سوء التشخيص في تونس مرده ضعف الثقة بين المريض والطبيب

تونس - ركزت منظمة الصحة العالمية في إحيائها لليوم العالمي لسلامة المرضى، الموافق لـ17 سبتمبر من كل سنة، على ضرورة تحسين التشخيص من أجل تعزيز سلامتهم، وهو أمر مازالت المنظومة الصحية في تونس غير قادرة على الاستجابة له بسبب ضعف منسوب الثقة والتواصل بين المريض والطبيب.
وفي ما اعتبر كاتب عام عمادة الأطباء بتونس نزار العذاري أن غياب التواصل بين الطبيب والمريض يعد من بين أبرز العوامل المؤدية إلى سوء تشخيص الحالة المرضية، أكدت مديرة الاعتماد بالهيئة الوطنية للتقييم والاعتماد في المجال الصحي التابعة لوزارة الصحة الدكتورة سهام السعفي أن “كل المتدخلين في الوسط العلاجي يتقاسمون المسؤولية ويشتركون في حسن التشخيص لحماية المرضى إذ أن الخطأ الطبي يتجاوز التشخيص إلى المحيط الصحي للمريض”.
وأبرز العذاري، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، وجود أزمة ثقة وغياب تواصل مرن بين الطبيب والمريض وهما سببان كافيان لتوتر العلاقة بينهما، إذ يشك المريض في سوء تشخيص حالته وإمكانية استغلاله، في ما يتخوف الطبيب من التبعات القانونية والإدارية ومن تسليط عقوبات عليه دون الأخذ بعين الاعتبار الظروف التي يمارس فيها تدخلاته، خاصة في المرفق العمومي باعتباره وجهة 80 في المئة على الأقل من التونسيين.
وأفاد بأن 30 في المئة من الشكاوى المتعلقة بالإبلاغ عن أخطاء طبية متأتية من المواطنين وتتعلق إجمالا بعدم رضا المرضى عن نتائج العلاج خاصة في “طب التجميل”، إضافة إلى وجود شكاوى متعلقة بالاستقبال وبعض الخلافات حول الترفيع في الأتعاب أو رفض تعمير ورقة استرجاع المصاريف، فضلا عن شكاوى أخرى تهم الحوادث الطبية المتسببة في الموت “حسب وجهة نظر المتضرر”.
وعرّف العذاري الأخطاء الطبية بكونها التقصير في العناية بالمريض، مستدركا أن نسبة حدوث أخطاء طبية ضعيفة، فقد “سجلت العمادة في 2024 حالتي تقصير من طبيب في الصحة العمومية وآخر في القطاع الخاص وذلك من أصل 36 طبيبا عرضوا على مجلس التأديب بالعمادة”، لافتا إلى أن تونس تعد من بين “الدول القلائل” المعروفة بقلة الأخطاء الطبية مقارنة بدول أخرى ما يدل على الثقة بأطباء تونس المقدر عددهم بـ30 ألفا و200 طبيب من بينهم 25 ألفا في حالة ممارسة فعلية.
وبينت السعفي أن الخطأ الطبي يتجاوز التشخيص إلى محيط المريض الصحي والأخطاء في تقدير العلاج المناسب والآثار الجانبية التي يخلفها الدواء في حال السهو وغيرها من الأضرار التي تحدث أثناء العلاج وبعده. ويقصد بالتشخيص السليم وضع الطبيب كل مؤهلاته العلمية ومواكبته لكل التطورات الطبية في علاج المريض تماشيا مع ما يتوفر لديه من لوازم طبية ومعدات لوجيستية وموارد بشرية، حسب المتحدثة، التي استدركت قائلة “إن التشخيص السليم للمريض لا يعني حتما ضمان سلامته”، حيث يعد المفهوم أوسع وأشمل وفيه كل المراحل التي يمر عبرها المريض منذ استقباله بالمؤسسة الاستشفائية إلى حين مغادرتها.
وأشارت السعفي إلى عدم توفر معطيات دقيقة تتعلق بنسبة الأخطاء المبلغ عنها أو المعلنة في الوسط العلاجي في تونس بما يجعل الهيئة “تفتقد لإحصاءات واضحة ودقيقة في هذا المجال”، لافتة إلى أن منظمة الصحة العالمية تؤكد أن ما بين 45 و76 في المئة أخطاء يمكن تجنبها، وأن أخطاء التشخيص تعد السبب الأول في حدوث أخطاء طبية بنسبة تتراوح بين 26 و57 في المئة، في ما يتعلق السبب الثاني للأخطاء الطبية بالوصفات الطبية بنسبة تتراوح بين 13 و47 في المئة.
وأوضحت أن الهيئة تسعى إلى نشر ثقافة الإبلاغ دون خوف حيث يمثل 17 سبتمبر 2024 فرصة لدعوة المؤسسات الاستشفائية المتحصلة على الاعتماد للانخراط في الإبلاغ عن الأخطاء الطبية لعدة اعتبارات أهمها توفر قانون المسؤولية الطبية “الذي يتماشى تماما مع توجهات الهيئة” و”يتضمن حماية للمريض والطبيب”، فضلا عن حث مسدي الخدمات على التواصل الجيد مع المريض وإعلامه بالخطأ الطبي إن وجد فعلا، وبالتالي يمكن تحديد جهة التقصير وأسبابه والعمل على تداركه والتحسين من الخدمات الصحية.
وتؤدي أخطاء تشخيص الحالة الصحية لأيّ مريض، بما فيها التشخيص المتأخر أو غير الصحيح أو الفائت إلى عواقب وخيمة، منها إطالة أمد المعاناة من المرض وأحيانا الإعاقة أو حتى الوفاة، حسب ما جاء في بيان منظمة الصحة العالمية بمناسبة اليوم العالمي لسلامة المرضى الذي اختارت له شعارا “أحسنوا التشخيص، حافظوا على السلامة!”، لتسليط الضوء هذا العام على الأهمية الحاسمة للتشخيص الصحيح والمناسب في التوقيت لضمان سلامة المرضى.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن تحسين السلامة التشخيصية يتم أساسا بمعالجة المشاكل البنيوية (بما في ذلك إخفاقات التواصل بين العاملين الصحيين أو العاملين الصحيين والمرضى، وأعباء العمل الثقيلة، وعدم فاعلية العمل الجماعي) والعوامل المعرفية (تدريب الأطباء وخبرتهم بالإضافة إلى النزوع للتحيزات والتعب والإجهاد) التي يمكن أن تؤدي إلى أخطاء تشخيصية.