لماذا تصر إسرائيل على البقاء في ممر نتساريم

هناك جملة من الأهداف العسكرية وراء توسيع إسرائيل لمحور نتساريم، الذي يفصل شمالي قطاع غزة عن وسطه وجنوبه. ويقول محللون إن الهدف فرض واقع جديد في القطاع بعد الحرب.
تل أبيب - تؤشر معطيات ميدانية وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين إلى إصرار حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على البقاء في ممر نتساريم، رغم مخاطر أن يتسبب ذلك في عرقلة اتفاق وقف الحرب على القطاع وتبادل أسرى مع الفصائل الفلسطينية.
وشدد نتنياهو في العشرين من أغسطس الجاري على أن إسرائيل “وتحت أي ظرف لن تغادر ممر نتساريم (الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه) ومحور فيلادلفيا” على الحدود بين غزة ومصر، واللذين سبق أن أكد أنهما “أصول إستراتيجية” لبلاده.
ولفت إلى أن حكومته تتعرض لـ”ضغوط هائلة” بهذا الخصوص، في إشارة إلى رفض حماس القاطع لبقاء أي قوات إسرائيلية بممر نتساريم ومحور فيلادلفيا، ورفض مصر بصورة خاصة أي تواجد إسرائيلي في المحور الأخير.
وانعكس هذا الإصرار بطبيعته على المفاوضات الجارية من أجل إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وتبادل أسرى. إذ أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية الخاصة، الاثنين، بأن البقاء الإسرائيلي في ممر نتساريم تصدر قائمة مطالب أو أجندة فريق التفاوض الذي وصل إلى العاصمة المصرية القاهرة، الأحد الماضي، رغم أنه يهدد بعرقلة التوصل إلى اتفاق مع الفصائل الفلسطينية.
وتعزز هذه التصريحات الخطوات الإسرائيلية الميدانية الجارية على الأرض.
فوفق ما ذكرته يديعوت أحرونوت، الاثنين، بينت صور أقمار اصطناعية إقدام قوات الجيش الإسرائيلي على توسعة ممر نتساريم.
ونشرت الصحيفة صورا ولقطات فيديو تظهر أعمال توسعة جارية للممر، لافتة إلى إقامة 4 نقاط عسكرية كبيرة على طوله، بهدف توفير إقامة دائمة للمئات من الجنود الإسرائيليين.
وبهدف تهيئة أعمال التوسعة، شن الجيش الإسرائيلي غارات على جانبي الممر في الأيام الأخيرة.
ما ممر نتساريم؟

في مارس الماضي، أظهرت صور أقمار اصطناعية شروع الجيش الإسرائيلي في بناء ممر حمل اسم “طريق 749″، والذي يقسم شمال غزة عن جنوبها، وفقا لشبكة سي.أن.أن الإخبارية الأميركية.
وقالت الشبكة حينها إن صورة التُقطت في السادس من مارس أظهرت أن الممر الذي كان قيد الإنشاء منذ أسابيع، يمر بكامل وسط غزة بعمق حوالي 3 كيلومترات، وبطول نحو 6 كيلومترات بدءا من معبر كارني شرقي القطاع، وحتى غربي القطاع على البحر المتوسط.
ويجاور الممر منطقتي جحر الديك والمغراقة، ويقطعه شارع صلاح الدين من المنتصف، وتحده مدينتا الزهراء والأسرى من جنوبه الأوسط وجنوبه الغربي، فيما يشغل حي الزيتون المساحة الكبرى من حدوده الشمالية، أما الجهة الشمالية الغربية للممر فتجاور منطقتي الصبرة والشيخ عجلين.
وقالت تقارير عبرية إن هذا الممر مكون من 3 مسارات عرضية؛ الأول لعبور الآليات المجنزرة، والثاني للمركبات والسيارات رباعية الدفع، أما الثالث فقد بنيت عليه مواقع لمبيت الجنود الإسرائيليين وتخزين الأسلحة، والتحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين.
وذكرت تلك التقارير أن الجيش الإسرائيلي أحاط الممر بسواتر أسمنتية ضخمة وأخرى ترابية مرتفعة، وهو مدعم بالعديد من أجهزة الرصد المتطورة، وأبراج للمراقبة، إضافة إلى تحليق طيران استطلاعي على مدار الساعة، وتمشيط مدفعي وناري في ساعات الصباح والمساء وما بينهما، بهدف تأمين نقطة الارتكاز على هذا المحور.
وتعود تسمية الممر إسرائيليا إلى مستوطنة تحمل الاسم ذاته “نتساريم”، أنشأتها إسرائيل عام 1972 نواة لمجموعة مستوطنات في غزة، استجابة لخطة قدمها أرئيل شارون عام 1971، حينما كان قائدا للمنطقة الجنوبية الإسرائيلية، والتي ضمت غزة، وكان الهدف منها تسهيل السيطرة الأمنية على القطاع.
ومع توالي ضربات الفصائل الفلسطينية على مجمع المستوطنات هذه في غزة، ومنها “نتساريم”، أمر شارون بعملية الإخلاء الطوعي لكل المستوطنين من القطاع عام 2005.
أهمية المحور لإسرائيل

