الإيزيديون في سنجار.. السياسة تتحكم في مصير الأقليات

قضية التعاطف الدولي مع الإيزيديين تُستغل لصالح الأجندات السياسية للأحزاب المتناحرة.
السبت 2024/08/24
مظالم متواصلة

سنجار ( العراق) - ليست سنجار، الواقعة في شمال غرب العراق، مجرد منطقة جغرافية، بل هي روح الإيزيديين وملاذهم الأخير، إذ غالباً ما تسمع بينهم عبارة “سنجار هو الحصن الأخير لنا؛ بقاؤنا مرتبط بهذه الأرض” .

ويرى عزت نوح، وهو طالب دراسات عليا في مجال العلوم السياسية في جامعة بيليفيد في جمهورية ألمانيا الاتحادية في تقرير نشره منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن أن هذه البقعة الجغرافية كانت دائماً ذات أهمية إستراتيجية منذ وجودهم في بلاد الرافدين وحتى اليوم رغم تعرضهم للاضطهاد تاريخيا.

واختارت هذه الأقلية المسالمة العزلة والحياد للحماية من المآسي والانتهاكات التي تعرض لها أهلها على مر العصور.

وفي بداية القرن العشرين، عانوا من الإبادات الجماعية إبان الحكم العثماني، مرة لدفاعهم عن الأرمن الهاربين من الإبادة في تركيا ومرات عديدة لاختلاف معتقداتهم الدينية. وبعد رحيل العثمانيين ووصول الانتداب البريطاني، لم تتحسن أوضاعهم كثيراً، إذ استمرت التوترات في بعض المناطق وقدموا المزيد من الضحايا.

ومع قيام الدولة العراقية الحديثة، استمر تهميش الإيزيديين. وفي عهد حزب البعث، شهدت سنجار تغييرات ديموغرافية كبيرة، حيث تم تهجير سكانها من قراهم ونقلهم إلى مجمعات تفتقر لأبسط الخدمات.

الإيزيديون اختاروا العزلة والحياد للحماية من المآسي والانتهاكات التي تعرض لها أهلها على مر العصور

وبعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، لم يتغير الوضع نحو الأفضل بخصوص البنية التحتية ومستوى الفقر حتى جاء عام 2014، عندما احتل تنظيم داعش سنجار، محدثاً جرحاً عميقاً في قلب المجتمع الإيزيدي.

ويشعر الإيزيديون في سنجار أن العديدين قد خذلوهم، باستثناء الجبل الذي حماهم من الإبادة التي نفذها تنظيم داعش الإرهابي.

وهذه التجربة المروعة تركت أثرًا عميقًا في وجدان الإيزيديين، حيث شهدوا تجاهلًا كبيرًا من المجتمع الدولي والعراقي بأسره عندما كانوا يواجهون مصيرهم في منطقة كان العدو يطوقهم فيها من كل جهة.

ومع الوصول إلى الذكرى العاشرة للإبادة الجماعية للإيزيديين، يظل الثالث من أغسطس عام 2014 ذكرى مؤلمة عالقة في أذهانهم. فقد تعرضوا لهجوم وحشي، حيث قام تنظيم داعش بعملية تطهير عرقي ضدهم، مما أدى إلى مقتل واستعباد الآلاف من السكان. واستُعبدت النساء جنسياً واتُّخذن سبايا، ولا تزال آثار هذه الإبادة الجماعية تلاحق الأغلبية، مخلفة جروحاً نفسية واجتماعية واقتصادية عميقة بهذا المكون العراقي الأصيل.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 10 آلاف إيزيدي تم قتلهم. ووفقاً لمكتب إنقاذ المختطفين منهم عام 2023، فقد تم توثيق واكتشاف أكثر من 60 مقبرة جماعية وتعرض 70 مزاراً دينياً للتدمير.

الهاجس الأكبر للأقليات في العراق هو عدم استعادة الدولة قوتها وقدرتها على إدارة البلاد بشكل منفرد

ووقع 6417 شخصاً في قبضة التنظيم، تم تحرير 3554 شخصاً منهم، بينهم 1205 نساء و333 رجلاً و1992 طفلاً، بينما لا يزال الآخرون في عداد المفقودين.

وأدت الإبادة الجماعية إلى نزوح أكثر من 200 ألف شخص من سنجار إلى إقليم كردستان العراق. وتشير التقديرات إلى أن 160 ألفا هاجروا إلى دول العالم، وتعرضت المنطقة لتدمير شبه كامل.

ومع مرور الوقت، أصبح المجتمع الإيزيدي في سنجار ضحية للصراعات السياسية. وهذه الصراعات ليست ناجمة عن تقدير لعراقة وأصالة هذه الديانة، بل تعود بشكل رئيسي إلى الموقع الجغرافي الذي يقطنه هؤلاء السكان، وإلى الأصوات الانتخابية التي قد تُغير الخارطة السياسية في مناطق مثل محافظة نينوى.

