مواجهة إيران في شرق سوريا تستدعي تعديل مقاربات حكم الأكراد

المظالم الاجتماعية التي تواجهها القبائل العربية تدفعها إلى أحضان طهران.
الاثنين 2024/08/19
السلطوية تأتي بنتائج عكسية

يمثل التمرد القبلي الأخير في دير الزور، الذي أطلقت شرارته المظالم المحلية في حق العشائر العربية، تحديًا هائلًا لكل من الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في المنطقة. وطالما بقي الوجود الأميركي غير مؤكد، ستستغل الجهات الفاعلة الأخرى الوضع ومظالم السكان المحليين لتأجيج الأوضاع.

دير الزور (سوريا) - تتمتع الجماعات المدعومة من إيران ونظام الرئيس السوري بشار الأسد ببعض الجاذبية المحلية، ويعود ذلك جزئياً إلى المظالم التي تواجهها من إستراتيجية الحكم التي تتبعها قوات سوريا الديمقراطية بزعامة الأكراد في المناطق القبلية العربية.

وفي 6 أغسطس، عَبَرت جماعات مسلحة نهر الفرات وهاجمت عدة قرى تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد والتي تدعمها الولايات المتحدة. وتقع هذه القرى بالقرب من المواقع العسكرية الأميركية في منشآت النفط في كونوكو والعمر في محافظة دير الزور الشرقية، والتي اجتاحها مقاتلون متحالفون مع نظام بشار الأسد وإيران. وعلى مدار العام الماضي، أحبطت واشنطن محاولات طهران لإخراج القوات الأميركية من سوريا والعراق، وجزئياً عبر مساعدة قوات سوريا الديمقراطية في صد هجمات مماثلة لتلك التي حدثت في الأسبوع الماضي.

يقول أندرو تابلر المدير السابق لشؤون سوريا في مجلس الأمن القومي الأميركي في تقرير نشره معهد واشنطن إنه رغم قيام قوات سوريا الديمقراطية بقمع استفزازات الميليشيات المختلفة والانتفاضات المحلية، تواجه قسد الآن ضغوطاً متزايدة في المناطق العربية الخاضعة لسيطرتها، وخاصة من ما يسمى بـ “قوات العشائر لتحرير الجزيرة والفرات” وهي قوات وكيلة مدعومة من إيران، التي أعيد تشكيلها، ويبدو أنها عازمة على جعل التحدي أكثر صعوبة في الأشهر المقبلة

وفي الوقت نفسه، تصاعدت هجمات الميليشيات الإيرانية على القوات الأميركية منذ يوليو، مما أثار مخاوف من انسحاب واشنطن لقواتها من سوريا. ولكن بدلاً من تهدئة هذه المخاوف فقط، قد تجد واشنطن أن بإمكانها استخدام تلك المخاوف كوسيلة ضغط – على الشركاء والخصوم على حد سواء – لتغيير الديناميات المتدهورة في شرق سوريا، بغض النظر عما إذا كان الانسحاب سيحدث في العام المقبل أم لا.

أندرو تابلر: رغم قيام قوات سوريا الديمقراطية بقمع استفزازات الميليشيات المختلفة تواجه قسد ضغوطا متزايدة في مناطق سيطرتها
أندرو تابلر: رغم قيام قوات سوريا الديمقراطية بقمع استفزازات الميليشيات المختلفة تواجه قسد ضغوطا متزايدة في مناطق سيطرتها

وشملت الجماعات التي شنت الهجوم في الأسبوع الماضي “قوات الدفاع الوطني”، وهي ميليشيا مدعومة من نظام الأسد وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني؛ وقوات القبائل والعشائر العربية بقيادة إبراهيم الهفل، وهو شيخ موالٍ للنظام من قبيلة العكيدات؛ ومجموعة “تحرير الجزيرة” بقيادة هاشم السطام المعروف أيضاً باسم أبوبسام، وهو زعيم آخر من قبيلة العكيدات انحاز إلى الأسد وإيران.

وفي كل حالة، استخدم المقاتلون قذائف الهاون والمدفعية للاستيلاء لفترة وجيزة على قرى ذيبان واللطوة وأبو حمام، مما أسفر عن مقتل ستة جنود من قوات سوريا الديمقراطية وإصابة تسعة آخرين. واستعادت قسد القرى بسرعة بمساعدة من الولايات المتحدة، بما في ذلك المروحيات الهجومية. وصرح الهفل – الذي قاد انتفاضة ضد قوات سوريا الديمقراطية في أغسطس 2023 – أن الهجوم كان بداية حرب “لتطهير” المنطقة من “عصابات قنديل الإرهابية”، في إشارة إلى قيادة حزب العمال الكردستاني التي تسيطر إلى حد كبير على قسد من قواعدها في جبال قنديل بالعراق.

