أفريقيا تتطلع إلى الصين بحثا عن قروض واستثمارات

خفض الغرب تمويل مشاريع البنى التحتية يدفع بأفريقيا إلى مقصلة الديون الصينية.
الاثنين 2024/09/02
منتدى آخر يفاقم الأعباء المالية

في الوقت الذي تستعد فيه الصين هذا الأسبوع لاستضافة زعماء من دول أفريقية لحضور منتدى التعاون الصيني – الأفريقي، تتركز الأنظار على استثمارات بكين وقروضها في القارة السمراء. وبينما زادت قروض الصين لأفريقيا العام الماضي، هناك تأثيرات اقتصادية سلبية لهذه الديون والاستثمارات.

بكين - يتوجه زعماء أفارقة إلى العاصمة الصينية هذا الأسبوع، سعيا للحصول على أموال لمشاريع البنية التحتية الضخمة، على وقع تصاعد المنافسة بين القوى العظمى على الموارد والنفوذ في القارة وفي ظل جدل بشأن “دبلوماسية فخ الديون” الصينية.

وسعت الصين إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية في العقد الماضي، وزودتها بالمليارات من الدولارات على شكل قروض ساعدت في بناء البنية التحتية، لكنها أثارت جدلا في بعض الأحيان بسبب تحميل الدول ديونا ضخمة.

ويقول خبراء إن إقراض بكين للدول النامية ورفضها “اللعب” بالقواعد التي وضعها الغرب يمثلان أكبر عائق لتسوية الديون الحكومية ويهددان بترك بعض البلدان في مأزق ديون لسنوات.

بكين تعهدت بتعزيز مشروع طرق الحرير الجديدة والمعروف أيضا باسم “الحزام والطريق” قبل انعقاد قمة تجمع زعماء الصين ودول أفريقية في بكين هذا الأسبوع

وأرسلت الصين مئات الآلاف من العمال إلى أفريقيا لبناء مشاريعها الضخمة، مع استغلال الموارد الطبيعية الشاسعة في القارة بما في ذلك النحاس والذهب والليثيوم والمعادن الأرضية النادرة.

وقالت بكين إن منتدى الصين وأفريقيا الذي يلتئم بين الرابع والسادس من سبتمبر الجاري سيكون أكبر حدث دبلوماسي بالنسبة إليها منذ جائحة كوفيد – 19، وأكد زعماء جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا ودول أخرى حضورهم وبدأ وصول العشرات من الوفود إلى العاصمة الصينية.

وقال أوفيجوي إيغويغو، محلل السياسات في شركة الاستشارات “ديفلوبمنت ري إيماجيند”، إن الدول الأفريقية “تتطلع إلى استغلال الفرص في الصين من أجل النمو”.

وذكرت وسائل إعلام صينية رسمية أن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا، بحيث بلغت قيمة التجارة الثنائية 167.8 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام.

وقاومت الصين تخفيف الديون، حتى مع سعي بعض الدول الأفريقية لسداد قروضها، واضطرارها أحيانا إلى خفض الإنفاق على الخدمات العامة الحيوية.

وأكد تانغ شياويانغ، من جامعة تسينغهوا في بكين، أن منذ المنتدى الصيني – الأفريقي الأخير قبل ست سنوات، “شهد العالم الكثير من المتغيرات، بما فيها كوفيد والتوتر الجيوسياسي والآن هذه التحديات الاقتصادية”.

وأوضح أن “النموذج القديم” للقروض “للبنية التحتية الكبيرة والتصنيع السريع للغاية” لم يعد ممكنا.

مشاريع ضخمة

الصين تقاوم تخفيف الديون حتى مع سعي الدول لسداد قروضها واضطرارها إلى خفض الإنفاق  على الخدمات الحيوية
الصين تقاوم تخفيف الديون حتى مع سعي الدول لسداد قروضها واضطرارها إلى خفض الإنفاق على الخدمات الحيوية

تعد القارة مركزا رئيسيا في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها بكين، وهو مشروع ضخم للبنية الأساسية وركيزة أساسية لمحاولة الرئيس شي جينبينغ توسيع نفوذ الصين في الخارج.

