إنعاش دور الواعظات المصريات يصطدم بنظرة دونية للمرأة

تسعى وزارة الأوقاف المصرية إلى إنعاش دور الواعظات في المسار الدعوي . لكن البعض ينظر بعين الشك إلى الدور الجديد للواعظات وفاعليته، لاسيما أن الدور الدعوي كان مقصورا على الذكور.
القاهرة - أولت جهات دينية رسمية في مصر أخيراً اهتماما بتعظيم دور الواعظات بعد مرور سنوات على فتح باب التعيين للسيدات في مجال الدعوة، ما قاد إلى وجود نحو 700 واعظة، أغلبهن جرت الاستعانة بهن عام 2017، دون أن يتركن بصمة مجتمعية أو دينية ملموسة، في ظل تضاؤل الأعداد مع وجود الآلاف من المساجد وتراجع النظرة المجتمعية لعمل المرأة في المجال الدعوي.
واختتم المؤتمر الدولي الخامس والثلاثون للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (تابع لوزارة الأوقاف) فعالياته الاثنين، وحمل عنوان “دور المرأة في بناء الوعي” وشارك فيه واعظون وواعظات من 60 دولة، وبدت هناك رغبة في تدشين خطط متوافق عليها لتنشيط دور السيدات في مجالات التثقيف الديني والمجتمعي، في ظل قدرة العناصر المتشددة على اختراق عقول شرائح اجتماعية عدة، وصلت فيها إلى المرأة التي تلعب دورا فاعلا في تحديد توجهات الأبناء.
وحددت وزارة الأوقاف المصرية العام الجاري ليكون عام الواعظات، وسلطت الضوء على الدور الاجتماعي الذي يمكن أن يقمن به من خلال المساجد والملتقيات والندوات ومراكز الشباب، وجرى توقيع اتفاقيات مع مؤسسات نسوية مختلفة لتدشين قوافل مشتركة مع جهات لها علاقة بالتواصل مع المرأة في القرى والأماكن النائية، ونظمت الوزارة مؤتمرا قبل ثلاثة أشهر حمل عنوان “تأهيل الواعظات ودورهن في مجال الدعوة وخدمة المجتمع”، بهدف نقل التجربة المصرية إلى الخارج.
وبالنظر إلى تأثير الواعظات المصريات فإنه مازال خافتا، ويحظى الرجال بالقدر الأكبر من ثقة المجتمع، بما فيه المرأة، للتوجه بالأسئلة الفقهية نحوهم، وهناك انطباع بأن الواعظات يفتقرن إلى القيمة العلمية والفقهية التي يتمتع بها الرجال بفعل خبرات الفريق الأخير المتراكمة في مجال الدعوة.
وينظر البعض إلى تحركات المؤسسات الدينية للاعتماد على المرأة كونها ضمن مساعي مواجهة تنظيمات دينية على رأسها تنظيم الإخوان الذي نجح في توظيف المرأة لاختراق المجتمع، وبالتالي هناك شكوك في إمكانية توظيفها سياسيًا.
ويؤكد تعامل وزارة الأوقاف المصرية مع الواعظات في السنوات الماضية أنها لا تثق بشكل كامل في قدراتهن، فقد حظرت ظهورهن على وسائل الإعلام، على الرغم من تعيين أكثر من 200 واعظة منذ سبعة أعوام، وقبل أن تجعل الباب مواربا أمام استضافة البعض منهن.
كما أن عدم فتح الباب لاستقدام الآلاف من خريجات الكليات الفقهية للعمل كواعظات ترك أسئلة عديدة حول أسباب عدم التوسع في الاعتماد عليهن، ما جعل البعض ينظر إلى التجربة من قبيل الدعاية السياسية لوزارة الأوقاف للتأكيد على أنها تبذل جهودا حثيثة لمواجهة الأفكار المتطرفة دون أن يغير ذلك الصورة الذهنية للمرأة الداعية.