وكانت تصريحاته ذات أهمية خاصة نظراً للاشتباكات الأخيرة في شمال سوريا بين قوات سوريا الديمقراطية والميليشيات المدعومة من تركيا، التي خاضت معارك ضد حزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية في تركيا وخارجها لعقود من الزمن. وجاءت هذه الاشتباكات بعد تقارير عن إجراء محادثات بين مسؤولين سوريين وأتراك بهدف واضح هو ترتيب لقاء بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بما يتماشى مع التطبيع الإقليمي المتزايد للعلاقات مع دمشق.

وفي غضون ذلك، يصادف الشهر المقبل الذكرى السنوية العاشرة للحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، والتي شهدت نشر القوات الأميركية في سوريا عام 2015 لدعم قوات سوريا الديمقراطية. ومنذ الهزيمة الإقليمية لتنظيم داعش في عام 2019، وفي ظل غياب تسوية قابلة للتطبيق للحرب في سوريا، بقي حوالي 900 جندي أميركي في الشرق للمساعدة في منع داعش من إعادة تشكيل نفسه.

وتُعد هذه المنطقة التي تراقبها الولايات المتحدة، والتي يُطلق عليها “المنطقة الأمنية في شرق سوريا”، موطناً لعدد من القبائل العربية السنية التي لديها مظالم طويلة الأمد ضد قسد، تتراوح من قضايا طائفية مع القيادة الكردية للجماعة إلى انتقادات بأن مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية يفضلون بعض القبائل والعشائر العربية على حساب الأخرى. ووفقاً لمصادر محلية، تراجعت مكانة الهفل على مدار الأشهر الثلاثة الماضية بسبب موقفه المؤيد علناً للنظام السوري وهجماته عبر النهر ضد قوات سوريا الديمقراطية.

وفي أواخر عام 2023 وأوائل عام 2024، دعم النظام السوري الهفل من خلال تقديمه المساعدة ومنحه حرية الحركة في جميع أنحاء الجزء الغربي من محافظة دير الزور، التي تمتد على جانبي نهر الفرات. لكن ذلك جاء بتكلفة. فقد شعر العديد من أتباع الهفل بعدم الارتياح تجاه موقفه المؤيد للأسد، وخاصة أولئك من منطقة الجزيرة التي تسيطر عليها “قسد” شرق الفرات، مما دفع الكثيرين إلى الفرار أو العودة إلى ديارهم بموجب عفو من “قوات سوريا الديمقراطية”.

وعندما كثف الهفل هجماته في وقت سابق من هذا العام، ردت قوات سوريا الديمقراطية بتكثيف قصفها على طول الضفة الغربية للنهر – ليس فقط ضد موقع الهفل، بل ضد المناطق المأهولة بالسكان أيضاً. ورداً على ذلك، طالب السكان المحليون الغاضبون نظام الأسد بوقف الهجمات التي يشنها الهفل. وبعد ذلك بوقت قصير، أصدر رئيس الاستخبارات السورية حسام لوقا – بتشجيع من روسيا وفقاً لبعض التقارير- أمراً بوقف جميع الهجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية وتجنب المزيد من التصعيد، مما أدى إلى فترة من الهدوء في مايو ويونيو. لكن سرعان ما ظهرت إلى الواجهة قوات أخرى مدعومة من إيران. وكان أبرزها “لواء أسود العكيدات” بقيادة هاشم السطام – والذي أعيدت تسميته لاحقاً بـ”قوات العشائر لتحرير الجزيرة والفرات” – التي بدأت في تجنيد مقاتلين لشن هجمات متجددة ضد قوات سوريا الديمقراطية.

◙ قسد عازمة على جعل التحدي أكثر صعوبة في الأشهر المقبلة
◙ قسد عازمة على جعل التحدي أكثر صعوبة في الأشهر المقبلة

وتعد اتصالات السطام بإيران واسعة النطاق؛ فهو يعمل كمسؤول في مكتب الحرس الثوري الإيراني في الميادين ويقوم بتجنيد السكان المحليين في ذيبان (مسقط رأسه، مثله مثل الهفل). وبتمويل من الحرس الثوري وشبكات التهريب والمخدرات التابعة له، تمكنت مجموعة السطام من اجتذاب أعضاء بعيداً عن ميليشيا الهفل، ويُقدر الآن عددها بما يصل إلى 800 مقاتل في أربع وحدات.

