تغير المناخ يهدد بتطرّف الفيضانات في العالم

برلين - تثير موجة الفيضانات الشديدة التي تعصف ببولندا ورومانيا والنمسا وجمهورية التشيك وألمانيا تساؤلات حيال دور ظاهرة تغير المناخ في تزايد حدوث الكوارث الطبيعية. وتزداد المخاوف من تفاقم الفيضانات بسبب ارتفاع درجات الحرارة، بحسب تقرير نشرته “دويتشه فيله”.
اضطر عشرات الآلاف من سكان النمسا وجمهورية التشيك وبولندا ورومانيا إلى النزوح بسبب الفيضانات العارمة. وبعيداً عن القارة الأوروبية، شهدت الإمارات وسلطنة عمان أشد موجة أمطار، بينما أودت الفيضانات في كينيا بحياة العديد من الأشخاص وأحدثت انهيارات أرضية. وفي البرازيل ألحقت الفيضانات أضرارا بمنطقة تعادل مساحة المملكة المتحدة، وهو ما أدى إلى تشريد أكثر من نصف مليون شخص.
وفي الوقت الذي ترتبط فيه الفيضانات الساحلية إلى حد كبير بموجات الرياح والمد والجزر، فإن فيضانات الأنهار والمياه الجوفية تقترن بالأمطار الغزيرة، خاصة وأن ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم يزيد في قوة الأمطار ووتيرتها.
وتتسم نماذج هطول الأمطار بالتعقيد، لكنها تستند إلى مبدأ فيزيائي واضح هو أن “الهواء الدافئ قادر على امتصاص كميات أكبر من الرطوبة. وعندما تنخفض درجة حرارة الهواء، تتحول هذه الرطوبة إلى مطر”.
وتعمل الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، والتي تنبعث في الغلاف الجوي، كـ”غطاء” أرضي يحبس الحرارة ويتسبب في ارتفاع درجاتها، وهو ما يؤدي إلى تبخر المياه من على سطح الأرض والبحار بوتيرة أسرع. ويعني هذا في نهاية المطاف أنه عندما تمطر السماء يرافق ذلك تواجد كميات كبيرة من المياه على السطح ما يتسبب في حدوث فيضانات، خاصة عند اشتداد الأمطار وطول أمدها.ويقول العلماء إن قدرة الهواء على الاحتفاظ بالرطوبة تزداد بنسبة 7 في المئة مع كل ارتفاع بمقدار درجة مئوية واحدة. ويُشار إلى أنه منذ عصر ما قبل الصناعة ارتفعت درجة حرارة الهواء بنحو 1.3 درجة مئوية على مستوى العالم.
ويُضاف إلى ذلك أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى سقوط المزيد من الأمطار في شكل مياه وليس في شكل ثلوج، ما قد يجعل المناطق الواقعة على ارتفاعات عالية عرضة للفيضانات والانهيارات الأرضية. وقد كشفت دراسة نشرتها مجلة “ذا نيتشر” قبل عامين عن أنه في المناطق التي تتميز بسقوط الثلوج في نصف الكرة الشمالي زادت حالات هطول الأمطار القوية بنسبة 15 في المئة لكل درجة مئوية من الاحترار.
وذكرت اللجنة الدولية للتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة أن تغير المناخ يؤثر سلباً على تكرار موجات الأمطار الغزيرة أثناء العواصف والأحداث المفاجئة؛ فعند ارتفاع الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية يرتفع معدل حدوث أمطار غزيرة بقوة وضراوة، كانت ستحدث في السابق مرة واحدة كل عشر سنوات، إلى 1.5 مرة، لأن المناخ أصبح أكثر رطوبة بنسبة 10 في المئة.
وقد سجلت أوروبا زيادة في معدل الأمطار خلال العام الماضي بنسبة 7 في المئة عن المعدل المعتاد، حيث ارتفعت الرطوبة في معظم مناطق القارة. وتسببت الأمطار الغزيرة غير المعتادة في حدوث فيضانات في إيطاليا والنرويج والسويد وسلوفينيا.
وقد ارتبطت الفيضانات التي دمرت مناطق في ألمانيا وبلجيكا وهولندا عام 2021 مباشرة باحتداد مشكلة التغير المناخي.
ويشير العلماء إلى أن استمرار حرق الوقود الأحفوري أدى إلى زيادة احتمالات حدوث الفيضانات العارمة التي ضربت البرازيل في أبريل ومايو بمعدل مرتين، فضلاً عن التسبب في زيادة حدتها بنسبة تصل إلى 9 في المئة.
وتعد الفيضانات واحدة من بين الكوارث الطبيعية الأكثر حدوثا في العالم وغالبا ما تنتج عنها أضرار جسيمة. وفي ما يتعلق بالأضرار البشرية أشارت التقديرات إلى أنه منذ عام 2000 زاد عدد الأشخاص المعرضين للفيضانات بنسبة 24 في المئة. وتشير التقديرات أيضا إلى أن ربع سكان العالم -قرابة 1.8 مليار شخص- صار معرّضا بشكل مباشر لما يُطلق عليه اسم “الفيضان الكبير” الذي يُتوقع حدوثه من الناحية الإحصائية مرة واحدة كل 100 عام.
أما بخصوص القارة الأوروبية فإن أكبر عدد من الأشخاص المعرضين لخطر الفيضانات يوجد في ألمانيا ثم فرنسا وهولندا. وقد ذكرت دراسة جديدة أجراها المعهد المستقل للقضايا البيئية أن ما يقرب من 400 ألف شخص في ألمانيا يواجهون خطر التعرض للفيضانات المفاجئة.
وتذهب التقديرات إلى أن 89 في المئة من السكان المعرضين لخطر الفيضانات العارمة يعيشون في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، خاصة في جنوب آسيا وشرقها؛ إذ أن قرابة 395 مليون شخص في الصين و390 مليون شخص في الهند أضحوا عرضة لخطر الفيضانات القوية. وأشارت إحدى الدراسات إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعيشون في مناطق معرضة لخطر الفيضانات بنسبة 122 في المئة منذ عام 1985. ويعزو الباحثون ذلك إلى الحركة العمرانية الآخذة في التسارع، خاصة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
ويحذر العلماء من أن خطر الفيضانات الشديدة سوف يزيد في المستقبل، خاصة إذا فشلت دول العالم في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري. فبحسب تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ سيتمخض عن ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة ارتفاع في معدل حدوث أمطار غزيرة، كانت ستحدث مرة واحدة كل عشر سنوات، إلى 1.7 مرة كل عشر سنوات، فضلاً عن ارتفاع معدل الرطوبة بنسبة 14 في المئة.
وفي حال ارتفاع مستوى درجات الحرارة في العالم إلى أربع درجات مئوية، فإن الأمطار الغزيرة التي كانت ستهطل مرة واحدة كل عقد سوف تهطل ثلاث مرات مع تزايد حدتها بنسبة 30 في المئة.
وقد ذكرت تقديرات مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية أنه في حال عدم اتخاذ تدابير للحد من تفاقم ظاهرة تغير المناخ سيؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى ارتفاع الحرارة إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2100 في أوروبا وحدها، ما قد يتسبب في فيضانات من شأنها أن تخلف خسائر بقيمة 48 مليار يورو سنوياً، إضافة إلى تضاعف معدل سكان القارة المعرضين للفيضانات ثلاث مرات.