تركيا تتوغل بسرعة في قطاعي النفط والذهب في أفريقيا

تعتزم تركيا إرسال سفينة الأبحاث "أوروتش رئيس" إلى المناطق البحرية التابعة للصومال في سبتمبر المقبل. وتأتي هذه الخطوة في إطار جهود أنقرة لتعزيز وجودها في أفريقيا وتأمين مصادر الطاقة بشكل أكبر، وهو ما من شأنه أن يساعدها على تنويع إمداداتها، وهي جزء من مسعى أنقرة المستمر لتعزيز العلاقات في منطقة تتنافس فيها كذلك الصين وروسيا والغرب على بسط النفوذ.
إسطنبول - قبل عقدين من الزمان كانت الصين رائدة في ما يسمى “نموذج أنغولا”، حيث قدمت قروضًا مدعومة بالنفط إلى أنغولا ودول أفريقية أخرى لتمويل بناء الطرق والسدود الكهرومائية والسكك الحديد وغيرها من مشاريع البنية الأساسية.
وبين عامي 2000 و2022 اقترضت أنغولا 45 مليار دولار من الصين، وسددت بعضها بالنفط.
ولسوء الحظ لم يدم هذا النموذج طويلاً، حيث لاحظت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن أنغولا تراجعت إلى المرتبة الثامنة من حيث أكبر مورّد للنفط الخام إلى الصين، بعد أن كانت في المرتبة الثانية في عام 2010.
وكانت حقول النفط المتقادمة وسنوات من نقص الاستثمار والبنية الأساسية الرديئة وعدم الاستقرار الجيوسياسي بمثابة لعنة لكبار المنتجين بما في ذلك أنغولا ونيجيريا، ولكن أيضًا لعنة لصغار المنتجين مثل جنوب السودان.
وتحركت الصين نحو البلدان ذات البنية الأساسية الأكثر موثوقية بما في ذلك روسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وعمان وقطر.
والآن تتطلع بلدان أخرى إلى التدخل وسد الفجوة الهائلة التي خلفتها الصين ونفوذ الغرب المتضائل في أفريقيا.
تركيا سترسل في الشهر المقبل سفينة الأبحاث "أوروتش رئيس" لاستكشاف كتل النفط البحرية التابعة للصومال
وقد أصبح النفوذ الروسي المتزايد في القارة واضحا على مدى العامين الماضيين حيث رحبت الكثير من الحكومات الأفريقية بالعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية مع روسيا في الوقت الذي يعتبرها الغرب منبوذة دوليا بسبب حربها في أوكرانيا.
ويقول الباحث أليكس كيماني في تقرير على موقع أويل برايس الأميركي إن تركيا، أحد أقرب حلفاء روسيا في أوروبا، وجدت موطنًا مرحبًا به في أفريقيا.
وفي محاولة لتوسيع نفوذها في أفريقيا وتعزيز أمن الطاقة سترسل تركيا في الشهر المقبل سفينة الأبحاث التي يبلغ طولها 86 مترًا “أوروتش رئيس” لاستكشاف كتل النفط البحرية التابعة للصومال.
ويمكن أن تساعد هذه الخطوة في تنويع إمدادات تركيا من النفط الخام وهي جزء من سعي أنقرة المستمر لتعزيز العلاقات في القارة الضخمة.
وقال باتو كوكون، زميل الأبحاث المقيم بأنقرة في مؤسسة صادق الليبية للأبحاث، “أفريقيا مثيرة للاهتمام بالنسبة إلى تركيا لأنها نقطة يمكنها من خلالها تجربة جميع أدوات وأهداف السياسة الخارجية النشطة التي اكتشفتها حديثًا”. وأضاف كوكون “إنها القوة الناعمة من ناحية، مثل المساعدات والتعليم ومراكز اللغة التركية… والعلاقات التجارية والاقتصادية من ناحية أخرى”.
الصومال تقدم لتركيا موقعًا جغرافيًا إستراتيجيًا لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي
وأسست تركيا بالفعل وجودًا قويًا في الصومال المنهك من الحرب، حيث تدير أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج بينما تدير الشركات التركية ميناء ومطار العاصمة.
