مساع أردنية لتوسيع مشاركة القطاع الخاص في التنمية

الحكومة أمام تحدي تعزيز مرونة مناخ الأعمال وإعطاء كافة المشاريع الإستراتيجية محفزات جديدة.
الخميس 2024/08/22
في ترقب دعم المستثمرين

يسعى الأردن إلى تخطي إحدى أهم العقبات في رؤية التحديث الاقتصادي، والمتمثلة في تعزيز دور القطاع الخاص، وتسليمه جزءا من برامج التنمية ومشاركة القطاع العام، في ظل الضغوط المكثفة من قبل أوساط الصناعيين لتعديل بوصلة قطاعهم.

عمّان - تظهر الحاجة بشكل ملح في الأردن إلى مساعدة القطاع الخاص في عملية تمويل التنمية لتحقيق أهدافها في مواجهة التحديات المحلية والعالمية، لاسيما مع كثرة مشاكل الدولة، وضعف قدرتها على تحقيق تطلعات المواطنين على النحو المطلوب.

ويتسارع مخاض الحكومة بحثا عن نموذج جديد للتنمية الاقتصادية، فهي تبحث منذ فترة توجيه البوصلة باتجاه القطاع الخاص ليقود قاطرة الأنشطة التجارية والاستثمارية بما يساعد على إعطاء النمو زخما إضافيا وفي الوقت ذاته مواجهة معضلة.

ومع ذلك تواجه السلطات ضغوطا أكبر من قبل أوساط الأعمال لتعديل أوتار تجربة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي لا تزال بعيدة عن الأهداف رغم إعلان المسؤولين بين الفينة والأخرى أنها ضرورية لجذب تمويلات جديدة وخفض الإنفاق.

حمدي الطباع: إقامة مشاريع مع القطاع الخاص تقلل الاعتماد على الخارج
حمدي الطباع: إقامة مشاريع مع القطاع الخاص تقلل الاعتماد على الخارج

وتتفق الأوساط الاقتصادية على أن القطاع الخاص قادر على تنفيذ المشاريع الاستثمارية الإستراتيجية الكبرى التي تحتاجها البلاد، لكونه يمتلك الإمكانيات اللازمة لتنفيذها.

وترى أن الاستثمار الخاص مهم في مختلف المجالات، لاسيما مشاريع البنية التحتية والمياه والطاقة، نظرا لدوره المحوري في دفع عجلة النمو وتحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى توفير فرص العمل.

ولكنها في الوقت ذاته تعتقد أنه ليتمكن القطاع الخاص من المساهمة بصورة فعالة في المشاريع، سيحتاج إلى شراكات دولية، لتوفير التقنيات الحديثة والمعرفة وتبسيط الإجراءات وتحسين بيئة الأعمال، والحفاظ على بيئة تشريعية مستقرة.

ويعد الناقل الوطني من أهم مشاريع رؤية التحديث التي تعمل الحكومة عليها لرفد الاقتصاد وتحقيق الاستدامة الذاتية والمالية، وليكون إحدى الركائز لسد الفجوة المائية بين ما هو مطلوب وما هو متوافر من كميات المياه لخدمة السكان.

والهدف الأساسي من المشروع الذي تبلغ كلفته 352 مليون دولار، هو زيادة إمدادات المياه عبر توفير 300 مليون متر مكعب إضافية من المياه سنويا بعد عمليات التحلية ونقلها من العقبة إلى عمّان وبقية المحافظات.

ويرى رئيس جمعية رجال الأعمال الأردنيين حمدي الطباع أن إقامة المشاريع بالاعتماد على القطاع الخاص تقلل الاعتماد على المصادر الخارجية، خاصة في ظل وجود حاجة ملحة إلى هذه المشاريع وسط تحديات جيوسياسية تمر بها المنطقة.

ونسبت وكالة الأنباء الأردنية الرسمية إلى الطباع قوله إن “الناقل الوطني اقترن بأن يكون مشروعا وطنيا بامتياز يعزز الشراكة بين القطاعين العام والخاص للمساهمة في إنشاء أحد أهم المشاريع الاستثمارية”.

وشدد على ضرورة إنشاء شركة وطنية للمشروع بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال توفير منح وقروض للمشروع.

خير أبوصعيليك: على الشركات بناء تحالفات تجعلها تلبي معايير الاستثمار
خير أبوصعيليك: على الشركات بناء تحالفات تجعلها تلبي معايير الاستثمار

ويعتقد الطباع أن المشروع يحتمل تجزئته إلى مرحلتين من خلال تشغيل مشروع تحلية المياه بكل توابعه من قبل شركات أجنبية مؤهلة، وتشغيل مشروع نقل المياه المحلاة بخطوط وأنابيب ومحطات ضخ يوزع ما بين الحكومة وشركات أردنية محلية.