وواجهت جهات دينية رسمية انتقادات جراء عدم اعتمادها على المرأة في المناصب القيادية قبل أن يتغير ذلك في العقد الأخير عقب الإطاحة بتنظيم الإخوان من السلطة منذ حوالي عشرة أعوام، وبالتالي فإن الجهات الحكومية غير مقتنعة اقتناعا كاملا بأن تصبح المرأة في كفة متوازية مع الرجل في هذا المجال، وقد تكون سيطرة قيادات من الصفين الثاني والثالث من المحسوبين على تنظيمات إسلامية عنصرا مساهما في ألا تلقى المرأة اهتماما داخل المؤسسات الدينية الرسمية.
وهناك 700 واعظة، منهن 40 واعظة عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر، وما يقرب من 42 منهن حصلن على درجة الدكتوراه، بجانب حصول مئة واعظة على رسالة الماجستير، فضلا عن إجادة الكثير منهن اللغات الأجنبية، وقررت وزارة الأوقاف مؤخرا تعيين 13 سيدة في مناصب قيادية.
وقالت أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنها (شمال القاهرة) هالة منصور إن “مشكلات الواعظات تتمثل في كونهن ليس لديهن نفس درجات الثقة داخل المجتمع مقارنة بالرجال، وهناك ثقافة شعبية سائدة ترفض أن ترى المرأة في وظيفة دعوية، وتعتقد أنها وظيفة ذكورية في المقام الأول، ولذلك تبقى درجة الاقتناع ضعيفة، ويبقى كلام الرجال مصدقا، فيما تظل ما تقدمه المرأة من معلومات محل شك إلى حين تثبت جدارتها”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “تحقيق الواعظات نجاحات على مستوى الوصول إلى الجمهور يتوقف على درجة وعي المتلقي من الرجال أو السيدات، ومنطقية ما تطرحه الواعظة ومدى تمتعها بمهارات التواصل والقدرة على توصيل المعلومات وتبسيطها، وفي الأغلب يقتصر دور الواعظات على الحديث مع السيدات في قضايا قد لا يكون ممكنا التحدث فيها أمام الرجال وتشكل إحراجا لدى البعض منهن”.
وذكرت أن الإقبال على المجال الدعوى من جانب السيدات في الوقت الحالي يرجع إلى وجود أعداد كبيرة من خريجات الكليات الفقهية التابعة للأزهر دون أن يجدن فرصة عمل مناسبة لهن، ويبقى ذلك خارج إطار المؤسسات الدينية من خلال التعامل مع جهات لديها اهتمام بتوعية المرأة، غير أنهن قد يصطدمن بتعامل المجتمع مع عدم المقبولية التي يواجهها بعضهن، ما يجعل هناك حاجة إلى المزيد من دورات التأهيل للتعامل مع المواطنين، وهو أحد الأدوار الإيجابية التي تقوم بها وزارة الأوقاف.
وسلط مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الضوء على العديد من المحاور، من بينها دور المرأة في بناء الوعي الثقافي وخدمة المجتمع وبناء الأسرة وتنشئة الطفل وتعزيز قيم التسامح والتعايش وصنع وبناء السلام.
وتحدثت بعض الواعظات المصريات عن أدوارهن اللاتي يقمن بها، تمثلت في التواجد في المساجد والتوعية بصحيح الدين، وكيف يكون الفهم الدقيق للدين الإسلامي، وتوعية السيدات اللاتي يترددن على المساجد بكيفية القيام بدورهن التوعوي والمجتمعي في تنشئة أجيال متزنة ومحصنة من الأفكار المتطرفة، إلى جانب التفاعل مع الاتفاقات التي تبرمها وزارة الأوقاف مع منظمات حقوقية تولي اهتماما بالمرأة مثل قضايا العنف، والإجابة على التساؤلات التي تهم السيدات في المجتمع.
