تزايد المخاوف الصحية في ظل تفشي الشعور بالوحدة بين سكان العالم

البالغون الأصغر سنا في الصين والولايات المتحدة يشعرون بالوحدة أكثر من كبار السن.
الأربعاء 2024/08/21
الشعور بالوحدة مؤلم

أدرجت منظمة الصحة العالمية في أواخر العام الماضي الوحدة في قائمة المخاوف الصحية، نظرا لتداعياتها البدنية والعقلية الخطيرة على الأفراد. ويمكن أن يكون الأشخاص الذين يحسون بالوحدة أكثر عرضة للشعور بالضغط والقلق والاكتئاب. ويمكن أن يساهم الإدمان على استخدام الهواتف والتصفح اللانهائي للرسائل والتطبيقات في الشعور بعدم السعادة وبالأمور المتعلقة بالصحة العقلية.

لندن - يشعر ربع سكان العالم تقريبا بالوحدة، وفقا لمنظمة أبحاث واستطلاعات الرأي الأميركية جالوب، التي حذر العاملون فيها من توقع حدوث “تداعيات بدنية وعقلية خطيرة” نتيجة لذلك. وفي أول استطلاع عالمي من نوعه تقوم به منظمة جالوب بهذا الشأن، قال 23 في المئة من المشاركين إنهم شعروا بالوحدة ” كثيرا خلال اليوم السابق” وبذلك من المرجح أن يكونوا أكثر عرضة بواقع 36 نقطة مئوية ” لمكابدة الحزن” مقارنة بالآخرين، كما من المرجح بنحو 20 نقطة أن يشعروا بالغضب أكثر من غيرهم.

وأوضح الاستطلاع أنه من المرجح أن يقول الذين يشعرون بالوحدة إنهم غضبانون أو يعانون من ألم بدني وذلك بنسبة 26 نقطة مئوية أكثر من الآخرين، كما أنه من المرجح أن يكونوا أكثر شعورا بالقلق والضغط بواقع 31 و30 نقطة على التوالي مقارنة بالآخرين.

وتتباين مستويات الشعور بالوحدة بين الدول والفئات العمرية، حيث من المرجح أن يكون الذين يبلغون من العمر أكثر من 50 عاما أكثر عرضة لمثل هذه المشاعر، ولكن هذه النسبة أقل بكثير في الصين والولايات المتحدة، حيث يبدو أن البالغين الأصغر سنا يشعرون بالوحدة أكثر من كبار السن.

وكشف الاستطلاع أن الأشخاص الأقل إحساسا بالوحدة في العالم ينتمون إلى استونيا وفيتنام وكوسوفو وكازاخستان، حيث يشعر شخص واحد فقط من بين كل 10 أشخاص بالوحدة، في حين حل الأشخاص من آيسلندا وبولندا وسلوفينيا وتايوان في المرتبة الثانية بنسبة 11في المئة.

ومن الملاحظ أن هذه النتائج تتضح على الرغم من عقود من الانجازات التكنولوجية، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، التي يمكن أن تساعد الأشخاص على استمرار التواصل كل منهم مع الآخر بدرجة لم يسبق لها مثيل في التاريخ البشري. مع ذلك، هناك مؤشرات على أن الإدمان على استخدام الهواتف والتصفح اللانهائي للرسائل والتطبيقات يساهمان في الشعور بعدم السعادة وبالأمور المتعلقة بالصحة العقلية.

وأظهرت دراسة نشرتها دورية جاما للطب النفسي أن المراهقين الذين يمضون أكثر من ثلاث ساعات يوميا في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي يواجهون أخطارا متزايدة للتعرض لمشاكل الصحة النفسية والعقلية، بما في ذلك الوحدة والاكتئاب والانتحار. وكان الجراح العام الأميركي فيفك مورثي قد أوضح خلال عام 2023 "المخاوف المتزايدة" من أن وسائل التواصل الاجتماعي تلحق ضررا بالمستخدمين صغار السن.

كما حذر مورثي في نفس العام من أن “وباء الوحدة” الأكثر توسعا في أميركا، يعرض الأشخاص لخطر أكبر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والخرف والسكتة الدماغية والاكتئاب والقلق والوفاة المبكرة. كما أدرجت منظمة الصحة العالمية في أواخر 2023 الوحدة في قائمة المخاوف الصحية.

ووفقا لبعض الدراسات، فإن التوزيع الديموغرافي والتغيرات الاجتماعية في الدول الغنية ساهمت في تعزيز الشعور بالوحدة، في ظل انكماش حجم الأسر بالإضافة إلى تزايد احتمالات وضع الأكبر سنا في دور رعاية أو تمريض بدلا من أن تقوم أسرهم برعايتهم وهم في خريف عمرهم.