وقد زودت شركة الطائرات دون طيار التركية بايكار الصومال بعدد غير معروف من طائراتها دون طيار من طراز تي.بي.2، وهو ما أدى إلى توسيع هجوم البلاد ضد حركة الشباب الإسلامية.
وفي وقت سابق من هذا العام وافق البرلمان التركي على اقتراح الرئيس رجب طيب أردوغان إرسال دعم بحري إلى المياه الصومالية وسط زيادة في القرصنة المرتبطة بانعدام الأمن في البحر الأحمر.
وقال عمر محمود، المحلل البارز لشرق أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، “بالنسبة إلى تركيا، تقدم الصومال موقعًا جغرافيًا إستراتيجيًا لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي. لقد خدم التعامل مع الصومال كحالة اختبار وحجر أساس لإستراتيجية تركيا الشاملة لتعميق العلاقات الدبلوماسية والتجارية والأمنية عبر القارة الأفريقية”.
ووفقًا لوزارة الخارجية التركية، قدمت تركيا للصومال على مدى العقد الماضي أكثر من مليار دولار كمساعدات.
وفي حين أن هذا قد لا يبدو كثيرًا، يعتبر الصومال من بين أفقر دول العالم على هذا الكوكب، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 10 مليارات دولار.
ومع ذلك، فإن الصومال ليس سوى منصة انطلاق لتركيا في سعيها إلى بسط نفوذها في القارة. وفي وقت سابق من هذا العام زار وفد بقيادة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان النيجر ووقع على مجموعة من الصفقات بعد أن أمرت الحكومة العسكرية في البلاد الولايات المتحدة بإغلاق قاعدتها العسكرية وطرد القوات الفرنسية.

واستأنفت النيجر للتو صادرات النفط بعد أن توصلت إلى اتفاق مع بنين المجاورة في أعقاب نزاع حدودي حديث. وأوقفت شحنات النفط الخام في يونيو الماضي بعد أن أغلقت الدولة الواقعة في غرب أفريقيا خط أنابيب تديره شركة البترول الوطنية الصينية ويربط حقل النفط أغاديم بمحطة سيمي كبودجي في بنين.
وقال وزير الطاقة في بنين سامو أدامبي للصحافيين “توصلنا إلى اتفاق. بدأ تحميل النفط الخام “. وأكد مكتب رئيس الوزراء علي لامين زين استئناف الشحنات.
وتعتمد النيجر على خط أنابيب التصدير بين النيجر وبنين الذي يبلغ طوله 1950 كيلومترًا، والذي بنته شركة البترول الوطنية الصينية كجزء من استثمار بقيمة 4.6 مليار دولار في صناعة البترول في البلاد، لسداد قرض بقيمة 400 مليون دولار من الشركة الصينية.
وتخطط النيجر لاستخدام العائدات الناتجة عن شحنات النفط لسداد القرض. وسيعمل خط أنابيب النيجر وبنين التاريخي الذي يبلغ إنتاجه 110 آلاف برميل يوميًا على زيادة إنتاج النيجر من النفط الخام بمقدار خمسة أضعاف وجعل البلاد مصدرًا مهمًا لهذه المادة.
وقبل بناء خط الأنابيب أنتجت النيجر غير الساحلية 20 ألف برميل يوميًا فقط من النفط الخام من حوض أغاديم ريفت، والذي كانت تستخدمه في المقام الأول محليًا بسبب عدم وجود طريق للتصدير.
وتقوم شركة التعدين التركية بالتنقيب عن الذهب في النيجر. وأجرت تركيا محادثات مع الجزائر وكوت ديفوار وزيمبابوي في الأشهر الثلاثة الماضية.
وفي الأثناء بذلت شركة “أفرو تورك إس إيه” جهوداً لدخول سوق الذهب في بوركينا فاسو، في حين تقوم الخطوط الجوية التركية الآن بتسيير رحلات إلى العشرات من المواقع النائية في القارة.
وتمكنت تركيا من تحقيق اختراقات سريعة في أفريقيا. وقال كوكون “إذا وافق أردوغان على الصفقة، فسوف تمر ببساطة. الأمر ليس مثل الكونغرس الأميركي الذي يفحص كل عملية بيع”.