وأكد عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عبدالغني هندي أن تجربة الواعظات المصريات مهمة لدعمها مسار الدعوة، وأن الجماعات المتطرفة وظفت غياب الجهات الدينية الرسمية في العديد من البؤر الرخوة، وتمددت من خلالها مجتمعيا، ما يتطلب جهودا فاعلة في كيفية دحض أفكارها عبر الاستعانة بسيدات أسوة بما كان يحدث من جانب هذه الجماعات التي وظفت دروس الدين وحفظ القرآن في تجنيد الفتيات وأمهاتهن.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الوصول إلى بيوت المواطنين هدف رئيسي للواعظات، وأن ذلك بحاجة إلى تأهيل وتدريب قوي، وهو مهمة الملتقيات والمؤتمرات المستمرة التي تعقدها وزارة الأوقاف، ولا تقتصر التدريبات على الثقافة الدينية وتمتد إلى خلق وعي بالثقافة العامة والمشكلات الاجتماعية وكيفية التعامل معها”.
وشدد على أن “قلة أعداد الواعظات نقطة ضعف، ويمكن التغلب عليها بالمزيد من التنسيق بين المؤسسات الدينية المختلفة، ولدى الأزهر اهتمام بتأهيل الواعظات التابعات له، ما يساهم في الاهتمام بالتعليم الأسري، ولدى الكثير من السيدات رغبة في التحدث مع نساء مثلهن، وتجربة الواعظات في مصر أثبتت ذلك”.
وبدأت وزارة الأوقاف المصرية الاستعانة بالواعظات لأول مرة في العام 2000، وقررت تعيين 48 مرشدة، وفي عام 2017 فتحت الباب للمتطوعات بعدة شروط، أبرزها أن تكون المتطوعة من خريجات جامعة الأزهر أو معاهد القراءات أو المراكز الثقافية المعتمدة من وزارة الأوقاف، وأن تجتاز الاختبارات التى تجريها الوزارة لهذا الشأن.
واستحدثت وزارة الأوقاف زيا مخصصا للواعظات، يعبر عن منهج الوسطية الذي تتبناه الوزارة، مع إضافة شعار يحمل اسم “واعظات الأوقاف”، ليكون معلما لهن، ولتغلق الباب أمام غير المتخصصات وغير المؤهلات وغير المسموح لهن بالدعوة.
وتقوم الواعظات بأداء الدروس الدينية في المساجد، والاهتمام بتربية النشء تربية إسلامية بعيدة عن التطرف، والمشاركة في الندوات والملتقيات الدينية والفكرية التي تنظمها المؤسسات المختلفة وفي جميع أنشطة المجلس القومي للمرأة، وحضور المناسبات الدينية مع رئيس قيادات الدولة. ويشاركن في بعثات الحج للتوعية.
وأكدت الدكتورة زينب الأشوح، أستاذة الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن “الواعظات بحاجة لأن يتسمن بنفس صفات الوعظ التي يقدمنها للمجتمع لكي تبقى هناك قدرة على الإقناع، وأن تتولد لديهن مصداقية بين القطاعات الشعبية المختلفة التي يخاطبنها، مع ضرورة الاعتماد على التخصص وليس من المعقول أن يتم الزج بالواعظات في الحديث عن قضايا قد لا يكن على دراية بها، ما يتسبب في فقدان الثقة في ما يقدمنه من معلومات، مع أهمية الخروج من المساجد والانتشار في المناطق الشعبية والقرى والنجوع".
وشددت في تصريح لـ”العرب” على أن "الواعظات بحاجة إلى معرفة نوعية الفئات الأكثر استهدافا، ويتم التركيز على الأطفال والمراهقين والأمهات والفتيات اللاتي يقدمن على الزواج أو في أشهر الزواج الأولى، مع دعمهن بمعلومات نفسية واجتماعية لتقييم السلوك البشري، ومن دون توزيع العاملات في مجال الدعوة على عدة أقسام للقيام بمهام محددة فإن ضعف الاستجابة لما يقدّمنه سيظل قائما".