المستفيدون من الإفراج الرئاسي في الجزائر بين الاندماج السلس والعودة إلى الإجرام

مساجين حولوا اللفتة الإنسانية إلى مآس اجتماعية.
الخميس 2024/08/22
إصلاح وتأهيل

يعمد عدد من المستفيدين من العفو الرئاسي في الجزائر إلى ارتكاب جرائم مروعة، الأمر الذي تحول إلى امتعاض واستياء تجاه القرار الذي لم يراع البنية النفسية والسلوكية للأفراد الذين لا يستحقون فرصة الإفراج. وكانت الحكومة قد قررت سابقا حذف شهادة السوابق العدلية من شروط التوظيف في المناصب العادية، على أمل مساعدة المساجين على الاندماج السلس في المجتمع.

الجزائر - اهتز الشارع الجزائري بالقرب من العاصمة على وقع جريمة قتل بشعة نفذها سجين سابق استفاد من قرار العفو الرئاسي، لتطرح بذلك تساؤلات حول جدوى الإفراج الدوري عن المساجين، في ظل عدم قدرة هؤلاء على الاندماج المرن في المجتمع، لاسيما وأن الالتفاتة الإنسانية للقاضي الأول في البلاد، لم تعد تحقق المأمول في التعاطي مع الفئة المذكورة، ففيما يتم الاحتفاء بالناجحين منهم في الامتحانات الدراسية، تسجل عودة البعض منهم إلى سلوك الإجرام.

حوّل مستفيدون من إجراءات العفو الرئاسي التي دأب القاضي الأول للبلاد (رئيس الجمهورية) أن يصدرها دوريا في المناسبات والأعياد الدينية والوطنية، إلى فرصة للشك في جدوى اللمسة الإنسانية التي يبديها الرجل الأول في الدولة تجاه فئة المساجين، بسبب عودتهم إلى الإجرام وبث الرعب في صفوف المجتمع.

وتتحدث تقارير محلية من حين إلى آخر عن ارتكاب جرائم مروعة، أصحابها من المترددين على السجون والمستفيدون من العفو الرئاسي، الأمر الذي يتحول إلى امتعاض واستياء تجاه القرار أصلا بما أنه لم يراع البنية النفسية والسلوكية للأفراد الذين لا يستحقون فرصة الإفراج.

وبغض النظر عن نوعية الفئات التي تستفيد من الإجراء، فعادة ما يستثنى منه الضالعون في الإجرام الخطير، وحتى المرتبطون بأعمال مناوئة لمؤسسات الدولة ورموزها، إلا أن الفئة التي تستفيد في الغالب، والتي ينظر إليها بزاوية الإجرام الخفيف، كثيرا ما أفرزت أخطاء في حق المجتمع، نظير ثباتها على نفس التركيبة السلوكية والنفسية، فتعاود نفس الجرائم أو أكثر منها.

وفيما يجري الاحتفاء بالنزلاء الناجحين في مختلف الشهادات الدراسية، ويجري تسويقهم على دور المؤسسات العقابية لتقويم شخصياتهم، ولذلك يكونون في طليعة الحائزين على الإفراج، إلا أن بعض النماذج الأخرى تبعث على انتقاد القرار برمته، قياسا بخطرهم على المجتمع وتحويل تجربتهم إلى مصدر للغضب والاستياء بسبب ما يخلفونه من مآس وأحزان.

وتبذل السلطة القضائية جهودا مضنية من أجل ما تسميه بـ”أنسنة” السجون وتوفير المعايير الحقوقية والإنسانية داخل المؤسسات العقابية، خاصة في ما يتعلق بتوفير شروط الدراسة والتكوين، ليكونا دعامة للسجين من أجل الاندماج في المجتمع بعد قضاء محكوميته، إلا أن المسألة تبقى نسبية قياسا بالتركيبة النفسية والسلوكية التي يخرج بها النزيل، واستعداد المحيط الاجتماعي لإدماجه خاصة في مجال الشغل.

وكانت الحكومة في وقت سابق، قد قررت حذف شهادة السوابق العدلية من شروط التوظيف في المناصب العادية، على أمل مساعدة هؤلاء على الاندماج السلس، لكن جهودها باتت تصطدم بارتفاع منسوب الإجرام في المجتمع وتنامي الانحراف الأخلاقي، وانتشار وسائل الجريمة كالمخدرات والمهلوسات المدعومة بظروف الفراغ والبطالة.

وحسب بيانات رسمية، فإنه “استفاد أكثر من 17.400 محبوس من تدابير الإفراج المشروط منذ بداية السنة الجارية بفضل برامج إعادة الإدماج الاجتماعي الهادفة إلى مكافحة الجريمة والحد من ظاهرة العود”.