ووجهت مبادرة الحزام والطريق الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها إلى الدول الأفريقية مثل مشاريع السكك الحديد والموانئ ومحطات الطاقة الكهرومائية. لكن المنتقدين يتهمون بكين بإرهاق الدول بالديون وتمويل مشاريع للبنى التحتية الأساسية تضر بالبيئة.

وأحد المشاريع المثيرة للجدل في كينيا، خط سكة حديد بقيمة خمسة مليارات دولار تم بناؤه بتمويل من بنك إكسيم الصيني، يربط العاصمة نيروبي بمدينة مومباسا الساحلية. لكن المرحلة الثانية التي تشمل تمديد الخط إلى أوغندا لم تتحقق، مع سعي البلدين لسداد ديون مبادرة الحزام والطريق.

وطلب الرئيس الكيني وليام روتو العام الماضي من الصين قرضا بمليار دولار وإعادة هيكلة الديون القائمة لاستكمال مشاريع أخرى متوقفة في مبادرة الحزام والطريق. وتدين كينيا الآن للصين بأكثر من ثمانية مليارات دولار.

ولاحظ أليكس فاينز الذي يترأس برنامج أفريقيا في تشاتام هاوس بلندن، أن الاحتجاجات الدامية الأخيرة في كينيا اندلعت بسبب حاجة الحكومة “إلى خدمة أعباء ديونها للدائنين الدوليين، وبينهم الصين”.

وفي ضوء مثل هذه الأحداث، توقع فاينز ومحللون آخرون أن يسعى القادة الأفارقة في المنتدى المرتقب ليس إلى المزيد من الاستثمارات الصينية فحسب، ولكن إلى الحصول أيضا على قروض أكثر ملاءمة.

افتقار إلى النفوذ

Thumbnail

في وسط أفريقيا، تتسابق الشركات الغربية والصينية على الوصول إلى المعادن النادرة.

وتحتوي القارة على رواسب غنية من المنغانيز والكوبالت والنيكل والليثيوم، وهي ضرورية لتكنولوجيا الطاقة المتجددة.

وتحتوي منطقة مواندا في الغابون وحدها على ما يصل إلى ربع الاحتياطيات العالمية المعروفة من المنغانيز، وتمثل جنوب أفريقيا 37 في المئة من الإنتاج العالمي من المعدن.

ومن جانبها، تهيمن جمهورية الكونغو الديمقراطية على تعدين الكوبالت، وتمثل 70 في المئة من الإجمالي العالمي. ولكن من حيث المعالجة، فإن الصين هي الرائدة بنسبة 50 في المئة.

وتتأثر أفريقيا أيضا بالتوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، من وضع تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي إلى التجارة. وحذرت واشنطن مما تراه “نفوذا خبيثا” لبكين.

والعام 2022، قال البيت الأبيض إن الصين تسعى إلى “تعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الضيقة وتقويض الشفافية والانفتاح”.

وفي المقابل، تصر بكين على أنها لا تريد حربا باردة جديدة مع واشنطن، بل تسعى إلى تعاون “رابح للجانبين”، وتعزيز التنمية مع الاستفادة من التجارة المعززة.

وقال تانغ من جامعة تسينغهوا “نحن لا نقدم المساعدات المالية فحسب، بل العون أيضا”.

وأضاف “نحن مجرد شركاء (لشعوب) في طور التنمية، ونستفيد من ذلك أيضا”. لكن المحللين يخشون أن تضطر الدول الأفريقية إلى اختيار أحد الجانبين.

وقال إيغويغو من شركة ديفيلوبمنت ريماجيند “تفتقر الدول الأفريقية إلى النفوذ ضد الصين (…) يعتقد البعض أن الولايات المتحدة يمكن استخدامها لتحقيق التوازن مع الصين، ولكن ذلك غير ممكن”.

وتعهدت بكين بتعزيز مشروع طرق الحرير الجديدة والمعروف أيضا باسم “الحزام والطريق” قبل انعقاد قمة تجمع زعماء الصين ودول أفريقية في بكين هذا الأسبوع.

الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا، بحيث بلغت قيمة التجارة الثنائية 167.8 مليار دولار في النصف الأول من هذا العام

وتمثل أفريقيا أساسا منطقة رئيسية في هذا المشروع الذي تم إطلاقه بمبادرة من الرئيس الصيني شي جينبينغ.

وأبرمت الشركات الصينية عقودا بقيمة إجمالية تزيد عن 700 مليار دولار بين عامي 2013 و2023، وفقا لوزارة التجارة الصينية.

