لقوتها البشرية وترسانتها العسكرية الضخمة.
وتعتقد إسرائيل أن حزب الله “في حالة من الفوضى، وهناك فجوة في نظام القيادة والسيطرة”، كما يقول حميد رضا عزيزي، وهو زميل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية. “يمكننا أن نتوقع تقدماً ونجاحات أولية من جانب إسرائيل”.
لكن حزب الله، كما قال عزيزي، يتمتع “بميزة كبيرة” في القتال البري بسبب خبرة المجموعة في حرب العصابات ومعرفتها بالتضاريس المحلية.
ومنذ تأسيسه في أوائل الثمانينيات، نما حزب الله ليصبح القوة العسكرية المهيمنة في لبنان، مما أدى فعلياً إلى تهميش الجيش التقليدي في البلاد.
ويقول عزيزي إن الجيش اللبناني “ضعيف نسبياً” مقارنة بحزب الله، الذي يقدر عدد مقاتليه بنحو 40 ألف مقاتل.
وللجيش وجود محدود فقط في جنوب لبنان، حيث تنتشر قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ومع سيطرة حزب الله على جزء كبير من المنطقة، فمن غير المرجح أن يلعب الجيش اللبناني دوراً رئيسياً في القتال البري مع القوات الإسرائيلية.
مع سيطرة حزب الله على جزء كبير من المنطقة، فمن غير المرجح أن يلعب الجيش اللبناني دوراً رئيسياً في القتال البري مع القوات الإسرائيلية
وقال هورويتز إن الجيش اللبناني “ليس مصمما للدفاع عن لبنان في مواجهة قوات الدفاع الإسرائيلية، وربما يكون هناك الكثير من الضغوط الدولية لإبعاده عن الطريق”
وكشفت تقارير إسرائيلية، أن قائد المنطقة الشمالية في الجيش، أوري غوردين، بدأ ممارسة “ضغوط” على القادة من أجل الموافقة على تنفيذ هجوم بري جنوبي لبنان، يهدف إلى إنشاء “منطقة عازلة”.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية والقناة الـ13 العبرية، أن غوردين “يضغط على صناع القرار لبدء توغل واسع في لبنان”.
كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال لقاء جمعه بالمبعوث الأميركي، آموس هوكستين، إن إمكانية الحل الدبلوماسي للوضع على الحدود الشمالية “انتهت”، معتبرا أن سبب ذلك يعود إلى “استمرار حزب الله في ربط نفسه بحماس، ورفضه إنهاء الصراع”. وأضاف “الطريقة الوحيدة لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، ستكون عبر عمل عسكري”.
ويعيد الحديث عن منطقة آمنة فكرة “الحزام الآمن”، والحديث عن القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006 الذي ينهي الحرب التي شنتها إسرائيل آنذاك، وفيه دعا مجلس الأمن الدولي لبنان وإسرائيل إلى وقف دائم لإطلاق النار استنادا إلى عدد من المبادئ والعناصر.
وأشار خلالها إلى “الاحترام التام للخط الأزرق، واتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي أفراد مسلحين أو معدات أو أسلحة، بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان”.
والخط الأزرق، الذي يمتد لمسافة 120 كيلومترا على طول حدود لبنان الجنوبية، “خط انسحاب” وضعته الأمم المتحدة عام 2000 لتأكيد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان.
هل تتدخل إيران؟
من غير المرجح أن تنشر إيران قوات بالوكالة بالإضافة إلى مستشاريها العسكريين – كما فعلت في سوريا – في لبنان
تعرضت إيران، الحليف الرئيسي لحزب الله، لضغوط شديدة للرد بعد اغتيال إسرائيل لحسن نصرالله، زعيم المنظمة منذ فترة طويلة، في غارات جوية على بيروت في 27 سبتمبر. ومن المرجح أن يؤدي الغزو البري الإسرائيلي لجنوب لبنان إلى زيادة الضغوط على طهران. لكن الخبراء قالوا إن من غير المرجح أن تشن طهران ضربة عسكرية مباشرة على إسرائيل، وهي الخطوة التي قد تؤدي إلى حرب شاملة مع عدوها اللدود.
وعندما كان حليف إيراني آخر، الرئيس السوري بشار الأسد، معرضًا لخطر الإطاحة به خلال الحرب الأهلية في ذلك البلد، تدخلت إيران لإبقائه في السلطة.
لكن عزيزي قال إن من غير المرجح أن تنشر إيران قوات بالوكالة بالإضافة إلى مستشاريها العسكريين – كما فعلت في سوريا – في لبنان.
كما منعت الحكومة اللبنانية الطائرات الإيرانية من دخول المجال الجوي للبلاد بعد تهديدات من إسرائيل.
ورجح عزيزي أن الخيار الوحيد القابل للتطبيق لإيران هو مساعدة أعضاء آخرين في ما يسمى بمحور المقاومة – شبكة طهران الفضفاضة من الوكلاء والحلفاء – على “حشد وزيادة هجماتهم ضد إسرائيل”.