وقال إن هذه الطريقة “ستسهم في خفض كلفة المشروع وستعزز مساهمة الرأس المال المحلي والقدرات والإمكانات والخبرات المحلية القادرة على تنفيذه”.

ويعمل الأردن على تنفيذ أجندة شاملة للقطاعات الإنتاجية وفي كل المجالات حتى العام 2033 عبر تسريع النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل وتخفيف آثار الفقر وتمكين القطاعات المعنية وتحسين الخدمات المقدمة إلى المواطنين.

لكن بعد مرور أكثر من عامين على إطلاق هذه الرؤية الطموحة، يبدو الأردن في وضع لا يحسد عليه من الناحية الاقتصادية، خاصة مع تداعيات الحرب في غزة التي تقترب من دخول شهرها الثاني عشر.

وكان منتدى الإستراتيجيات الأردني قد حذر من أن الحكومة ستواجه تحديات كبيرة لجعل الاقتصاد يمتص تأثيرات الحرب في غزة على الاقتصاد المحلي خلال العامين الحالي والمقبل.

وسلط المنتدى في تحليل نشره في يناير الماضي، بعنوان “مخاطر الأردن بعد الحرب على غزة: هل تغيرت أو بقيت كما هي؟”، الضوء على المخاطر المتوقعة على البلاد، ومقارنتها مع المخاطر التي رصدها المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير 2024.

وأشار التحليل إلى أنه وفق نتائج تقرير دافوس، فإن البطالة من بين أبرز المخاطر الخمسة المتوقع أن تكون الأكثر تأثيرا على الاقتصاد الأردني، تلاها الدين العام والتضخم والانكماش الاقتصادي والأمراض المعدية.

إياد أبوحلتم: هناك مشاريع لا تستطيع الحكومة الإنفاق عليها بمفردها
إياد أبوحلتم: هناك مشاريع لا تستطيع الحكومة الإنفاق عليها بمفردها

ومع ذلك يبدي رئيس المنتدى الاقتصادي الأردني خير أبوصعيليك ثقته بأن القطاع الخاص لديه الخبرة والمؤهلات الكافية لتنفيذ المشاريع التي تنوي الحكومة طرحها. كما أكد قدرته على عقد شراكات مع كبرى الشركات العالمية بهدف نقل التكنولوجيا.

‏وقال إن “التجارب السابقة أثبتت أن القطاع الخاص الأردني قام بتنفيذ المشاريع الحكومية بجودة وحرفية عالية، ووفق الجداول الزمنية المقررة”.

وأكد أبوصعيليك أن المطلوب من الشركات بناء تحالفات وشراكات تمكنها من تلبية معايير المشاريع الكبرى، لتكون مؤهلة للتقدم وفق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وكذلك توفير التمويل اللازم عبر دراسات الجدوى المقبولة لدى القطاع المصرفي.

وتستهدف الحكومة تطوير قطاعات الزراعة والطاقة والمياه والتعدين والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والأسواق والخدمات المالية والرعاية الصحية والتجارة والصناعة والسياحة والتعليم وسوق العمل.

كما تريد السلطات الارتقاء بمستوى النقل والخدمات اللوجستية والتنمية الحضرية والصناعات المبتكرة والسياسة المالية والاستثمار وبيئة الأعمال.

واعتبر رئيس جمعية مستثمري شرق عمّان الصناعية إياد أبوحلتم أن المشاريع التي تتحدث عنها الحكومة ضمن الإنفاق الرأسمالي التي يعول عليها في تنشيط دورة رأس المال في الاقتصاد ولتفعيل شراكة القطاعين العام والخاص، وتحديدا في البنية التحتية.

وقال إن هذه المشاريع “لا تستطيع الحكومة تمويلها، ما يستوجب طرحها كمشاريع للشراكة مع القطاع الخاص”.

وضرب أبوحلتم مثالا على ذلك، وهو مشروع مطار الملكة علياء الدولي، مبينا أن إحالة الحكومة مشروع الناقل الوطني كعطاء دولي ستشغل العديد من الأيدي العاملة المحلية، خاصة في قطاع المقاولات والإنشاءات.

وأشار إلى أن مختلف مشاريع البنى التحتية ستكون فرصة بالنسبة إلى القطاع الخاص المحلي، وتحقق مصلحة متبادلة، كمشاريع الجسور المدفوعة وتطوير الشبكات الكهربائية ومشاريع الهيدروجين الأخضر وغيرها.

10