- السكك الحديد في كينيا: يربط مشروع سكة حديد “ستاندرد غوج” الممول بقرض من بنك التصدير والاستيراد الصيني، العاصمة نيروبي بمدينة مومباسا الساحلية.

وأتاح تحديث خط السكك الحديد تقليص مدة الرحلة من عشر إلى أربع ساعات منذ افتتاحه في عام 2017.

وهو أكبر مشروع بنية تحتية في كينيا منذ الاستقلال عن بريطانيا في عام 1963 وتقدر تكلفته بـ 5 مليارات دولار.

- قاعدة وميناء في جيبوتي: بعد إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في دوراليه، على بعد بضعة كيلومترات غرب العاصمة جيبوتي، في عام 2016، ساعدت الصين أيضا في توسيع الميناء القريب منها.

وورد أن القاعدة البحرية كلفت 590 مليون دولار، وتحظى بموقع إستراتيجي بين البحر الأحمر وخليج عدن.

وتقول بكين إنها تستخدمها لإمداد سفنها ودعم عمليات حفظ السلام الإقليمية ومكافحة القرصنة، على الرغم من أن قربها من قاعدة أميركية أثار مخاوف من التجسس.

وقررت الحكومة الجيبوتية في 2018 إنهاء عقد امتياز أبرمته مع المجموعة الإماراتية “موانئ دبي العالمية” لإدارة ميناء دوراليه.

وأثارت زيادة حصة شركة موانئ الصين التجارية القابضة التابعة لمجموعة حكومية صينية مقرها في هونغ كونغ، في أعقاب هذا الإعلان، نزاعا قضائيا.

- أطول جسر معلق في أفريقيا: في موزمبيق، أنشأت شركة الطرق والجسور الصينية أطول جسر معلق في أفريقيا، وهو يربط العاصمة مابوتو بضاحيتها كاتيمبي على مسافة ثلاثة كيلومترات.

قبل بناء الجسر كانت العبارة وسيلة النقل الأسرع، أما برا فكان يتعين السفر مسافة 160 كيلومترا في طرق غير معبدة ومعرضة للفيضانات.

وتم افتتاحه عام 2018 وبلغت كلفته نحو 786 مليون دولار، تم تمويل 95 في المئة منها بقروض قدمتها مصارف صينية، أبرزها بنك التصدير والاستيراد الصيني.

- مناجم في أفريقيا الجنوبية: في عام 2023، استثمرت الصين في التعدين بمبلغ 7.8 مليار دولار، بحسب معهد المشروع الأميركي لأبحاث السياسة العامة ومقره واشنطن.

واشترت شركة “أم.أم.جي” المملوكة للدولة منجم النحاس خويماكاو في بوتسوانا، وهو أحد أكبر المناجم في العالم، مقابل 1.9 مليار دولار في نفس العام.

وفي يوليو، استحوذت شركة إدارة التعدين الصينية على 80 في المئة من منجم لوبامبي للنحاس المثقل بالديون في زامبيا، مقابل مبلغ رمزي وقدره دولاران. أعلنت زامبيا أن الشركة تنوي استثمار 300 مليون دولار لاستئناف العمل فيه.

كما استثمرت الصين في مناجم الكوبالت والليثيوم في زامبيا وناميبيا وزيمبابوي، وفي شركات التعدين في جنوب كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن حاكم الإقليم قرر في يوليو تعليق جميع الأنشطة في القطاع من أجل “تنسيق التنقيب عن المعادن”.

- الكربون: في 2020، ألغت الحكومة الكينية بناء محطة لتوليد الطاقة تعمل بالكربون في لامو بسبب تأثيرها على البيئة.

وفي 2021، أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ أن بلاده لن تدعم بعد الآن بناء محطات الطاقة التي تعمل بالكربون في الخارج.

وبالتالي، تم سحب الأموال الصينية المخصصة لدعم مشروع مرتبط بالكربون في زيمبابوي، لصالح تمويل توسعة محطة كاريبا للطاقة الكهرومائية.

وفي نيجيريا، تمول القروض الصينية جزئيا بناء محطة مامبيلا للطاقة الكهرومائية بقيمة 4.9 مليار دولار، والتي ستكون الأكبر في البلاد.

6