وفي هذا السياق، تُستغل قضية التعاطف الدولي مع الإيزيديين لصالح الأجندات السياسية للأحزاب المتناحرة.

ولا شك أن هذا الوضع هو امتداد لصراع إقليمي أوسع نطاقًا على هذه المنطقة، وهو صراع زادت حدته بعد التغيرات الكبيرة التي خلفها تنظيم الدولة في العراق وسوريا.

وتتجاوز هذه الصراعات البُعد المحلي لتتداخل مع مصالح إقليمية ودولية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي.

الإبادة الجماعية أدت إلى نزوح أكثر من 200 ألف شخص من سنجار إلى إقليم كردستان العراق

ولا يخدم استغلال محنة الإيزيديين لأغراض سياسية قضية العدالة والإنصاف، بل يُفاقم من معاناتهم ويؤجج الصراعات الداخلية التي تهدد بتدمير النسيج الاجتماعي في هذه المنطقة الحيوية.

وأثرت الإبادة الجماعية بشكل كبير على سلوك الفرد الإيزيدي، حيث أصبحوا أكثر حساسية مقارنة بالفترة قبل ظهور تنظيم داعش.

ويعيش الإيزيديون الآن في أزمة هوية، حيث يتباين الاعتقاد بين الجماعة الكردية الأصيلة والجماعة الإثنودينية، وبين الاعتقاد بأنهم إيزيديون دينيًا وقوميًا فقط.

ولا شك أن الاعتقاد الأخير هو الأكثر تقبلاً لدى الجيل الحالي. وهذا التوجه يعكس استجابة الإيزيديين لمعاناتهم التاريخية، حيث يسعون إلى الحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية بوصفها عنصرًا أساسيًا من هويتهم الوطنية.

وتحتاج مجتمعاتهم إلى دعم مستمر وتعزيز الأمن لضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث الإنسانية في المستقبل.

الإيزيديون يشعرون أن العديدين قد خذلوهم، باستثناء الجبل الذي حماهم من الإبادة التي نفذها تنظيم داعش الإرهابي

وتقع المسؤولية على عاتق الحكومة العراقية التي ينادي بها الإيزيديون مثل غيرهم من المكونات العراقية الصغيرة، التي ترغب أن تتولى الحكومة المركزية المسؤولية الكاملة لحمايتهم من أجل عدم تكرار المآسي التي عانوها جراء سيطرة داعش على مناطقهم، ومن خلال انخراط أبناء تلك المناطق في المؤسسات الأمنية والإدارية، وإعادة إعمار البنية التحتية وتحفيز الاقتصاد المحلي وتحقيق العدالة الانتقالية لذوي الضحايا، وتعويض الأهالي ماديا جراء الخسائر التي لحقت بممتلكاتهم.

وإذا كانت بغداد فعلاً ترغب في احتضان الإيزيديين والأقليات الأخرى التي لم تحصل بعد على استحقاقها، يجب ضمان منح الإيزيديين حقوقهم الكاملة في البرلمان العراقي وفق عددهم الفعلي. كما ينبغي تمثيلهم بشكل مناسب في المناصب الأخرى بالمؤسسات السيادية، وأن يكون لهم ممثلون حقيقيون في البرلمان يعبرون عن آرائهم ومصالحهم، بدلاً من أن يكونوا محسوبين على جهات سياسية أخرى لا تعبر عن رأيهم الحقيقي.

والهاجس الأكبر لدى المكونات الصغيرة في العراق هو عدم استعادة الدولة قوتها وقدرتها على إدارة البلاد بشكل منفرد. وهناك خشية أن يكونوا مهددين بشكل مستمر من قبل التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وأن يكونوا عاملاً آخر في اندلاع صراعات محلية طائفية بين القوى المتناحرة التي تتنازع على النفوذ والسيطرة على جغرافية المناطق التي تضم الأقليات، بالإضافة إلى محاولات متكررة لتغيير الديموغرافيا في تلك المناطق، وألا يكونوا ضحايا لصفقات سياسية مشبوهة بين الأحزاب العراقية التي تتحكم بالمشهد السياسي منذ سقوط النظام العراقي عام 2003.

وتشعر الأقليات الدينية بأن قضايا حقوق الإنسان، بما فيها حقوق الأقليات، لم تعد بهذه الأهمية لدى القوى المتحكمة في المنطقة، لو استثنينا القوى الإقليمية التي لا تهتم بتلك القضايا أساسًا. ربما بسبب أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد تحظى بهذه الأهمية، أو أن الأولويات تغيرت بسبب المخاطر ومصالح الدول التي تسيطر على المشهد الدولي.

6