حماقة الإنسان تحيط بشجرة السيكويا العملاقة

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - يمكن تشبيه دخول البستان الواسع الحافل بأشجار السيكويا العملاقة في متنزه كالافيرا بولاية كاليفورنيا للأشجار الضخمة، من أجل العثور على جذع “شجرة ديسكفري”، كمثل الشخص الذي يزحف عبر ضيعة جميلة بحثا عن جثة.
وذكر موقع “أس.أف جيت سان فرانسيسكو” الإخباري، أن من ساحة انتظار السيارات قبالة الطريق السريع رقم 4، حيث تفرغ الحافلات المدرسية الصفراء اللون، والمغطاة بالإبر الهابطة من أشجار الصنوبر، تلاميذ الصف الخامس الابتدائي المفعمين بالحماس، يؤدي أحد الطرق الخلابة بولاية كاليفورنيا إلى الغابة، ويمر الطريق بالبستان الشمالي وبأشجار السيكويا بالغة الارتفاع، وبعضها عرضه أوسع من منزل وأكثر قدما من الإمبراطورية الرومانية.
وهناك شجرتان متماثلتان من السيكويا يمكن تشبيههما بالتوائم السيامية، ونمت الشجرتان متجاورتين إلى درجة أنهما شكلا كتلة واحدة عند الخمسين قدما الأولى من جذعهما، قبل أن تنطلق فروعهما صوب السحب، وهناك أيضا شجرة يطلق عليها اسم “العازب العجوز”، وهي شجرة عملاقة ملتوية بالغة القدم ماتت أفرعها العليا وقد تسقط قريبا على الأرض، ثم يقف جذع شجرة أخرى عملاقة يطلق عليها اسم “والد الغابة”، تم قطعها منذ قرون وأصبح الجذع حافلا بخدوش من الأحرف الأولى لأسماء المراهقين من مقاطعة كالافيراس، وأخيرا تقف شجرة شاهقة أطلق عليها اسم “إمباير ستيت” نسبة إلى ناطحة السحاب الشهيرة، ويعتقد أنها أكبر الأشجار حجما في المتنزه، وكأنها نصب تذكاري للجبال.
ومع ذلك فإن أكثر معالم المتنزه جذبا، هو بقايا شجرة ماتت منذ فترة طويلة، وتم انتهاك حرمتها لتصبح مستباحة من الجميع، وهذه الشجرة التي تبعث الهيبة في النفوس وتلهم الناس التغني بجمال الطبيعة، تحولت من خلال حماقة الإنسان إلى حلبة رقص.
وتتلخص قصة اكتشاف شجرة ديسكفري، في قيام أوجستوس داود وهو صائد دببة، بإطلاق الرصاص على دب أشهب ذات يوم من ربيع عام 1852، كما كان يفعل معظم الرجال في المنطقة الجبلية أثناء بحثهم عن الذهب، وسحب جسمه النازف الثقيل إلى الغابة، وهناك عثر على شجرة رائعة إلى درجة أنها غيرت الطريقة التي يتعامل بها الأميركيون مع الطبيعة إلى الأبد.
وشجرة السيكويا العملاقة التي رآها داود، وتعرف الآن باسم شجرة ديسكفري أي الاكتشاف، كان طولها يبلغ 300 قدم وعرض جذعها 30 قدما، وذكر مقال نشر عام 1859 حول الاكتشاف الذي توصل إليه داود، “بالتأكيد أنه ورد على ذهنه أنه يحلم، ولكن الحقائق العظيمة كانت واقعا أمام عينيه”.
وعندما عاد داود إلى مخيم مورفي القريب حيث يعمل لصالح شركة مياه الاتحاد، لم يصدق أي أحد روايته عن الشجرة بالغة الارتفاع، وقال فيما بعد لمعارفه إنه قتل أكبر دب في الغابة، وطلب المساعدة في سحبه، فقط لكي يجذبهم لرؤية الشجرة.
وسرعان ما انتشرت أنباء هذه الأعجوبة الطبيعية في جميع أنحاء كاليفورنيا، ثم في أرجاء الولايات المتحدة ومنها ذاع صيتها في العالم، غير أن في غضون أسابيع تم قطع الشجرة المهيبة الخلابة، وقام رجال يدفعهم الجشع بحرمانها من الحياة حيث أرادوا أن يجنوا المال من أخشابها.
وتطلب قطع الشجرة الاستعانة بخمسة رجال، عملوا طوال 25 يوما لإسقاط الشجرة التي عثر عليها داود، ولم يجدوا منشارا ضخما يمكنه أن يقوم بالمهمة، فتم استخدام مثاقب المضخة التي يبلغ طولها عشرة أقدام لتحفر في أحشائها بشكل متكرر، وأخيرا اصطدمت الشجرة بالأرض في السابع والعشرين من يونيو 1853، بعد أن عهدت قرابة ألف عام من النمو في ذلك البستان الهادئ، الكائن على سفح تلال سيرا الممتد في شمال ووسط كاليفورنيا.
وتم بعد ذلك نقل مقطع عرضي ضخم من الشجرة إلى سان فرانسيسكو، حيث تم عرضه في شارع بوش ليراه سكان المدينة الفضوليين، مقابل دفع 50 سنتا للمشاهدة، ثم جرى شحنه حول كيب هورن وعرضه في مدينة نيويورك، غير أنه تعرض للدمار من جراء حريق قبل أن يتمكن من الوصول إلى معرض آخر في باريس.
ويعد العثور على جذع شجرة ديسكفري اليوم تجربة غريبة، فحجمه الهائل يثير الإعجاب، غير أن مقدار الحزن الذي يحيط به قد يثير درجة أكبر من الذهول، فبعد أن كان يستخدم كحلبة للرقص، تم استخدام لوح الخشب العملاق هذا كمكان لاستضافة حفلات الزفاف، وتحول بعد ذلك إلى مسرح للحفلات الغنائية ثم مطبعة للصحف بل دار للدراسة، وذلك وفقا لما جاء في كتاب التاريخ الرائع الذي دونته كارول كرامر عن البستان، وصار أطفال المدارس يجتمعون حوله اليوم ليتعرفوا على التاريخ الفريد، لما يعتقد أنه أقدم منطقة جذب سياحي في كاليفورنيا.
وينبعث سحر من شجرة السيكويا العملاقة، فهنا فقط تنمو الشجرة الأكثر ضخامة على وجه الأرض، تنمو على المنحدر الغربي لسلسلة جبال سييرا نيفادا الكائنة في المنطقة الغربية من الولايات المتحدة، ومن الغرائب أن لحاء الشجرة تطور بطريقة ما ليكون مقاوما للحريق، ولا يوجد من هو متأكد تماما من التوقيت والكيفية التي أصبحت بها هذه الأشجار بهذا الحجم الضخم، مقارنة بمختلف النباتات الأخرى في المنطقة، ويمكن أن يبدو الوصول إلى لمس لحاء شجرة السيكويا العملاقة وكأنه تجربة روحية، ووصف عالم التاريخ الطبيعي الأميركي جون موير ذات مرة، هذه الأشجار بأنها “أعظم الأشياء الحية”، وعند التجول في البستان يصبح من الصعب أن تخالفه الرأي.