فايروس جدري القرود يتحول بسرعة مع بطء وصول اللقاح إلى أفريقيا

رغم انتشار فايروس الجدري في أفريقيا منذ سنوات طويلة إلا أنه لم يصبح مصدر قلق بالغ إلا في يناير عندما رصد العلماء الطفرة الجديدة المثيرة للقلق التي بدأت بالانتشار في عدة دول، وفاقم وضع هذه الدول الفقيرة، عدم قدرتها على تأمين اللقاح لمواطنيها مع وجود أمراض أخرى لها الأولوية باعتبارها أكثر خطورة.
لاغوس/جوهانسبرغ - يؤكد خبراء الصحة إن عدم المساواة في تلقي لقاح جدري القرود (إلى جانب المشاكل الصحية الأخرى وبطء التنظيم) يعرّض ملايين الأفارقة للخطر، خاصة وأن العلماء شددوا أن الفيروس يتحور الآن بسرعة، ويقفز من شخص لآخر ويتجاوز الحدود الجغرافية.
وقالت دودوزيل ندواندوي، العالمة في مجلس البحوث الطبية في جنوب أفريقيا، في تعليقات عبر البريد الإلكتروني “إن الافتقار إلى توزيع لقاحات جدري القردة في أفريقيا يرجع إلى التحديات في الإمداد والتمويل والبنية التحتية، ولأن المرض يعد أقل انتشارا مقارنة بالأولويات الصحية الأخرى”.
ولا يعتبر فيروس الجدري جديدا على أفريقيا، لكن عدم توفر اللقاح يكشف عن عدم المساواة في التوزيع العالمي بينما تختار عشرات الدول الغنية تطعيم الأشخاص الذين يواجهون مخاطر أقل بكثير من سكان أفريقيا.
وكان الجدري ينتشر في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ يناير 2023، لكنه لم يصبح مصدر قلق بالغ إلا في يناير عندما رصد العلماء الطفرة الجديدة المثيرة للقلق.
ويتوفر لقاحان ضد جدري القردة من إنتاج شركة بافاريان نورديك الدنماركية وكي إم بيولوجيكس اليابانية. وكانا مستخدمين لمكافحة تفشي المرض في 2022 على نطاق واسع في 70 دولة على الأقل خارج أفريقيا. وتُمنح مجانا في بعض العيادات الأميركية والأوروبية.
ولكن لقاح جدري القردة لم يكن متاحا في أي بلد أفريقي قبل أن تتلقى نيجيريا 10 ألف جرعة من الولايات المتحدة الأسبوع الماضي. ويعد المتحور الذي يواجهه السكان النازحون الضعفاء في جمهورية الكونغو الديمقراطية أكثر قوة من السلالات السابقة.
الاستثمار طويل الأجل في الرعاية الاجتماعية وبنية الرعاية الصحية التحتية يعدّ أمرا بالغ الأهمية لمنع تفشي المرض في المستقبل
وكان جدري القردة مشكلة صحية عامة في أجزاء من أفريقيا منذ 1970. ولم يحظ باهتمام عالمي كبير حتى تفشي المرض الدولي في 2022.
وعادة ما يسبب أعراضا تشبه أعراض الأنفلونزا وتشوهات ويمكن أن يكون قاتلا. وتصل تكاليف الحماية إلى حوالي 100 دولار للشخص. ووصف جيمي ويتوورث، أستاذ علم الأوبئة في كلية لندن للصحة العامة والطب المداري، المتغير الجديد، كلايد 1 بي، بأنه “قاتل نسبيا”.
وقال “يبدو هذا الانتشار ناتجا عن الاتصال الجنسي، وينتقل الفيروس هذه المرة من شخص لآخر. أصبحنا اليوم بحاجة لرفعه إلى قائمة الأولويات لأن هذا الوباء خطير”.
وسجّلت الأرقام الحكومية منذ يناير 2023 أكثر من 27 ألف حالة مشتبه بها و1100 حالة وفاة في الكونغو. وكان الأطفال جل المتضررين.
وانتشرت العدوى الفيروسية من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى 12 بلدا مجاورا، مما دفع منظمة الصحة العالمية إلى اعتبار التفشي حالة طوارئ صحية عامة. وتكافح العديد من الدول الأفريقية لمواجهة هذا التحدي.