حسب تصريحات لمسؤولين إسرائيليين وتقارير عبرية، تهدف تل أبيب من وراء البقاء في ممر نتساريم إلى تحقيق عدة أهداف.
ويتمثل الهدف الأول في منع عودة مقاتلي الفصائل الفلسطينية من جنوب غزة إلى شمالها، إذ تريد إسرائيل جعل شمال القطاع القريب من مستوطناتها الجنوبية منطقة عازلة وخالية من أي تهديد.
وذكرت القناة الـ12 العبرية في تقرير لها مؤخرا هدفا آخر لإسرائيل من وراء هذا الممر، وهو جعله نقطة ارتكاز للجيش للتحرك سريعا وتنفيذ عمليات ضد أي “تهديد” من الفصائل.
كما سيسهل الممر مخطط بناء مستوطنات شمالي القطاع، حيث دعا أكثر من وزير إسرائيلي في الأشهر الأخيرة إلى إعادة بناء المستوطنات في غزة، من بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، حينما جدد تلك الدعوة في السابع من يونيو الماضي، خلال افتتاحه مركز “التوراة والأرض” في مجمع نيتسان الجنوبي، وذلك بعد مرور عقدين على الانسحاب الإسرائيلي الأحادي من قطاع غزة في 2005.
وسبقه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، في تلك الدعوة حين دعا خلال مشاركته في فعالية بمستوطنة سديروت في الرابع عشر من مايو الماضي، إلى بناء مستوطنات في غزة بزعم “ضمان مكتسبات الحرب على القطاع، وتصحيح أخطاء الماضي”، في إشارة إلى تفكيك المستوطنات التي كانت مشيَّدة في غزة عام 2005 ضمن ما سُمى بـ”خطة فك الارتباط”.
البقاء في ممر نتساريم يجعل شمال القطاع القريب من المستوطنات الجنوبية منطقة خالية من أي تهديد
وهذا ما حذر منه رئيس تحرير صحيفة هآرتس العبرية الخاصة ألوف بن، في مقال مؤخرا، حيث اعتبر أن هدف الحرب التي يشنها نتنياهو هو احتلال قطاع غزة وليس إعادة الأسرى الإسرائيليين.
وقال بن “ستسيطر إسرائيل على شمال قطاع غزة، وتطرد الفلسطينيين الذين لا يزالون هناك، والذين يبلغ عددهم نحو 300 ألف نسمة (من إجمالي سكان غزة المقدر عددهم بـ2.2 مليون)”.
وأضاف “اليمين الإسرائيلي يريد كذلك إقامة مستوطنة يهودية في المنطقة (غزة)، تتمتع بإمكانات عقارية هائلة، وتضاريس ملائمة، وإطلالة على البحر، وقرب وسط إسرائيل”.
وتابع “لن يتم بناء مدينة يهودية كبيرة في غزة غدا، لكن التقدم سيتم فدانا فدانا، وبيتا متنقلا يليه بيت متنقل، وبؤرة استيطانية تلو أخرى، تماما كما حدث في مدينة الخليل” جنوب الضفة الغربية.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي تشن إسرائيل حربا على غزة خلّفت أكثر من 134 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وتواصل إسرائيل هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني بغزة.