وصرح وزير العدل حافظ الأختام عبدالرشيد طبي، لدى إشرافه بالمؤسسة العقابية للقليعة على تكريم المتفوقين الأوائل في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط من المحبوسين، رفقة وزير التكوين والتعليم المهنيين ياسين مرابي، بأنه “بغرض تشجيع الانخراط في برامج إعادة الإدماج الاجتماعي الرامية إلى مكافحة الجريمة والحد من ظاهرة العود، تقرر تفعيل الإفراج المشروط بشكل أكبر”.

◙ الحكومة كانت قد قررت حذف شهادة السوابق العدلية من شروط التوظيف في المناصب العادية لمساعدة المساجين

وأضاف “النظام العقابي الجزائري يولي لإعادة إدماج المحبوسين اجتماعيا أهمية بالغة من الرعاية، تتجسد من خلال آلية الإفراج المشروط المندرجة ضمن أنظمة تكييف العقوبة بهدف تحفيز وتشجيع المحبوسين الذين يثبتون حسن السيرة والسلوك، على الانخراط في مختلف برامج إعادة الإدماج”.

وشدد على أن الإفراج المشروط يعد آلية فعالة للعودة المتدرجة إلى المجتمع بمتابعة من قضاة تطبيق العقوبات والمصالح الخارجية، معيدا التذكير بمبادرة رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون بمناسبة الذكرى الـ62 للاستقلال والشباب، بإصدار مرسوم عفو رئاسي لفائدة المحبوسين الذين تحصلوا على شهادات في التعليم أو التكوين، لتحفيزهم وتمكينهم من مواصلة مشوارهم التعليمي والمهني.

ولفت وزير العدل أنه سجل ارتفاعا “ملحوظا” في النتائج المحققة لدى فئة المحبوسين مقارنة بالموسم الدراسي الماضي، حيث فاقت نسبة نجاح النزلاء في شهادة البكالوريا العام الجاري الـ63 في المئة من إجمالي المشاركين. واعتبر أن “هذه النتيجة والنتائج المحققة في الامتحانات التعليمية الأخرى، تترجم نجاعة سياسة الدولة الخاصة بإعادة إدماج المحبوسين التي يحتل فيها التعليم العام في جميع الأطوار والتكوين المهني حيزا هاما”.

وتغيب البيانات الرسمية عن نسب النجاح في الاندماج الاجتماعي لخريجي السجون، ونسب الفشل والعود إلى نفس السلوك، إلا ما يتم تداوله في تقارير محلية عن جرائم لخريجين سابقين أو خريجين جدد للسجون، كما حدث مؤخرا بالقرب من العاصمة في جريمة قتل بشعة قام بها سجين سابق. وعادة ما يجري التسويق لسياسة أنسنة السجون، والأنشطة الداخلية والإنتاجية، على غرار إطلاق وزير العدل لمشروع خيري بالتنسيق مع الهلال الأحمر الجزائري يتعلق بخياطة أكثر من 50 ألف مئزر دراسي من قبل أزيد من 600 نزيل في 18 ورشة تتوفر بالمؤسسات العقابية عبر الوطن.

وذكر بيان للسلطة الوصية، بأنها سجلت أعلى معدل في البكالوريا بالمؤسسة العقابية بابار بخنشلة بـ18.39 شعبة تسيير واقتصاد، في حين بلغ أعلى معدل في شهادة التعليم المتوسط 17.06 بالمؤسسة العقابية أم البواقي. ويرى متابعون أن تطور السياسة العقابية أدى إلى تطور وظيفة السجن من الانتقام والتعذيب إلى الإصلاح والتأهيل، وأصبح الهدف الأساسي للتنفيذ العقابي هو تأهيل المحكوم عليه عن طريق إعداده وتهيئته ليأخذ مكانه في المجتمع من جديد وأن يكون عضوا صالحا محترما لنظامه القانوني.

وترتب على ذلك أن أصبح التأهيل حقا أساسيا للمسجون كفلته له المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية، وتتفرع عن التأهيل بوصفه حقا أساسيا للمسجون العديد من الحقوق التي كفلتها له المواثيق الدولية، وقواعد الحد الأدنى لمعاملة المساجين فحرصت هذه الأخيرة على توضيح أنواع أساليب المعاملة العقابية التي تحقق هذا التأهيل، ومن أجل ذلك يجب استخدام الوسائل الملائمة من الرعاية، والتعليم والتوجيه والتدريب المهني، والخدمة الاجتماعية الفردية والتشغيل الموجه والتربية البدنية وتقوية الصفات الخلقية وفق الحاجات الفردية لكل مسجون مع مراعاة تاريخه الاجتماعي، وماضيه الإجرامي، وقدراته العقلية والجسمانية، واتجاهاته وميوله، ومزاجه الشخصي وطول مدة عقوبته وطموحاته بعد الإفراج، على أن المسجون يحتفظ بكل حقوقه عدا التي تقتضيها عملية السجن.

15