وقال ويتوورث إن مبلغ 100 دولار اللازم لتوزيع جرعة من اللقاح يعدّ باهظا للحكومات التي يجب عليها القضاء على تهديدات متعددة (الحصبة والملاريا والكوليرا) بميزانيات محدودة.
وأضاف “تعدّ هذه تكلفة باهظة لتطعيم جمهورية الكونغو الديمقراطية. إذا سألت الناس فيها العام الماضي عما إذا كانت الأولوية القصوى لقاح الحصبة أم الجدري فسيقولون الحصبة. وكان سيوافقهم كل شخص في مجال الصحة العامة لأن ذلك كان يمثل تهديدا أكبر في ذلك الوقت”.
الأرقام الحكومية سجّلت منذ يناير 2023 أكثر من 27 ألف حالة مشتبه بها و1100 حالة وفاة في الكونغو
وتخلق اللوائح الوطنية مشكلة أيضا. فرغم شدة أزمة جدري القردة وخطر انتشاره عبر حدود جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم يوافق المنظمون المحليون على اللقاح إلا في يونيو ولم يتحدد موعد التوزيع بعد.
وسيطر لقاحان في 2022، إلى جانب حملات الصحة العامة ضد السلوك الخطير، على تفشي المرض الذي ضرب 100 دولة على مستوى العالم. لكن البلدان الأفريقية لا تزال تعاني من نقص الخدمات الصحية، مع تكثيف الجهود مؤخرا لتعزيز حمايتها.
وقالت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إنها حصلت على 9.34 مليون يورو (10.43 مليون دولار) كتمويل طارئ من الاتحاد الأفريقي لاستجابتها للفيروس وإنها ستحتاج عشرة ملايين جرعة من اللقاحات.
وقالت شركة بافاريان نورديك الدنماركية إنها تستطيع إنتاج 10 ملايين جرعة من لقاحها بحلول نهاية 2025، وعرضت مليوني جرعة هذا العام.
ومنحت منظمة الصحة العالمية الوكالات الشريكة لها، مثل جافي واليونيسيف، الضوء الأخضر لشراء لقاحات موافقة مسبقة لتسريع تسليمها إلى أفريقيا.
وكانت جمهورية الكونغو الديمقراطية تتوقع تلقي أول لقاحاتها ابتداء من تاريخ 26 أغسطس بعد أن وعدتها الولايات المتحدة واليابان بتسليم اللقاحات. لكنها علمت منذ ذلك الحين أن الأمر سيستغرق وقتا أطول.
كما تعهدت دول الاتحاد الأوروبي بتقديم تبرعات لمساعدة أفريقيا على مكافحة التفشي الحالي. وقال ويتوورث إن المنظمين في رواندا وبوروندي وأوغندا وكينيا (دول تم اكتشاف حالات فيها) يجب أن يوافقوا على اللقاحات عاجلا دون انتظار التفشي الكامل.
وتابع “ليس اللقاح مرخصا حتى في تلك البلدان. ويجب أن تجتهد هذه الدول في تسريع العملية”.
وكان النظام الصحي في الكونغو على وشك الانهيار حتى قبل الأحداث الأخيرة. وكان مثقلا بأوبئة الحصبة والإيبولا وسنوات الصراع. ويقول نشطاء إن الإصلاحات قصيرة الأجل لن تنجح.
وأفادت كاثرينا شرودر من منظمة “أنقذوا الأطفال” إن الاستثمار طويل الأجل في الرعاية الاجتماعية وبنية الرعاية الصحية التحتية يعدّ أمرا بالغ الأهمية لمنع تفشي المرض في المستقبل، حيث تفتقر العديد من المراكز الصحية النائية إلى مجموعات الاختبار الأساسية أو الموظفين المدربين.
وأضافت “يجب أن تكون المراكز الصحية خارج المدينة مجهزة للمرضى، فغالبا ما تفتقر حتى إلى القفازات والأقنعة”.
وتعمل منظمة أنقذوا الأطفال على تدريب الموظفين على هذا مواجهة هذا المرض. ولكن مع تسريع التشخيص بنجاح، يبقى عدد قليل من المرضى قادرين على تحمل تكاليف العزل لمدة أربعة أسابيع.
وقالت شرودر أن المتضررين يدركون ماهية المرض وخطره على أسرهم، لكنهم يرفضون العزل لأنهم يفتقرون لرفاهية الحياة غير المعتمدة على العمل اليومي.