◙ من المرجح أن يكون الأشخاص الذين يحسون بالوحدة أكثر شعورا بالقلق والضغط بواقع 31 و30 نقطة مقارنة بالآخرين

ونشر أطباء جامعة هارفارد الشهر الماضي بحثا يظهر أن الذين يبلغون من العمر أكثر من 50 عاما "الذين عانوا من الوحدة المزمنة” من المرجح بنسبة 56 في المئة أن يصابوا بالسكتة الدماغية مقارنة بغيرهم ممن في نفس عمرهم. وقد تم طرح روبوتات "لمرافقة" كبار السن الذين يشعرون بالوحدة في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

ونشرت دورية ساينس روبوتكس العام الماضي ورقة بحثية تقترح إضافة روبوتات ذكاء اصطناعي يمكن أن "تجري حوارا" للدردشة مع أصحابها الذين يشعرون بالوحدة. ويمكن للرفيق المدعوم بالذكاء الاصطناعي أن يجرى أحاديث تلقائية، كما يمكن أن يحاكي أصوات الأشخاص المحببين لدى الشخص الذي يشعر بالوحدة، مما يساعد في تخفيف الشعور بالضغط والوحدة.

وقال مورالي دوريسوامي أستاذ الطب النفسي وطب الشيخوخة في جامعة ديوك الأميركية والعضو بمعهد ديوك لعلوم المخ إن الأدلة كلها تشير الآن إلى أن "الصديق الحقيقي هو أفضل حل". وأضاف "ولكن حتى يحين الوقت الذي يعطي فيه المجتمع أولوية للتواصل الاجتماعي ورعاية الكبار، فإن الروبوتات هي الحل لملايين من الأشخاص الذين يشعرون بالعزلة وليس لديهم حلول أخرى".

مع ذلك، خلص استطلاع تم إجراؤه في نفس الوقت تقريبا، وشمل عاملين في أربع دول، إلى أن الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي أثناء العمل من المرجح أن يشعروا بالوحدة ويعانوا من مشاكل في النوم بنسبة أكبر من الآخرين. وتزيد الوحدة وعدم وجود أصدقاء من مخاطر الوفاة المبكرة، فقد توصلت دراسة أجريت على 300 ألف شخص إلى أن عدم وجود شبكة اجتماعية حول الفرد أو عدم حصوله على الدعم الاجتماعي يزيد من خطر الوفاة المبكرة مثل خطر تدخين 15 سيجارة في اليوم الواحد.

وفي المقابل فإن المشاركين الذين خطوا بشبكة اجتماعية قوية ازداد لديهم احتمال البقاء على قيد الحياة بنسبة 50 في المئة، وفقا للدكتورة جوليان هولت لونستاد، أستاذة علم النفس وعلم الأعصاب في جامعة بريغهام يونغ الأميركية. كما وجدت دراسة أخرى أجريت على 3.4 مليون شخص أن العزلة الاجتماعية تزيد من مخاطر الوفاة المبكرة بنسبة 30 في المئة.

وتعد الوحدة من أهم العوامل التي تؤدي إلى الاكتئاب، ففي دراسة تعود لعام 2006 والتي شارك فيها متطوعون في منتصف العمر وكبار السن، وجد أن المستويات العالية من الوحدة ترتبط بزيادة مخاطر الاكتئاب بالإضافة إلى أن هذه العلاقة بين الوحدة والاكتئاب تظل مع الفرد طوال حياته.

وتزيد الوحدة من مخاطر حدوث التهاب في الجسم. ففي دراسة أجراها البروفسور "ستيف كول" أستاذ الطب النفسي والعلوم السلوكية بجامعة كاليفورنيا الأميركية، وجد أن الوحدة تحفز الجينات المسؤولة عن حدوث الالتهاب بالجسم.

والالتهاب في أساسه هو استجابة طبيعية من الجسم هو آلية للدفاع تحميه من العدوى والإصابة، أما الوحدة والعزلة فهما مرتبطتان في ذهن الإنسان الأول بمهاجمته من قبل حيوان مفترس أو مجموعة غريبة من الناس، لذلك يحفز الجسم آلية الالتهاب للدفاع عن نفسه عندما يكون وحيدا، ولكن الكثير من الالتهاب يمكن أن يؤدي لأمراض خطيرة مثل السرطان. وتزيد الوحدة من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

16