تراث أمازيغ تونس في معرض فوتوغرافي

المعرض يتناول مضامين مختلفة تصب جميعها في مجال الهوية والخصوصية بأرض تونس ذات الثراء في الطبيعة والموروث.
السبت 2024/09/28
متجذرة بوشمها

يعرض عدد من المصورين الفوتوغرافيين أعمالا ترصد خصوصية أمازيغية انعكست على المعمار سواء كان مساجد أو قرى، وعلى النشاط الاقتصادي كاستغلال الزيتون والنسيج والمشغولات اليدوية، وفي المعيش اليومي كالطبخ وأدواته.

تونس - في مركز ثقافي وسط متاجر ومحلات المدينة العتيقة بتونس العاصمة تعرض إلى غاية نهاية سبتمبر الجاري حوالي ستين صورة فوتوغرافية تفتح “طريقا” أمام الجمهور ليلامس ثقافة وعادات ومهارات الأمازيغ وخصوصا أمازيغ تونس.

فمنذ السابع من سبتمبر الجاري يعرض عدد من أعضاء وأصدقاء نادي الصورة بتونس، بالفضاء الثقافي “سانت لاكروا”، أعمالا تحت عنوان “على طريق الأمازيغ”، ترصد خصوصية أمازيغية انعكست على المعمار سواء كان مساجد أو قرى، وعلى النشاط الاقتصادي كاستغلال الزيتون والنسيج والمشغولات اليدوية، وفي المعيش اليومي كالطبخ والأواني المستخدمة فيه.

فمن صانعات الخزف بسجنان في أقصى شمال تونس إلى تطاوين بأقصى الجنوب الشرقي للبلاد، مرورا ببني خداش (محافظة مدنين بالجنوب الشرقي)، وزغوان (الشمال الشرقي)، يقود “طريق الأمازيغ” إلى فضاءات تونسية تحتفظ بآثار أصيلة عن ثقافة وحياة مجموعات خبرت كيف تطوع الجبل والصحراء والوفرة والندرة، على حد سواء، ليستمر شغفها بالحياة.

حاولت مجموعة المصورين عبر تقنيات الصورة إبراز الخصائص والمميزات لتقاليد وأثر تشكلات المعمار للأمازيغ عناوين دالة على غرار قصر أولاد وسلطان وامرأة توجان وتكرونة وباب الأفق والقرية البربرية بالزريب وجامع الأمازيغ.

"طريق الأمازيغ" يقود إلى فضاءات تونسية تحتفظ بآثار أصيلة عن ثقافة وحياة مجموعات خبرت كيف تطوع الجبل والصحراء والوفرة والندرة

وقد يلحظ المتلقي لهذه الأعمال الفنية عبر الصورة أنها حققت العديد من الإضافات التي تميط اللثام أكثر على جزء مهم من مرجعيات الأمازيغ بتونس.

وقد يشهد المجسد الذي مازال ماثلا على الأرض وفي بعض التقاليد والغذاء ومكونات التراث المادي من بعض كلمات مفاتيح وجزء هام من الفلكلور وبعض الممارسات اليومية في حياة الإنسان. والصورة بالمعرض تقول لمتلقيها عديد الأشياء عن الأمازيغ وأقوالهم الضاربة في المكان والزمان، لتتجاوزها أيضا نحو تفكيك اللبس الذي يطرح من حين إلى آخر لدى الأبحاث الأنثروبولوجية التي يقول أحدها إن الأمازيغ جاؤوا من شبه الجزيرة العربية وتحديدا اليمن إلى شمال أفريقيا في هجرة أولى بعيدة غير مسجلة تاريخيا.

ويتناول المعرض  مضامين مختلفة تصب جميعها في مجال الهوية والخصوصية بأرض تونس ذات الثراء في الطبيعة والموروث، ثراء تحقق عبر متواليات الحضارات والأعراق.

وأفرد القائمون على المعرض مساحة خاصة لعلاقة الأمازيغ بالزيتون والأدوات التي استخدمت في تحويله، بل وما زالت تستخدم في بعض القرى حتى اليوم لتظل شاهدة على مهارات تراكمت عبر الزمن .

فمن خلال ستة أعمال فوتوغرافية التقطت جميعها في منطقة زغوان يفتح المعرض بابا على حضور شجرة الزيتون لدى الأمازيغ باعتبارها من التراث الزراعي ، وهو حضور يتجاوز عصر حبات الزيتون واستخراج الزيت، إلى بعد رمزي، وربما أسطوري، للشجرة وثمارها.

الأعمال الفنية عبر الصورة حققت العديد من الإضافات التي تميط اللثام أكثر على جزء مهم من مرجعيات الأمازيغ بتونس

وتُستخدم شجرة الزيتون في مجموعة متنوعة من المناسبات الثقافية والدينية، حيث يحتفل الناس بجني الزيتون وإنتاج الزيت في أجواء مليئة بالفرح والترابط الاجتماعي.

وهناك جدل بين الباحثين حول أصل شجرة الزيتون، حيث يعتقد البعض أنها نشأت في آسيا الصغرى، بينما يرى آخرون أنها جاءت من كريت ومنطقة بحر إيجة، ثم انتقلت إلى بلاد الشام قبل أن تصل إلى مصر وشمال أفريقيا. ومع ذلك، أظهرت نتائج دراسة نشرتها مجلة “ناتشر بلانتس” أن الإنسان في بلاد الأمازيغ كان يستغل شجرة الزيتون منذ عشرات الآلاف من السنين، وليس فقط منذ ظهور الفينيقيين على سواحل شمال غرب أفريقيا.

هذا الاكتشاف يُضاف إلى مجموعة من النتائج التي تؤكد أن بلاد شمال غرب أفريقيا (الأمازيغية) تعتبر أصل البشرية ومركز الكرة الأرضية. فقد كان أسلاف الأمازيغ هم أول من صنع الملابس في تاريخ البشرية قبل 120 ألف سنة، بالإضافة إلى أنهم استخدموا الحلي، ويُعتبر إنسان مغارة أرخود، الذي يُعد أقدم جمجمة بشرية في العالم، “أب البشرية” حتى اليوم.

وفي اللغة الأمازيغية، يوجد اسمان مشتركان هما “أزبّوج” الذي يُشير إلى الزيتون البري، و”أزمّور” الذي يُستخدم للدلالة على الزيتون المزروع.

ولأن “طريق الأمازيغ” يقود في كل اتجاهاته إلى المغرب فقد كان المعرض، وكما أكدت ذلك عضو نادي الصورة في تونس كوثر بدوي في تصريحات لإحدى الإذاعات المحلية، مسبوقا بسفر إلى المملكة “من أجل الانغماس” في الثقافة الأمازيغية.

وقد يكون من بين ثمار هذا “الانغماس” في ثقافة أمازيغية تحضر في كل شبر من المغرب وفي الحياة اليومية لكل مغربي، صورة فوتوغرافية ضمها المعرض تظهر سيدة وسط أزقة زرقاء كتب تحتها “أمازيغيات شفشاون”.

18