في ضوء هذه الأحداث، يبدو أن جهود إيران لتأجيج التوترات في شرق سوريا تتوسع بالتزامن مع جهودها لطرد القوات الأميركية. وبينما تفكر واشنطن في احتمال الانسحاب في المستقبل، يجب عليها اتخاذ تدابير حالياً لتجنب سيناريو تُعاني فيه قوات سوريا الديمقراطية من انهيار أشبه بما حدث في أفغانستان، بينما تعود القوات الموالية للأسد والقوات الموالية لإيران منتصرة إلى الشرق. ويشمل ذلك الحفاظ على الدعم الدبلوماسي لمهمة مكافحة تنظيم داعش في سوريا والدعم العسكري لـقسد في صد الهجمات من المناطق التي تسيطر عليها إيران والأسد عبر الفرات.

وتصاعدت الاحتكاكات المحلية جزئياً لأن قوات سوريا الديمقراطية غالباً ما تتخذ موقفاً قاسياً في قمع الانتفاضات القبلية أو في تعاملها مع المجتمعات العربية المحلية. ولم تؤد التوترات المتعلقة بحرب غزة إلّا إلى تفاقم هذه المشاكل. وعلى الرغم من أن واشنطن لا يمكنها فعل الكثير بشأن العامل الأخير في الوقت الحالي، إلا أنه بإمكانها تغيير طريقة تعاملها مع قوات سوريا الديمقراطية.

وبعد عقد من القتال ضد تنظيم داعش من خلال قوات سوريا الديمقراطية، لا تزال الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على إدارة قسد لشرق سوريا. ومع ذلك، فإن القيادة التي يهيمن عليها الأكراد لـقوات سوريا الديمقراطية تسببت في تنفير القبائل العربية، وفشلت المناشدات السابقة لواشنطن في تحرير نهج هذه القوات.

والواقع أن الديناميكية الحالية غير قابلة للاستمرار. ولأجل تغييرها، بإمكان واشنطن استغلال شبح الانسحاب الأميركي لإرغام قوات سوريا الديمقراطية على أن تكون أكثر تجاوباً مع المجتمعات القبلية العربية. كما يجب على المسؤولين الأميركيين حث الجماعة على تحديد القادة القبليين الأكثر اعتدالاً (أي أولئك الأكثر تفضيلاً للولايات المتحدة وغير الميّالين للتوجهات السلفية التي تقف في صميم أيديولوجية تنظيم داعش) والتعامل معهم.

وبوسع هؤلاء الزعماء بدورهم أن يكونوا العمود الفقري لقوات محلية سنية جديدة متحالفة مع قوات سوريا الديمقراطية. وعلى الرغم من أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت وبعض الضغوط، إلّا أن الفوائد المحتملة على المدى الطويل كبيرة. وستكون هذه الجهود أكثر فعالية إذا اقترنت بدعم الولايات المتحدة وأوروبا للمشاريع المتعلقة بمياه الشرب والري والزراعة. وبإمكان هذه المبادرات أن تساعد الشباب السوريين على بناء سبل عيش أفضل مما تقدمه لهم إيران ونظام الأسد حالياً.

ويمكن البدء بشكل عملي من خلال تشجيع قوات سوريا الديمقراطية على الانسحاب من المدارس في دير الزور، مما قد يساعد في تقليل التوترات وجعل السكان المحليين أقل عرضة للوقوع تحت تأثير شخصيات مدعومة من إيران مثل السطام. وقد يساعد السماح باستئناف التعليم في تحسين تعليم الشباب، مما قد يجعلهم أقل عرضة للانضمام إلى تنظيم داعش أو غيره من الجماعات المتطرفة في المستقبل.

وأياً كان النهج الذي تتبناه واشنطن تجاه الاشتباكات الأخيرة، عليها أن تدرك أن الانسحاب من سوريا حالياً – مع عودة تنظيم داعش إلى الظهور، وتزايد خطر اندلاع حرب إقليمية أوسع نطاقاً، وتشجيع ما يسمى بـ”محور المقاومة” الإيراني – سيكون خطأ. وللحفاظ على الوجود الأميركي واستدامة قدرة القوات المحلية الشريكة للولايات المتحدة، يتعين على المسؤولين الأميركيين أن يخففوا من حدة النهج الإشكالي الذي تتبناه قوات سوريا الديمقراطية في الحكم.

6